موضوعات مقترحة
الخبراء الإستراتيجيون:
الخطة أحدثت صدمة للعدو، وإسرائيل استجوبت كل قيادات الجيش عقب الحرب
«ديان» تفقَّد خط بارليف قبل المعركة بيوم واحد.. وقال لجولدا مائير.. السادات يُلهى شعبه
أحمد عبد الخالق:
ونحن نحتفل بالذكرى 52 لنصر أكتوبر العظيم والذي يعد نموذجاً لأكبر واخطر خطة خداع إستراتيجية وضعها جيش مصر ونفذها بكفاءة واقتدار مع كل أجهزة الدولة فكانت أساس النصر، حيث نجحت القيادة السياسية ممثلة في الرئيس الراحل أنور السادات، وأجهزة المخابرات في خداع العدو استراتيجياً خاصة في الفترة التي سبقت الحرب.
وستظل خطة الخداع الاستراتيجي علامة فارقة في تحقيق نصر بعد أن نجح الجيش في تحقيق المفاجأة الكبرى التي كانت ومازالت تمثل الزلزال لجيش الاحتلال، هذه المفاجأة التي حققتها خطة الخداع مازالت تحيط بها الأسرار التي يكشفها المحللون العسكريون يوما بعد يوم.
ويرى الخبراء أن المعارك التي دارت طوال سنوات حرب الاستنزاف ساهمت في تعمية أعين العدو وخلقت نوعا من الارتباك في تقديراته العسكرية والإستراتيجية وساهمت في تقليل حجم الخسائر المتوقعة للموجه الأولى للعبور على طول قناة السويس خلال اللحظات الأولى لبدء الحرب.
ويؤكد اللواء نصر سالم الخبير الاستراتيجي أن من أهم عناصر التخطيط الناجح لأي حرب، هو تحقيق المفاجأة وأن تُمسك بزمام المبادرة وتحريك الأحداث، وأن تضع خصمك في موقف رد الفعل، لذلك، يصبح من الضروري إخفاء نواياك عنه، وألا يدرك موعد بدء الحرب، ولذلك اتخذت القيادة السياسية مجموعة من الخُطوات، بهدف تضليل العدو بل وصورت القيادات السياسية للعدو، أنها لم تفكر في الحرب، ورفعوا وقتَها شعاراً مُحيراً وهو اللاحرب واللاسلم، هذا الشعار أربك حسابات العدو خاصةً مع وجودِ رسائلَ متناقضة وفى اتجاهاتٍ مختلفة وفى النهاية شن المصريون الحربَ وحطموا الأسطورة واعترف القادة الإسرائيليون بأن المصريين خدعوهم.
وأشار إلى أن خطة الخداع كانت على مراحل، حيث بدأت في يوليو 1972، حيث زار الرئيسُ الراحل أنور السادات المخابراتِ العامة وبصحبتِه قائدِ الجيش ومستشارِ الرئيسِ للأمن القومي ورئيسِ المخابرات العسكرية وقتهَا دعا السادات كلَ رؤساء وقياداتِ الأقسام بالجهاز لاجتماعٍ طارئ دام لأكثر من خمس ساعات، وبناء عليه تم تكليفُ المخابراتِ العامة برئاسة المشير "أحمد إسماعيل" الذي تم تعيينُه لاحقاً بعدَ وضعِ الخطةِ لرئاسةِ المخابرات الحربية ليتولى تنفيذهَا على أرضِ الواقع بالتعاونِ مع أجهزة الدولة كافة".
ويؤكد اللواء أركان حرب طيار هشام الحلبي أن الجيش المصري قام ببطولات عديدة خلال حرب أكتوبر في يوم العاشر من رمضان، بداية من إعداد القوات المسلحة للحرب بعد حرب 1967، وحتى النصر، موضحًا كيف استطاع المقاتل المصري بالرغم من التسليح القديم الذي كان يمتلكه الجيش المصري آنذاك أن يحقق لمصر في ظل وجود عقيدة قتالية راسخة للدفاع عن الأرض، بالإضافة إلى ابتكار الجيش المصري حلول غير تقليدية لمشاكل بالغة التعقيد مثال لذلك الساتر الترابي، والذي كان يحتاج تفجيره لقنبلة ذرية، و لكن الجيش استطاع أن يفعل ذلك بأقل الإمكانات واستخدم مضخات المياه.
وأكد أن التخطيط لتوقيت حرب أكتوبر في وقت الصوم كان غاية في الاحتراف، اختيارًا ذكيًا غير تقليدي من القيادة السياسية والعسكرية، للاستفادة من عوامل المفاجأة، وأيضًا من المشاعر الإيمانية في شهر الإيمان، الأمر الذي كان له أثره البالغ في معنويات المقاتلين لاسترداد أرض الوطن.
وقال إن جيش مصر اتبع الأسلوب العلمي السليم في التخطيط للحرب وإعدادها، وذلك ليس على مستوى القوات المسلحة فقط، ولكن عبر إعداد الدولة بالكامل للحرب، من جوانب عسكرية، وسياسية، ومسرح العمليات الدولي، والإعلام، والوزارات، وكل شيء، والقوات المسلحة اعتمدت على جانبي التدريب والخداع الاستراتيجي.
وأكد أن وثائق التحقيق الإسرائيلية في «لجنة أجرانات» مع رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية «إيلى زعيرا» في أعقاب الحرب هي بمثابة تأكيد وإثبات رسمي أن الدولة المصرية استطاعت أن تُخفى معلومات استعدادها للحرب بشكل كامل، وهى خطط وإجراءات ما زالت تُدرس في الكليات العسكرية المصرية، بل وفى العالم، حول خطط الخداع الاستراتيجي للعدو، لتحقيق مبدأ المفاجأة، وصولاً لإفقاده التوازن لعدة أيام.
وأكد أن خطة الخداع الاستراتيجي لم تجعل إسرائيل تفيق على هزيمتها إلا بعد العبور المصري بالفعل، ثم ما استتبعه من عمليات قتالية، أدت لكسب مصر مساحة 30 كيلومتراً على نطاق المواجهة مع إسرائيل، وهو ما حرّك جمود القضية، ومكّن السادات من انتزاع سيناء كاملة من إسرائيل.
وأشار إلى أن زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان إلى جبهة القتال يوم «5 أكتوبر»، وخلال هذه الزيارة وجد الأمور على «الجبهة» عادية، فلم يكن الضباط والجنود يعلمون بالفعل أن هناك «حرباً»، فوجد ضباطاً يستحمون في البحيرات، وضباطاً يلعبون، وآخرين يأكلون، وعاد لينقل لهم هذا الشعور، قائلاً: مصر غير مستعدة للحرب وأن السادات يلهي شعبه.
ويؤكد اللواء دكتور سمير نوح الخبير الاستراتيجي أن خطة الدفاع الاستراتيجي التي تم تنفيذها خلال حرب أكتوبر، تتمثل في حرمان العدو من الوقت الكافي للاستعداد لرد أي هجوم، وخطة الخداع المصرية، خدعت 4 أجهزة استخبارات في العالم أن توفر الحماية لإسرائيل، أمريكا وأوروبا والاتحاد السوفيتي والموساد، موضحا أنها نجحت في حرمان العدو من الاستعداد ونجحت في اختراق العدو وإرباكه ومن ثم تحقيق النصر.
وأضاف أن «أول دليل على انتصار مصر في حرب أكتوبر هو تشكيل إسرائيل للجنة "إجرانات"، وهي تختص بالتحقيق مع كل من شارك في الحرب لمعرفة أسباب الفشل وخضع لها كل قيادات الجيش الإسرائيلي.
وأوضح أن أكتوبر مثال للتجديد والابتكار والقدرة على التطوير، مؤكدا أن ذلك بات جليا في استخدام أول مدفع للمياه لإزالة ساتر ترابي رملي يصل إلى 25 مترا طول، وزاوية ميل لـ80 درجة، مؤكدا أن ما حدث في حرب أكتوبر معجزة بكل المقاييس، ولن يكون بعيدا عن المصريين.
وحينما سُئلت جولدا مائير في تحقيقات ما بعد الحرب: «لماذا لم تستدعى التعبئة؟!»، التي تعنى زيادة عدد قواتها لكامل قوتها، قالت: «مدير الاستخبارات العسكرية قال لي إن ما يعمله المصريون ليس سوى تدريب سنوي، وخسرنا في التعبئة السابقة كثيراً من الاقتصاد الإسرائيلي لتفرغ عناصر الاقتصاد الإسرائيلي من العمل.
وأكد أن التقديرات كانت تقول إن مصر ستخسر 60% من قواتها لكسب كيلومتر واحد في سيناء، خلال محاولات اقتحام قناة السويس، وتسلق الساتر الترابي، والتعامل مع النقاط القوية، ومعنى ذلك أنك خسرت الحرب قبل أن تبدأ، لكن الخسائر كانت أقل من ذلك بكثير، بفضل خطة «الخداع الاستراتيجي»، وتمكُّن القوات المسلحة من تنفيذ ضربة جوية ناجحة لمراكز القيادة والسيطرة الإسرائيلية، وتنفيذ خطط العبور بكفاءة واقتدار، ولو لم يحدث ذلك لم تكن مصر لتستطيع أن تنتصر بالمعطيات العادية التي كانت تؤكد تفوق الجيش الإسرائيلي قبل الحرب، ولم نكن لنستعيد كامل مساحة سيناء دون شبر واحد.