Close ad

شريف عارف يكتب: "دكاكين الفضائيات" .. وأخلاقيات التيك توك

31-8-2021 | 16:03
الأهرام المسائي نقلاً عن

قبل أيام ودعنا واحداً من جيل الرواد في العمل الإعلامي، وصوتاً إذاعياً فريداً، ارتبطنا به وبفكره في سنوات الحرب والسلام..

الإذاعي الكبير حمدي الكنيسي، كان علامة في جيله، ونبراساً ومدرسة لمن عملوا معه وجاءوا من بعده، وقد أسعدني الحظ في العمل مبكراً مع جيل الرواد من المحررين العسكريين، الذين خاضوا أعنف المعارك على الأرض مع أبطال الجيش المصري لتوصيل كلمتهم، جيل لم يكن يعرف سوى كلمتي "النصر أو الشهادة".

في سنوات حرب الاستنزاف وحتى نصر أكتوبر المجيد، كان المحررون العسكريون جزءًا من المعركة، رسموا الصورة لما يدور على جبهة القتال بكل أمانة وحرفية، فقد كان كل منهم علامة في مجاله وتخصصه، انعكست على أدائه وزواياه الخاصة في التناول.

جمعتني أحاديث عميقة مع المرحوم حمدي الكنيسي، وخاصة عن برنامجه الأشهر "صوت المعركة"، والذي كان يقدمه من على جبهة القتال، ناقلاً أحلام الجنود بالنصر المجيد، ومن بين تلك الأحاديث حوار جانبي اختصني فيه بمعلومة فريدة، فبعد الانتصار العظيم في أكتوبر وبعد زيارة القدس، كان الرئيس السادات - رحمه الله – يلتقي الصحفيين والإعلاميين عادة في استراحة القناطر، وفي إحدى المرات تحدث إلى الكنيسي قائلاً : "الناس كلها متابعة برنامجك صوت المعركة وأنا واحد منهم.. إنما دلوقت المعركة الحربية انتهت.. وقدامنا معركة أخرى هي معركة السلام"! .. أنصت الكنيسي إلى حديث الرئيس باهتمام وفوجئ بقوله: "أنا عايز تخلي البرنامج اسمه .. صوت السلام"!

لم يستطع الكنيسي الرد.. لكنه وعد الرئيس بالقول: "نشوف يا فندم"!

قال لي الكنيسي: "وقتها ظللت في حيرة.. فمن غير المقبول أن نغير اسم البرنامج إلى صوت السلام بعد صوت المعركة.. الناس لم تكن مؤهلة لهذا التحول"!

وعندما سألته: "ماذا فعلت للهروب من هذا المأزق؟" فرد بهدوء: الرئيس السادات لم يسألني مرة أخرى.. ويبدو أنه راجع كلامه ووجد أن الوقت غير مناسب!

هؤلاء هم جيل الرواد الذين تشرفنا بالتعامل والتعلم منهم، أما ما نشهده على الساحة الإعلامية الآن فيحتاج إلى وقفة من مختلف الأجهزة المعنية، وخاصة فيما يتعلق بـ"دكاكين الفضائيات"، وهي القنوات التي تحمل ترددات على النايل سات.

ومع تقديري واحترامي لكل الزملاء، الذين اضطرتهم ظروف العمل للتعاون مع هذه القنوات، فإننا فعلاً أمام أزمة حقيقية، فعلى مدى السنوات الماضية، كان الأسلوب المعتمد لهذه " الدكاكين" هو تأجير ساعات البث لكل من "هب دب"، وأصبح كل منهم "إعلامياً" يفتقد لأبسط قواعد المهنية!

الأزمة التي أثارها "دكان" من هذه الدكاكين قبل أيام تستحق التوقف أمامها، فأنا عادة لا أتابع مثل هذه القنوات لأنها في رأيي صورة أخرى من المقاطع الهزلية الموجودة على "تيك توك" التي غالباً ما تفتقد للأخلاقيات، لكني توقفت أمام مقطع متداول على مواقع التواصل الاجتماعي لمذيعة تلك القناة وهي تعنف الضيف بقوة وتصرخ في وجهه بحدة: "وأنا ذنبي إيه إنك ما شفتش الإنترو بتاعي"؟!

هذا نموذج واحد من بين آلاف النماذج الدالة على تردي هذه "الدكاكين الفضائية"، وافتقادها لأبسط قواعد المهنية، فلو أن هؤلاء قد سلكوا الطريق الطبيعي، لوجدوا على الأقل من يعلمهم أو يرشدهم إلى الطريق الصحيح.

قبل ساعات نشر أحد الإعلاميين على صفحته بـ"فيس بوك" قصة عميقة، عندما سأل الإعلامي الكبير محمود سلطان – رحمه الله- لماذا تقول لكل ضيف " حضرتك" وربما يكون شخصاً عادياً.. فكان رده: "أنت كمذيع ملزم باحترام الضيف حتى لو كان جامع قمامة"!

الصدفة وحدها أوجدت مثل هذه "الدكاكين الفضائية"، وصنعت أجيالا من محدودي الإمكانات الذين نصبوا أنفسهم كقضاة على منصات القضاء، يتهمون ويصدرون أحكاماً نهائية، دون الاستماع - على الأقل -  إلى حق المتهم في الرد!

[email protected]

 
كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
شريف عارف يكتب: روح لا تنام.. وبطولات لا تموت

بعد ساعات قليلة، من عبور قواتنا المسلحة للمانع المائي لقناة السويس في حرب أكتوبر المجيدة، كتب الأديب الكبير توفيق الحكيم في صحيفة الأهرام يقول: عبرنا

شريف عارف يكتب: مائة عام من "العبث"

قد يكون مسلسل الاختيار بأجزائه الثلاثة، قد ساهم في عملية توثيق جرائم جماعة الإخوان خلال الألفية الثالثة، لكنه لم يغير شيئاً - في وجهة نظري- تجاه الحكم الذي أصدره الشعب المصري في 30 يونيو 2013