أثار مشهد إجبار «هنا» على ممارسة العلاقة الحميمة مع زوجها الشيخ مؤنس في مسلسل «لعبة نيوتن» غضب واستياء الكثير من النساء وظهر هذا من خلال تعليقات السيدات على السوشيال ميديا، فمما لا شك فيه أن هناك بعض السيدات اللاتي تعرضن ومازلن يتعرضن لهذا المشهد غير الآدمي، الذي ينم عن أننا مازلنا في مجتمع ذكوري يحاول فيه الرجال فرض نفوذهم تحت ستار الشرع الذي وضح أنه بريء، من الممارسات الخاطئة والمغلوطة للرجال، فالزواج علاقة مقدسة قوامها المودة والرحمة والسكن وليس العنف والوحشية، «نصف الدنيا» رفعت الستار عن حكايات واقعية لنساء تعرضن للإجبار على ممارسة العلاقة الحميمة تحت شعار الشرع.
البداية كانت عندما بحثنا عن هؤلاء النساء في منظمات المجتمع المدني لنحصل على ورقة بحثية أعدتها مؤسسة قضايا المرأة المصرية عن الاغتصاب الزوجي بعدما أطلقت حملة مناهضة الاغتصاب الزوجي لمدة 16 يومًا، ومن خلالها تلقت العديد من شكاوى السيدات اللاتي لم يخجلن من البوح بقصصهن، فوفقا للثقافة التي ينتهجها كثير من الرجال فإن «العلاقة الجنسية بين الزوجين تعد من الخصوصيات التي لا يجوز للمرأة أن تتحدث عنها أو تبوح بها مهما ينتج عنها من أضرار أو أوجاع أو مارسها الزوج بأبشع الصور ودون رضاها، وأحيانا في أوقات مرضها وضعفها، حيث رددت كثير من النساء اللاتي تعرضن لمثل هذا العنف كلمة «بحس إنه بيغتصبنى»، لتكشف مدى المعاناة والألم النفسي الصحي الواقع عليها من هذه العلاقة غير السوية، ومن هنا جاء مصطلح «الاغتصاب الزوجي».
الثقافة الذكورية
وقالت مؤسسة قضايا المرأة في بيان لها: إن شهادات السيدات شملت من تتعرض للضرب والعنف والإجبار على المعاشرة الزوجية مما أسفر عنه من مشكلات صحية كبيرة، ومن يجبرها زوجها على المعاشرة بطريقة غير شرعية، وأخرى كان زوجها يدس لها المخدر في المشروبات ليتمكن من معاشرتها بطريقة غير شرعية حتى أدمنت المخدرات.
وأشارت إلى أن هناك العديد من الأسباب وراء الاغتصاب الزوجي من أبرزها الثقافة الذكورية للمجتمع التي تسمح للرجل بممارسة السلطة والإجبار على المرأة بغض النظر عما يقع عليها من عنف وإيذاء بدني ونفسي ومادي من هذا الزوج.
خجل النساء وقلة الوعي
وعند التواصل مع عبدالفتاح يحيى محامي مؤسسة قضايا المرأة المصرية ذكر أن قانون العقوبات المصري لا يجرم الاغتصاب الزوجي، في حين تشبيه النساء عند إكراههن على العلاقة الحميمة بالاغتصاب يتماشى مع التعريفات الدولية لمعاشرة النساء جبرًا، حيث يُعرف الاغتصاب الزوجي دوليا بأنه «إجبار الرجل لزوجته على ممارسة العلاقة الحميمة أو معاشرتها رغمًا عنها» وتُعرِّف المحكمة الجنائية الدولية الاغتصاب في مادتها السابعة من النظام الأساسي لها على أنه (انتهاك بدني ذو طبيعة جنسية يرتكب بحق شخص في ظروف قهرية) وحددت عناصره في انتفاء الرغبة وممارسة العنف والتهديد حتي لو كان إجبارًا نفسيا وهي العناصر التي تتوافر في الاغتصاب الزوجي.
عند إلقاء الضوء على هذا الشكل من أشكال العنف نجد أنه لا يوجد حتى الآن إحصائية بحالات الاغتصاب الزوجي، قد يكون ذلك بسبب خجل السيدات أو قلة الوعى، ولكن في عام 2014 رصد المسح السكاني تحت إشراف وزارة الصحة أن 267 من السيدات المتزوجات في عينة البحث البالغة 6693 سيدة قد تعرضن إلى العنف الجنسي من أزواجهن، و30% ممن انفصلن عن أزواجهن تعرضن إلى العنف مرة واحدة على الأقل وهى نسبة مقاربة لما ورد في تقرير منظمة الصحة العالمية عام 2013، الذى أجرى في عدة دول ومنها مصر، ورصد أن 35% من النساء يتعرضن إلى العنف الجسدي أو الجنسي من أزواجهن.
الاحتياجات النفسية والصحية للمرأة
ويضيف عبدالفتاح المحامي قائلًا: ربما ترجع قلة الإحصائيات إلي كون المجتمع يعتبر هذه العلاقة حقا أصيلا للرجل، فهو من يقرر متى وأين وكيف تحدث العلاقة، دون مراعاة الاحتياجات النفسية والصحية للمرأة، أو حتى احتياجها إلى توقيت هذه العلاقة، في حين أن الشرع تحدث عن العلاقة الصحيحة بين الزوجين، مؤكدا ضرورة وجود المودة والرحمة والسكن.
آداب العلاقة
وعن رأي الدين تقول د. آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر: إن العلاقة الزوجية لو تمت بالإكراه لا توصف بالحميمة، فالقرآن الكريم نبه إلى ذلك عندما قال «قدموا لأنفسكم» أي أن هناك آدابا لهذه العلاقة، لابد من أن يعرفها الزوج حتى تكون همزة تواصل أو جسرا لإصلاح ما أُفسد في هذه العلاقة، وأنها لا تتم عنوة من الزوج ورغبة في أخذ ما يريد دون أن يكترث بالطرف الآخر، لأن الزوجة عندما يؤخذ منها ما يريده الزوج دون رضاها وتقبلها تشعر بالحقد والكراهية تجاه زوجها، وللأسف هناك بيوت كثيرة يتصور فيها الزوج نفسه وكأنه يأخذ ما يشاء بالميثاق الغليظ في أي وقت كما يريد دون الاكتراث بالطرف الآخر، وطبعا هذا تفكير فيه نوع من «النطاعة» وعدم الفهم الصحيح لطبيعة العلاقة الحميمة بين الزوجين، فبدلًا من أن تكون همزة تواصل تنقلب إلى مزيد من الكراهية والحقد وللأسف الكثير من الأزواج لا يكترثون بالحقيقة النفسية لهذه العلاقة التي تؤخذ عنوة.
لا تؤخذ الزوجة منفردة
عندما يدعي الرجل أنه حقه الشرعي أقول له على عيني ورأسي لكن الله يقول له «وقدموا لأنفسكم» فالتقديم مسألة ضرورية تزيل ما في النفس من كبوة وفيه تهيئة لتقبل الزوجة للعلاقة، فلا تؤخذ المرأة منفردة أبدا إنما هذه علاقة يحكمها الطرفان الزوج والزوجة، وفي الحقيقة الزوج يقع عليه النصيب الأكبر من المسئولية، أتمنى من الخطاب الديني من قبل المشايخ أن ينبهوا إلى أهمية دور الزوج في بناء علاقة المودة في البيت في هذه القضية.
«لا ترتموا على أزواجكم كالبهائم»
أما عن السيدات اللاتي شعرن بالاغتصاب الزوجي لأخذ الزوج حقه بالضرب والإهانة، هنا جاء لفظ الاغتصاب لأن الزوج يأخذه كراهية دون استرضائها، فهناك تحذير نبوي «لا ترتموا على أزواجكم كالبهائم»، وفى رواية أخرى: «لا يقع أحدكم على أهله مثل البهيمة على البهيمة»، فليس معني أن هناك عقدا بينه وبينها أن يأخذ ما يشاء وقتما يشاء بغض النظر عن أنها مريضة أو متعبة أو أي ظروف أخرى قد تمر بها المرأة، لذلك أنصح الزوجة التي يحدث معها ذلك بأن تتخفف من غضبها، وتتلقى أية إشارة من الزوج في رغبته في التقارب والمودة وأنصح الزوج بأن يدرك أن مودة الزوجة والتقارب منها على أصول المودة والرحمة مسئولية أمام الله معلقة في عنق الزوج، لذلك أناشد أئمة المساجد الاهتمام بهذه الجزئية لأن بها تبنى وتهدم البيوت.
«وعاشروهن بالمعروف»
وبسؤال الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر عن مدى حق الزوج في إجبار زوجته على إقامة العلاقة الحميمة أجاب: ليس من حق الزوج إجبار زوجته على العلاقة الحميمة، فالمعاشرة التي أباحها الشارع بين الزوج وزوجته إنما تكون بالقبول والإقناع والرضا وليس بالإكراه والإجبار، لأن الإسلام ينظر إلى آدمية المرأة، فالأنثى ليست «بهيمة» تكره أو تجبر على فعل شيء خارج عن إرادتها واقتناعها، هذا صحيح الإسلام، وإذا تمت العلاقة بدون رضاء الزوجة تقع تحت نطاق «الحرمانية» بلا شك، لأن الرسول يقول «لا ضرر ولا ضرار» إضافة إلى قول الله تعالى «وعاشروهن بالمعروف» هذا عام ومطلق إن المعاشرة تكون بالمعروف وليس الإجبار، والمقصود بالمعاشرة ليس العلاقة الحميمة فقط وإنما جميع أنواع المعاملة سواء اللفظية أو الفعلية أو الحياتية، فالعلاقة جزء من هذه المعاشرة، إنما الإكراه والإجبار والتعلق بمَروِيات موضوعة و ضعيفة لإذلال الأنثى ممنوع ومرفوض شرعا، ثقافة الإماء والجواري وملك اليمين هذه كانت في عهود وأزمنة خاصة بها، ولكن لا ينسحب على معاملة المرأة في جميع الأزمنة، فإجبار الزوج لزوجته على ممارسة العلاقة الحميمة حرام شرعا، أما ثقافة السلفية الذين ينظرون إلى المرأة على أنها وعاء لاستفراغ الشهوة الجنسية، فهؤلاء يتعلقون بمَروِيات واهية ضعيفة، لقول الله تعالى «ولقد كرمنا بني آدم» والإجبار يتنافى مع التكريم.
التطليق للضرر
أريد أن أفجر مفاجأة، إجبار الزوج لزوجته على المعاشرة يقع في دائرة الضرر، مما يحق لها إذا لم يرتدع ويقبل اعتذارها وعدم تجاوبها أن تطلب تطليق نفسها بدعوى الضرر، وأرد على الأزواج الذين يهددون زوجاتهم بلعنة الملائكة لغضبهم عليهم وأقول جميع هذه الأخبار فيها مطاعن لأن الإسلام يكرم الذكر والأنثى لا تمييز لأحد على الآخر، فماذا لو أن المرأة باتت غاضبة على زوجها، هل نقول الكلام نفسه؟ ولا ننظر نظرة أحادية الذكورية؟ هذا الكلام في الحالتين مرفوض، للأسف التوعية الأسرية مفقودة في المجتمع العربي، فمن ينادون بالحقوق عليهم معرفة الواجبات، وهذا الكلام يوجه إلى الزوجين، وتجدر الإشارة إلى أن التربية الذكورية للشاب وطلباته المجابة دائما من قبل أمه أو شقيقاته من بين الأسباب التي تجعله يطالب زوجته بالعلاقة الحميمة وقتما وأينما يشاء بغض النظر عن رغبتها، إضافة إلى موروثات بيئية جاءت إلينا في مصر من عادات البدو والأعراب، لأنهم لديهم ثقافة أحادية ذكورية، إنما المصري القديم كان يحترم زوجته الى درجة شبه التقديس.
«الزوجة رقم 13»
تقول د. سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بكلية التربية جامعة عين شمس: أولًا أنا غير راضية عن معظم مسلسلات رمضان لما فيها من عويل وصراخ وتشويه، فأين الدراما المصرية بعد أسامة أنور عكاشة، كلمات صعبة جاءت في المسلسلات أخجل من تكرارها أمام أولادي، وذلك يدل على إهمالنا للفكر والمفكرين بعد إحسان عبدالقدوس ويوسف السباعي وطه حسين ويحيى حقي والعقاد ونجيب محفوظ نحن نحتاج إلى الاهتمام بالمفكرين، هناك هبوط فني رهيب سواء من الإخراج أو السيناريو، وعندما نتطرق إلى مضاجعة الزوج لزوجته من دون رضاها فهذا معناه أننا دخلنا في نفق مظلم وعندما نتذكر فيلم «الزوجة رقم 13» بطولة شادية ورشدي أباظة نجد أنه عالج هذا الموضوع بنوع من الرقي والتحضر، نحن نستطيع اقتحام جميع الإشكاليات والقضايا في قالب راق، وليس فجًا متدنيًا شبه العملية الجنسية وكأنها حيوانية، وليس معنى كلامي أن هذا لا يحدث في الواقع، فهناك رجال يدخلون بشكل حيواني أو وحشي وليس من حقهم أن يفعلوا ذلك، فكل رجل وتربيته، فمن حق الزوجة أن تمتنع عن العلاقة الحميمة لو كانت مريضة أو لها أسبابها الخاصة، لأن العلاقة الحميمة ليست حيوانية وإنما إنسانية، فيها تقارب واستمتاع وعلى المرأة أن تراعي احتياجات زوجها وتلبيتها بقدر الإمكان ولا تستغل هذه النقطة وتتنصل باستمرار من العلاقة الحميمة لأن العلاقة عبارة عن نقطة لها طرفان ذكوري وأنثوي.
القراءة والاطلاع
لكي نصل إلى علاقة سوية يجب أن يتعلم الرجل كيف يصل إلى زوجته بطريقة لبقة كما علمنا الرسول بوجود المداعبة، وهذا يتحقق عن طريق الاطلاع قبل الزواج والقراءة، فهناك العديد من الكتب التي يكتبها الأطباء بشكل راق تفيد المقبلين على الزواج ولكننا للأسف لا نطلع قبل الزواج، فالعلاقة يجب ألا يكون فيها شراهة بقدر ما يكون فيها دماثة الخلق والحنان والمداعبة، وهذا يتوقف على الأخلاقيات والوعي.
التنشئة الاجتماعية بريئة
وتختتم د. سامية بقولها: للأسف لا أستطيع التعويل على التنشئة الاجتماعية لأننا لا نتحدث في هذه الموضوعات داخل الأسر نتيجة خجل الوالدين، لذلك أنصح الأمهات والآباء بتوجيه أولادهم وإفهامهم متطلبات الزواج، وعلى البنت أن تهيئ نفسها وتكون سعيدة بهذه العلاقة والمناقشة الهادئة المعقولة في رغبات كل طرف حتى نصل إلى نقطة التقاء وعلاقة حميمة مرضية للطرفين.
إجبار الزوجة حرام شرعًا