قصائد للشاعر "جابرييل كوريَّا كامبوس" (١٩٣٠-٢٠٠٧)
موضوعات مقترحة
ترجمة: د.عبير عبد الحافظ
ألمٌ عَظِيم
أعلمُ الآن أنَّها محضُ ومضةٍ مِن الذَّاكِرة
أبداً.. لنْ أنسَاها..
حينَما رأيتُ أبي مَيتاً
يقيني أنَّه لم يتبقْ لِي من الذكريات سِوى تلكَ
ولم أتخيلْ أنَّها ستُرافِقُني في المَوتِ:
جُثمانُه
ليسَ عَلى هذه الصورة
بل كَما اعتدتُ عليه ... غالٍ وأثِير
أمي وحيدةٌ في الفِراش- وأخي سيؤويه مَعي إلى النَّهر
حيثُ مياه خليج "كينتيرو"- وحطامُ سفينةٍ غارقَة تحجَّرتْ الحَمَامَاتُ بها
في تابوتٍ مُذهَّب رأيتُ مُحيَّاه الأخِير/ باسمِه والتَّواريخ الأخيرة على جَبهتي/
عندما ذهبنَا لجلب رماده/ قبلتَّه مثلما أقبلُ حباً في عالمٍ آخر/ انتهى، لم نعدْ ننتظر أحداً
سأكونُ كوزمبوليتاني-
ديوانٌ لِي، مُرَقمَن،
على وشَك الصُّدور أون لاين
بيدِ خُبراء فِي هَذا الفَّن،
سَأبُثُ فيه َندمي السَّاكِن
مواجهةٌ صِحِّيةٌ
- وديوانٌ آخر
سيُصبحُ مِن المُمكن إنقاذُه من البَحرِ
في الأيَّام البَاقية مِن عُمري
ستكونُ دَواويناً يتيمةً ونَادرة
باسم الأبِ
قصيدة وطَنِين
سأرشقُ هذه القصيدةَ في الهواء
آملاً أنْ تمرُقَ بين يدي صُعوداً
وتُصبح طنيناً، أويدوبري الهوى
فأقْبَل تماماً، طائرةٌ ورقيةٌ بعينين
أجلْ، لأراكِ جيداً
وجهاز استريو يُدوَّي
فتميلين بِشَعرَكِ
وهذه القصيدة الثَّانية على ورق الزينة،
أُعيدُ الآنْ كتابتَها بدقة
مُستحضراً صورةَ أظافر قدميك،
فأخلطُ ما بين الملائكة ِوالبشَر
علَى حَدِ سواء...
أربعةُ أذرع بمراوحها الرهيفة
تحولُ أبداً دون أنْ تتركيني
(...)
قطرةُ بلاستيكية معبأةٌ بالغاز
الإلكتروني المرقمن،
بالونٌ متضخم بحبٍ وديعٍ مُضْطَرم
يرقُبكِ في الغفلةِ والصحوةِ
كمَنْ يتأملُ القمرَ في المياهِ،
الشَّمسُ في السَّماء،
لكنه لنْ يضعه في فلكٍ
فيختطفكِ مثلَ طبقٍ طائر
لنْ يرسلَ لكِ هذه القصيدة كلُعبةِ الطَّيران،
فهي لمْ تكنْ ولنْ تكون
بهدف تشغيل فيلم Cloverfield Lane
ليس المهمَ الوصولُ للنهايةِ
غير أنَّ ما يعنيني سيصيرُ كبهجةِ العُرس،
حمامٌ زاجل يحملُ كَلماتِي "التكنولوجية"
يحلقُ مسافراً بخفة
نَفسي المارقةُ تهوى في سقوطٍ حر
فيما أُعدُ نَفسي ـ أو رُبما
أبحثُ عن إلهامٍ غَير نَمطي
لأكتبَ ديوانَ عُمري، كأنَّه عبدٌ
تحررَ من الحُبِ،
سأنسب اسمَه لمدَّاح جليقي جوَّال
من سُلالة "ماثيَّاس"، وهَكَذا،
- أُكررُ-
سألعقُ الجروحَ القبيحةَ
تلك التي صنعَها بي النيزك
أرفعُ رأسي من آنٍ لآخر
لألقي نظرةً مجنونةً
إلى انسجام السَّلاسل الكونية
وحالْ ألاَّ تأتي الأبياتُ التي أنتظرها
سأتلذذُ حقاً بـتأملِ مُستقبَلي
وإمكانية أنْ أهوى إلى الفَضاء
مُخاطِراً بحَالي
فربما انهزمَتْ الجاذبيةُ
بفعلِ شعرٍ كَهذا، هذا ما أعتقدُ،
وأثناء ذلك سأهمسُ إلى نفسي المَارقة
بكلمات وأغنية فرقة "تريس كافيه تاكوبا" :
وبينما تنشقُ الأرضُ
ستكون السَّماءُ بين قدمي
مُحِبُ الكَائنة الفضَائية
أُفكَّرُ أحياناً- دون مُدعاة لذلك-
أنَّ سببَ عدم عُثوري عليكِ في هذا الكوكب
في نصف الكرة الأرضي هذا،
في هذا البلد الامبريالي
في هذه المدينة اليونانية البعيدة
(مُظهراً حروفَ الجنوبِ الجميلة)
من الجهةِ الأُخرى للشَّارع
لأراكِ وأتحدثُ إليكِ
وأخبركِ أنني أُحبكِ
وأنْ تحبينني
الأمرُ ببساطةٍ أنكِ تعيشين في أرضٍ أخرى
على بعدِ ملايين من السَّنواتِ الضوئية
مِن نافذتي المفتوحةِ على مِصراعيها،
وخلال وحدتُنا الرَّهيبة
أنتظرُ وحدي منسياً،
غير أنَّ نسبة ٩٩.٩ ٪
تخبرني أنني لنْ أصلَ،
بسبب الميلاد المبكر
في ذاك اليوم
لنْ تصبحَ النجومُ مجرَّد نِقاط ضَوئية
لكن ذلك لن يجعلنا ننبذَ الاحتفال
وأنتِ يا كائنتي الفضَائية المَحبوبة
سرمديةٌ يفيضُ نورُكِ
مِن حبٍ مقامُه بين النجومِ
لنْ تُجيبي على أكثر الأسئلةِ إلحاحاً
عن العَالم وحَسب
- دونْ أنْ تكوني إلهته –
لكنكِ أيضاً (وهذا مَحضُ غَزلٍ برئ)
ستُبررين كلَ شيءٍ في سَخَاء
إنْ لمْ يكنْ للشَّاعر
فسيكونَ للشِّعر
أعودُ وسيماً... أعود رحيماً
نبأُ (طائرةٍ ورقية) تحترق
{الشُّكر موصولٌ للشَّاعر،
ولمن تغنَّوا بالقصيدة
ولهذا البيتُ الذي لا يُنسى}
أحياناً نعم، أحياناً لا
فكلُ الأشياءِ تعتمدُ على الإنسان
لا شكَ في ذلك،
وأيضاً على الظُّروف،
هُنا وهُناك،
بالرغم أنَّني لا أعرفُ
من أين أبدأُ الكتابةَ
هذه الأغنيةُ المُستعارة
الغَجريةُ في نهايتِها
واللمسةُ الهنديةُ الفرنسيةُ الطَّفيفةُ
أعودُ وسيماً... أعودُ رحيما
مثل موجةٍ دقيقةٍ
مسالمةٍ
تحملُ ٢٥ عاماً
في شواطئ أخرى
في المحيط الأطلسي،
لا أعبرُ من مَضيق بنما، ولا أذهبُ
من طريقِ ماجلَّان،
ولا حتَّى مِن طَريق الشَّياطين
أو كابو دي أورنوس
أصلُ مثل أي مُسافر من زمننا،
جواً
وحين أنسى هبوطَ الطائرةِ
الاضطراري في بوداويل
أنزلُ في بالبرايسو
مثل طائرِ النَّورس في الشِّتاء
ينزلُ من صيفِه
في جورجيا
ليصعد بعد ذلك لصفِّه الأكاديمي الخَريفي
بقيَ لي شهرٌ وبعضُ الوقت +
لأحتضنَ الأمَ،
وأتحدثُ معَ الشَّقيق
مع أصدقاءٍ وصديقات
العثورُ على الدَّقائِق
لتجعلَنا متقاربين، مَليحين
مُجدداً
في القَولِ والإيماءةِ
لمْ أولدْ هناك
غير أنَّني أتدثرُ
كلَّما ذهبتُ
--لأنني لنْ أذهبَ مرةً ثانيةً،
تركتُ وصيَّتي
فليتركوني مثل العوالق البحرية الجافة
عند شاطئ بورتاليس - -
مثل عباءةِ الحزنِ،
عباءة اليومِ والأمسِ،
بينما ترقبني بمحيَّا بارد
ولا مبالاةٍ قاتلة
تلكَ المُقبلة من موجات ذلٍ متتالية
مِن مرتفعاتِها،
من فنِّها التدميري الفتَّاك
وأنْ تسقطَ على الخُطةِ الغَاضبة
لتحطِّمَ كلَ شيءٍ
وتحرقَ كلَ شيءٍ في طَريقِها
وتتركَ هذه الشَّظايا
شظايا قصيدةٍ قاتمةٍ
ورائعة على الجدران،
أقرأُها وأبكي وأفهمُ
فبدونك لن أحيا،
يا ميناء حبي،
لقد حرقني أبناؤك
آلافَ المرات في الطَّريق،
فعاودَ في قَلبي
المحروق على الأسفلت
الحِصار الحَاجز الشره
للحرائق التي تطَّوقه
وبحره غير قادرٍ على إخماد النيران
وليعرفَ جيداً الشَّاعر "كوريَّا"
كيف يغني بـ دموع الصلاة
وكلماتُه الوحيدة التي تعلَّمها
(إلى الآنْ- - بالرغم من كون الأمرِ مثل
مهمةِ مُحِب عن بُعد،
مراقباً، ألعقُ جراحي ـ ـ
ألعبُ بالطائرةِ الورقيةِ، في الفناء
في منزلي في أثينا ،
لكنه الأنْ الأزيز وحسب،
عجوزٌ في كيانه الجَديد مثلَ صقرٍ وحيد
ينظرُ بعيداً إلى أسفل،
مقيَّداً بهذا المشهد،
كَم هذا الجمال المتدهور
ويعلمُ أنَّه سوف ينهارُ يوماً
في ثوبِ الحداد
على مياهِ الواجهةِ البحرية
مثل مَحض مُخلَّفات
وأنَّ الموتَ لنْ يصيرَ أبداً سوى
مسافراً في تاريخه)
_____________________________
نبذة عن الشاعر لويس كُوريّا دييث (شيلي)
الشاعر لويس كوريّا ديّاث، عضو الأكاديمية اللغوية في شيلي، أستاذ الشعر والدراسات الإنسانية وحقوق الانسان بالولايات المتحدة الأمريكية، ناقد أدبي نشر العديد من المقالات والكتب النقدية. من أعماله الأخيرة "الشعر والجماليات الديجيتالية في أمريكا اللاتينية" (٢٠١٦)، و"المستقبلية المُطلقة عند بيثنتي أويدوبرو" (٢٠١٨)، "الكلمة الجديدة.. شعر أمريكا اللاتينية المعاصر والرقمنة" (٢٠١٩)، ومن دواوينه "يوميات شاعر مُطلَّق حديثا" (٢٠٠٥-٢٠٢٠)، "الحب الجميل" (٢٠١٩)، "مطبوعات ثلاثية الأبعاد" (٢٠١٨)، "كوزمبوليتاني" (٢٠١٠-٢٠١٧).
نبذة عن المُترجمة:
عبير عبد الحافظ أستاذ اللغة الاسبانية وآدابها بجامعة القاهرة، درست الماجستير والدكتوراة بجامعة كومبلوتنسي مدريد والقاهرة. أكاديمية ومترجمة نشرت قرابة ثلاثين كتاباً مترجما من الإسبانية وإليها في الرواية والشعر والقصة القصيرة من إسبانيا وأمريكا اللاتينية، من بينها خوليو كورتاثار، مارتين فييرو، مرثية موت أبيه، خوان جويتيسولو، نشرت العديد من المقالات النقدية بالإسبانية و العربية، أستاذ زائر بعدة جامعات في إسبانيا والدول العربية والولايات المتحدة. تم تكريمها من مهرجان الشعر الدولي بكوستاريكا لترجمة عشرة دواوين من الشعر العربي إلى الإسبانية.