المقاومة ليست حماس وحدها..
على الرغم من سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، للدرجة التي أصبحت فيها صاحبة القرار السياسي في القطاع، إلا أن قصر المقاومة الفلسطينية على حركة حماس وحدها، دون غيرها من فصائل المقاومة، ينطوي على خطأ فادح، فالحقيقة المؤكدة تشير بوضوح إلى أنه رغم عمق الخلاف السياسي الفلسطيني، إلا أن وحدة الشعب الفلسطيني على مستوى المقاومة، لا تزال بخير، ولم تؤثر فيها المشاحنات السياسية، أو الانقسامات، على النحو الذي يتجلى بوضوح في مثل هذه الأزمات الصعبة.
ولا يستطيع أن ينكر عاقل، تطور سلاح المقاومة، وبخاصة منظومته الصاروخية، التي يتراوح مداها اليوم من 10 إلى 250 كيلو مترًا، وهو ما يجعلها قادرة على الوصول لأي مكان في إسرائيل، مع زيادة القوة التدميرية ونجاحها في اختراق منظومة القبة الحديدية، وتحقيق بعض الخسائر وتعطيل حركة الملاحة الجوية، وإحداث أضرار في خطوط الغاز الطبيعي، وبعض المنشآت الحيوية، فضلا عن بث الرعب في نفوس المدججين بالسلاح والخوذات، من عناصر الكيان المحتل، وصوت الشيطان على الأرض.
لكن تحكيم لغة العقل في مثل تلك اللحظات الحرجة أمر ضروري، ذلك أن إحداث بعض الأضرار في صفوف العدو، لا يعني قدرة المقاومة على تحقيق نصر واضح، بمثل هذه الطريقة، وهذا أمر طبيعي، لأن فارق التسليح كبير للغاية، وقدرة إسرائيل التدميرية كبيرة، على ما تحظى به من دعم تاريخي سيظل ممتدًا من أمريكا وأوروبا الشرقية وآخرين.
على الجانب الآخر، فقد أثبت عرب 48 أو ما يطلق عليهم عرب إسرائيل، وهم الفلسطينيون الذين استطاعوا المحافظة على منازلهم عقب النكبة، بأنهم مازالوا متمسكين بهُويتهم وبانتمائهم للقضية الفلسطينية، وقد باءت محاولات طمس هويتهم وإدماجهم في الهوية الصهيونية بالفشل، بعد أن قادوا المواجهات في وجه تهويد القدس، واستطاعوا شل الحركة في عدد من المدن الإسرائيلية، مثلما حدث بمدينة اللد التي أُعلنت بها حالة الطوارئ، وفقدت إسرائيل السيطرة عليها لأول مرة منذ النكبة.
لا يستطيع أحد أن يثني الفلسطينيين عن الدفاع المشروع عن أنفسهم، في وجه الاعتداءات والجرائم الإسرائيلية، ولكن في الوقت نفسه يجب أن تكون هناك نظرة تنظيمية للتضحيات حتى لا تذهب سدى، بحيث تكون تضحيات مدروسة لا عنترية، فالجزائر خسرت مليونًا ونصف المليون شهيد، ولكنها نجحت في التحرر بنهاية المطاف، لذلك يجب أن تكون المقاومة ذات منهج حتى تقود في نهاية الأمر إسرائيل والمجتمع الدولي، للجلوس مرة أخرى إلى مائدة المفاوضات بالتزامن مع موقف عربي موحد داعم للقضية.
غير أن ما يجري في الأرض المحتلة من مقاومة، يتزامن مع حالة من التخبط الشديد في الموقف العربي، الذي يعاني منذ فترة حالة تخبط وانهيار لعدد من الأنظمة العربية، فضلا عن تدخلات إيران المستمرة في المنطقة، وهو ما انعكس بالسلب على وحدة الصف العربي، فلم يعد بمقدور العرب مع الأسف الشديد، اتخاذ موقف حقيقي على الأرض، في وقت بات فيه التنديد بأفعال الاحتلال يحتاج إلى جرأة سياسية، أن ظل موقف مصر من الصراع، هو الأقوى بين الدول العربية، وليس أدل على ذلك، من قيامها بفتح المعبر لنقل السلع والمساعدات الإنسانية، بل وتخطى الأمر ذلك بإرسال قوافل طبية، وسيارات الإسعاف للداخل الفلسطيني، فضلا عن إنشاء مستشفيات ميدانية، ونقل المصابين وعلاجهم في الأراضي المصرية مع تحذير إسرائيل من مغبة اجتياح القطاع بريا.
ومنذ بداية الأزمة والاتصالات المصرية مع كافة الأطراف الفاعلة، لا تنقطع في حركة دؤوبة بهدف التوسط لإنهاء القتال، ووقف نزيف الدم الفلسطيني، وهو ما يتسق إلى حد كبير، مع سياسة مصر في السنوات الأخيرة، في التعامل مع كل الملفات التي تمس الأمن القومي المصري، سواء في ليبيا والسودان وإثيوبيا والبحر المتوسط، وأخيرًا وليس آخرًا غزة، التي تعد أحد أخطر الملفات التي تمس السيادة المصرية، لأنها بمثابة مفتاح الأمن والأمان بالنسبة لسيناء.
ولا ننسى هنا الدور المشرف، والموقف القوي الحكيم من قبل الأزهر الشريف، متمثلًا في فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، الذي غرد مناشدًا الضمير العربي والإسلامي والعالمي بمساندة الشعب الفلسطيني والتوقف عن الكيل بمكيالين، ولعل الوطن العربي كله سمع خطبة الجمعة المفوهة القوية الحاسمة، التي دعم فيها الدكتور أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، الفلسطينيين وشد على أيديهم وحيا صمودهم والتي نقلتها شاشة التليفزيون المصري في سابقة لم تحدث منذ عهد طويل.
وما يجري في الأيام الأخيرة، يؤكد بوضوح أن الرأي العام المصري والعربي والإسلامي، قد ضاق ذرعًا بالبلطجة الإسرائيلية، وبسياسة الغابة الحيوانية للكيان المحتل الغاصب، وسط دعم وصمت المجتمع الدولي المخزي والذي يبقى وصمة عار راسخة، ليواصل الأزهر الشريف دوره الذي عهدناه مساندًا وداعمًا للأمة العربية والإسلامية، وليوقظ الضمير العربي والإسلامي الحر لنصرة القدس والأقصى من “شذاذ الأرض” متسائلًا أين ضمير العالم الداعي للإنسانية، بل هي دعاوى زائفة أين بابا الفاتيكان من الدماء المسفوكة وآلة القتل المروعة في حق العرب والمسلمين، أين تفعيله لوثيقة الأخوة الإنسانية مما يحدث في فلسطين، أم أنها تعطل إذا كانت ضد إسرائيل وتفعل حينما تكون مطالبة بدمج وقبول اليهود.