نواجه حاليًا طقسًا حارًا ترتفع فيه درجات الحرارة إلى مستويات قياسية لم نعهدها من قبل، وشهدنا، لأول مرة، سقوط الجليد في مناطق بالجزيرة العربية والخليج، وسمعنا عن تعرض المناطق الجليدية الباردة إلى موجات حارة ارتفعت فيه درجات الحرارة بمعدل تجاوز 10 درجات، صاحبها انتشار حرائق الغابات لفترات طويلة.. وفي الوقت الذي اجتاحت فيه السيول عددًا من القارات في أوقات متتابعة، تواجه مناطق أخرى من العالم حالات من الجفاف..
إذن هو ليس إعادة تشكيل للطقس في كل أرجاء كوكب الأرض، أو ما يطلق عليه "التغير المناخي"، فقط.. بل هو تغيير للتنمية ولنمط الحياة التقليدي السائد، حيث يزيد "التغير المناخي" من معدلات الفقر، ويؤثر سلبًا في معدلات النمو الاقتصادي..
وبعد أن كانت مناطق تشهد تحولات الطقس وتغيرات في المناخ على مدى نحو عقد كامل، فإن ما كان يحدث خلال 10 سنوات، بات يحدث على مدى 24 ساعة، وليست حالات الإخلاء لمناطق وتشرد المئات وقوائم المفقودين والمصابين في أوروبا وأمريكا الشمالية ببعيد، فهل يعيد هذا التغير تشكيل الحياة ومفرداتها وأنشطتها على هذا الكوكب..؟
يبدو أن وحدة قياس الطقس الحالية، مع الاستمرار في الارتفاع المتزايد للحرارة، ستتغير أيضًا وحدة القياس هذه، من درجة أو درجتين، إلى وحدة تتمثل بـ 5 أو 10 درجات وحدة واحدة تماشيًا مع هذا التغير، وبالتالي فإن التغير المناخي أو علوم الطقس بعد أن كان الاهتمام بها فرعيًا، فقد أصبح الانشغال بها أساسيًا، إن لم يأخذ الأولوية القصوي في اهتماماتنا اليومية بعد أن كان هذا التعبير هامشيًا نادرًا لا يتداوله إلا العلماء، أصبح معتادًا يتصدر اهتمامات رجل الشارع..
يبدو أن ما كان يسمى بالتنمية المستدامة، وجوهرها الحفاظ على الموارد وصيانتها وتنميتها للأجيال المقبلة، فإن استدامة هذه التنمية تتراجع أولوياتها أمام خطر التغيرات الدراماتيكية السريعة للمناخ، والتي تشكل خطرًا حقيقيًا ومباشرًا أمام الأجيال المقبلة.
ولاشك أن طموح الدول لتحقيق معدلات نمو واعدة، وما يصاحبها من عمليات الإنفاق وضخ الاستثمارات لتحسين خدماتها لمواطنيها وتخصيص الميزانيات لتطوير المرافق، فإن ذلك في ذاته يسهم، بشكل مباشر أو غير مباشر، في التلوث الكربوني ويرفع معدلات الاحتباس الحراري، وبالتالي يحدث بدوره تغيرًا لنشاط الطقس ويؤدي إلى تغير في المناخ.. ولكن هل نعيد النظر في خطط وأساليب تحقيق التنمية وسبل السباق نحو النمو..؟
التساؤل من زاوية أخرى هو: كيف يمكن لسياسات وخيارات النمو أن تساعد في الحد من محركات تغير المناخ..
يجيب رئيس مجموعة البنك الدولي السابق جيم يونغ كيم قائلا: لا مفر من تحقيق النمو... لكن ما يجب علينا فعله هو فصل النمو عن الانبعاثات الكربونية، كيف؟..
حدد يونج 5 مستويات تتركز في تسعير الكربون، ليبدأ خفض الانبعاثات الكربونية، مثل نظام تداول الانبعاثات الذي يفرض حدودًا قصوى أو الضرائب على الكربون التي تُفرض بالطن، فهي ترسل إشارات طويلة الأجل إلى الشركات بخلق حوافز للحد من السلوكيات المتسببة في التلوث وللاستثمار في خيارات الطاقة النظيفة، وابتكار أساليب منخفضة الانبعاثات، ورفع الدعم عن الوقود الاحفوري،"يستخرج الوقود الأحفوري من الفحم الحجري، الفحم، الغاز الطبيعي، ومن النفط"، وكذلك التوسع في إنشاء المدن الخضراء، ومحاربة تغير المناخ في كل ما نفعله..
ما أكثر من الدراسات البيئية والبحوث في العلوم الإيكولوجية والمناخية على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، والتي تباينت فيها آراء المئات من الخبراء الذين وضعوا وسجلوا هذه الدراسات والأبحاث، إلا أن الدراسات ورؤى الخبراء لم تتفق ولم تجمع إلا على استنتاج وتوقع واحد هو: "أن التفاعلات وتداعيات التغير المناخي هي اكبر مما نتصور وأضخم مما نتوقع"..
حتى المناخ سيصبح شيئًا من التراث.. هذا ما يجمع عليه الخبراء، وسبحان الله القادر المقتدر..
[email protected]