Close ad

سيد محمود سلام يكتب: دريد لحام .. كي تعش عمرك .. لا تترك وطنك!

4-9-2021 | 08:43

ليس من الإنصاف أن تختصر مسيرة المبدع الكبير دريد لحام عند تجربة "غوار الطوشة"، فى "كأسك يا وطن" نهاية السبعينات، أو "عبد الودود التايه" فى فيلمه الأكثر سخرية من الواقع العربي "الحدود" عام 1984، قد يكون للتجربتين خصوصيتهما، وأهميتهما، لأن الجمهور العربي عاش على وقعهما حالات درامية عبرت عن معاناة الشعوب آنذاك، فكان غوار، وعبد الودود، لسان حال الكثيرين.. 
 
ولكن المتأمل فى مسيرة دريد لحام الذى يكرمه مهرجان الإسكندرية لسينما دول البحر المتوسط فى دورته السابعة والثلاثين فى 25 سبتمبر الجاري، بمنحه وسام عروس البحر المتوسط، يكتشف إنه وحتى تجاربه الأخيرة مع المبدع المخرج باسل الخطيب، فيلم "دمشق- حلب" وعرض تجاريا، وفيلمه "الحكيم" ولم يعرض، وحسب ما نشر عنه إنه يتناول حياة طبيب يعيش في بلدة ريفية نائية، يسخر وقته وطاقته لخدمة أهلها بما يمتلكه من خبرات مهنية وحياتية، فيكون بمثابة "الحكيم".
 
حتى هاتين التجربتين يقف دريد لحام على نفس الخط، ونفس اليقين بأهمية الوطن، وأننا نولد على أرضه لنعيش عليها وندفن فى قلبها، لا أن أن نولد لنغادرها بحثا عن رفاهية أوطان أخرى.. قد يكون هذا المعتقد هو الدافع الأقوى لبقاء فنان يقترب من السابعة والثمانين بنفس حماس وموهبة فترة تألقه فى السبعينيات، بل أقوى بكثير لأن لديه قناعات، ولديه مشروع يعيش من أجله.
 
فى شوارع دمشق كان لي حظ حضور تصوير مشاهد فيلم "دمشق- حلب"، وكان التصوير ليلا، شاهدت ممثلا وكأنه ابن الثلاثين، ينصت وينفذ تعليمات المخرج باسل الخطيب، فى حين يجلس الجميع لا صوت، لا همس، الكل يستمتع بأداء ممثل يداعب الكاميرا.. هنا تدرك على الفور بأن الفنان ليس مجرد ممثلا لشخصيات، بل هناك قوة يصنع بها رسالته التى يغلفها بفن جميل لتصل إلى جمهوره ويقتنع بها.
 
دريد لحام فى كل عمل فنى يختار الشكل والمضمون، ليبلور الرسالة، هو لا يقصد أن يتحدث عن السياسة، ولا يهمه حتى الحديث فيها، هناك أبعاد أخرى كالبسطاء، كيف يعيشون، يتألمون، فهو عندما يتحدث عن البدايات يكشف لك كم عانى وهو صغير،عمل مدرسا ثم محاضرا بإحدى جامعات دمشق، ولم يولد نجما، بل قدم عشرات الأدوار فى البدايات.
 
لم يكتف بالتشخيص كممثل، بل خاض كل التجارب؛ الكتابة، الإخراج، مثل مع معظم نجوم العالم العربي، تجاربه فى السينما المصرية لها أهميتها، ومن الأعمال التى نجح فى أن يستهدف بها الأطفال فيلمه "الآباء الصغار" حالة سينمائية تدرس، كيف يصنع معادلة صعبة فى عمل فنى، فيقدم رسالة مهمة جدا بأن الأطفال لا يحتاجون إلى أب فقط بقدر حاجتهم إلى من يصبح صديقا لهم، يتحمل مسئولية مزدوجة حتى وإن رحلت الزوجة.
 
كل عمل فنى قبل أن يشرع دريد لحام فى تصويره يضع نصب عينيه رسالته، فالفن عنده ليس وسيلة ترفيه فقط، بل قراءة لأحوال مجتمع وتجسيد لصور قد نغفل عنها نتناسى أنها تحيط بنا، فتأتى الدراما لتدق نواقيس الخطر وتنبهنا بأننا بحاجة لأن نستيقظ، أن ننظر إلى الخطر ونواجهه قبل أن يتربص بنا، رسالة نلمسها فى الحدود، فى التقرير، فى "دمشق- حلب" عندما ينبهنا "عيسى عبدالله" مقدم البرامج الانطوائي، الذى يعيش في معزل عن الأحداث الجارية في منطقة دمشق، فيما تقبع ابنته تحت الحصار في حلب، إلى أن ينفك الحصار وتتحرر حلب، يقرر أن يقوم بمغامرة لزيارة ابنته ليصور لنا كيف صنعت الحرب فى الإنسان السوري.. 
 
دريد لحام "صانع المطر" و"شقائق النعمان"، و"الكفرون" و"عائلة الدوغرى"، و"المسك والعنبر" و"الملح والسكر"، وعشرات الأعمال المبهجة.. تحية إلى ممثل يعيش من أجل رسالة "حب الوطن".

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: