Close ad

بديع خيري وظهور الكوميديا الاجتماعية

8-2-2021 | 16:13
الأهرام اليومي نقلاً عن

في أجزاء من مذكراته يقوم بديع خيري، بوصفه أحد رواد كتابة الكوميديا المسرحية والنابغين في هذا الفن، بتحليل ألوان المسرح الكوميدي التي كانت سائدة في ذلك الوقت وتتنافس الفرق المسرحية في تقديمها، وقد أراد بهذا التعريف والتحليل أن يعرف القارئ على نوعيات المسرح الكوميدي، وأن يؤكد أن لهذا الفن الضاحك العديد من الأصول والجذور الثابتة والتي استحدثت هذا الثبات، بعد تطور طويل.

بل إنه يعطينا فى الوقت نفسه تطور تجربته مع نجيب الريحانى وكيف أنه خاض تجربة الاستعراض ثم كتب الأوبريت الذى يمتاز فى رأيه عن المسرح الاستعراضى «بأنه ذو موضوع لابد أن يتكامل ولابد أن يتقيد بثلاثة أبطال. بطل يضحك وبطل يطرب وبطلة تغنى، وفى الأوبريت يستعان أيضا بالاستعراضات».

وقد جاء هذا اللون من المسرح الكوميدى بعد سنة 1921 مثل «أنا وأنت» و«ياسمينة» و«نجمة الصباح». ويقول بديع خيرى فى مذكراته: «وكنا نستعين أيضا بموضوعات شرقية من ألف ليلة وليلة لنوفر المناظر ونوفر أجواء الخرافة والخيال التى تشبه الأحلام، ويمتاز الأوبريت بأنه أكثر إجادة من الناحية الفنية من الاستعراض، وقد تأثر المسرح الدرامى مرة أخرى بهذا اللون. ويواصل بديع خيرى حديثه بعد ذلك عن نوع آخر من أنواع المسرح الكوميدى وهو يرى أنه تطور من الأوبريت وهو «الفارس» Farce بل إنه لايفرق بينه وبين «الفودفيل» وربما أوجه التشابه حسب اعتقاده «هو اشتراك الفارس والفودفيل فى اعتماد كل منهما على المفاجآت ومواقف سوء التفاهم متناسيا أن الفودفيل أقل صخبا وأكثر رقة من الفارس الذى لامنطق لأحداثه فى كثير من الأحيان».

وبعد كل هذه التجارب التى خاضها بديع خيرى ورفيق دربه نجيب الريحانى يعود يوسف وهبى فى ذلك الوقت من الخارج حيث كان يدرس المسرح فى إيطاليا فيقوم بتأليف فرقة رمسيس ويضم إليها الممثلات والممثلين مثل روزاليوسف وحسين رياض وأحمد علام وعزيز عيد ومختار عثمان، ويبدأ فى تقديم بعض روائع المسرح العالمى وذلك فى ترجمة أمينة وعروض يقدمها إلى الجمهور على مسرح جرى إعداده بشكل جيد ولا يختلف عن مسارح الخارج فى ذلك الوقت،

ويصف بديع خيرى كل هذا بموضوعية قلما نجدها بين المتنافسين فى فن من الفنون فيما يتعلق بمسرح رمسيس فيقول فى مذكراته:«ولوجه الحق والتاريخ كان مسرح رمسيس الكامل الأول فى تاريخ النهضة المسرحية فى مصر، كان الإقبال الشديد على مسرح رمسيس سببا فى هبوط الإقبال على المسارح الأخرى، ومن بينها مسرح الريحانى، فمرت فترة كان الإقبال فيها على مسرحياتنا أقل من المعهود». و«رب ضارة نافعة» كما يقول المثل فقد أدى اكتساح يوسف وهبى بفرقته جميع الفرق الأخرى ومن بينها فرقة الريحانى، كما اعترف بديع خيرى إلى وقفة حاسمة لبديع خيرى والريحانى والتفكير فى تقديم الكوميديا الحقيقية أو الكوميديا الراقية وهى المسرحية التى تخلو من الغناء والاستعراض وتعتمد على المواقف الضاحكة والحوار الكوميدى الساخر والموضوع الاجتماعى الهادف إلى إصلاح الأوضاع الخاطئة.

وكانت مسرحية «الدنيا ماشية كدة» حسب رأى بديع خيرى أول كوميديا تدخل تاريخ المسرح المصرى كلون جديد بل وفكر ناضج للمسرح الكوميدى وبعدها قدموا «الدنيا لما تضحك». وأهم مانجده فى الكوميديا الراقية أنها تعتمد على موضوع اجتماعى أو سياسى، ولابد أن تكون رفيعة المستوى ولها هدف ولاتوجد بها أغان بل تعتمد على التمثيل فقط. وربما قام بديع خيرى بتحليل الوضع الفنى للمسرح فى ذلك الوقت والهجمة الشرسة التى قام بها يوسف وهبى عندما قدم على مسرحه الميلو درامات الاجتماعية التى افترست كل ألوان الضحك الذى كان يجرى عرضه فى مسارح عماد الدين فى ذلك الوقت. ولكن بديع خيرى لم يقم بتحليل الأسباب التى جعلت الجمهور يقبل هذا الاقبال الكبير على مسرح رمسيس موليا ظهره لأبواب المسارح فيما عدا إلى حد ما مسرح جورج أبيض الذى كان يسير فى طريق يوسف وهبى منذ البداية ولكنه أخفق فى اختيار الموضوعات التى يقدمها للجمهور. فلم تراع الفرق التطور الاجتماعى بعد الحرب العالمية الأولى وبالتحديد بعد ثورة 1919.

وصعود الطبقة الوسطى وشعورها بالضغوط الاجتماعية للأسر التركية التقليدية وشعورها بزحف الفساد فى المعاملات وشعورها بالترفع الطبقى للأغنياء فاتجه مسرح رمسيس إلى الميلودراما الاجتماعية الأخلاقية، ورأى الريحانى وبديع خيرى أن عهدا جديدا مدنيا يتكون بشكل سريع حيث تتغير الظروف

ومن ثم تتغير العلاقات الاجتماعية والأخلاق، وقد أصبح الجمهور يقبل على المسرحيات التى تبين هذا التحول بفضائله وسلبياته وضرورياته واختياراته، ولهذا نجح مسرح رمسيس بأطروحاته الاجتماعية. فاتجه الريحانى وبديع خيرى ربما بلا شعور منهما أو ربما إدراكا بقوة التطور أو إحساسهما بالفعل بما حدث فى المجتمع من تغيرات، وهذا لم يستطع أن يدركه بديع خيرى فى تحولهما من الأوبريت والفارس والفودفيل إلى الكوميديا الاجتماعية التى تخلو من الغناء والرقص، واختار نجيب الريحانى وبديع خيرى شخصية الإنسان العنيد وما يعانيه فى مجتمع جديد، فى مجتمع طبقى غير خال من الفساد وربما يرجع ابتكار هذه الشخصية إلى وجود شخصية عالمية فى تلك الفترة كانت تجد صدى عند كل من يشاهدها على شاشة السينما وهى شخصية الصعلوك الذى لامأوى له، حيث لا يلقى سوى المهانة والاحتقار والتى يؤديها العظيم والعبقرى شارلى شابلن الذى كان له أكبر الأثر فى فن السينما فى العالم، ونستطيع أن نقول إن رياح التغيير هبت على العالم فى مجال الفن والدراما والمسارح فظهرت تراجيديا الطبقة الوسطى على يد إبسن ثم بعد ذلك على يد برنارد شو بعد أن كانت موضوعات التراجيديا مقصورة على طبقة النبلاء والملوك وأنصاف الآلهة. وللحديث بقية...

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
رسالة في علم الموسيقى

خلال بحث المحقق الدكتور عبدالمجيد دياب فى مجال الآداب العامة إذ به يعثر على مخطوطة تحت عنوان «رسالة فى علم الموسيقى» للشيخ صلاح الدين الصفدي (696 ـ 724