صمام الأمان

22-4-2025 | 18:28
صمام الأمانصمام الأمان
موضوعات مقترحة

 

بقلـــم د./ داليا مجدي عبد الغني

 

كلنا نحتاج أن نعتمد في بعض الأحيان على الآخرين، فهذا أمر طبيعي وبشري ومنطقي، وكانت الحكمة من خلق الشعوب والقبائل هو التعاون بين بني البشر، ولكن هناك فارقا شاسعا بين التعاون وبين الاعتماد الكلي على الغير، وإن كانت طبيعة الحياة تفرض أحيانًا على البعض أن يعتمدوا كليًا على غيرهم، بسبب مرورهم ببعض الظروف العارضة، ولكن هذا الاعتماد يكون بصفة مؤقتة، وهنا أقول إن مَنْ يعتاد الاعتماد على غيره في أغلب الأحيان، بالقطع هناك شيء بداخله يُشعره بعدم الأمان، لأنه في كل لحظة يتوقع فيها تخلي الآخرين عنه، سيُصاب بحالة من الهلع، لذا فإن الإنسان الذي يبتغي العيش في سكينة داخلية، عليه أن يتعلم كل شيء يحتاج إليه ولو بنسبة يسيرة، حتى لا يضيع عندما تُجبره الحياة على الاعتماد على نفسه، وهذا الأمر حدث لأشخاص كثيرين، وكانت حياتهم مليئة بمَنْ ييسر لهم أمورهم ويُسير لهم شؤونهم، ويُدير لهم أعمالهم، وكانوا يتركون مآلهم لغيرهم، وفجأة تغيرت الظروف، وتبدلت الأحوال، وواجهوا الأمر الواقع الذي فرض عليهم أن يعتمدوا على أنفسهم بشكل كلي، وبالتبعية أصابهم الفزع من هول الفكرة، لاسيما وأنهم لا يعرفون أي شيء عن دقائق حياتهم، فهم لم يعتادوا على إدارة شؤون حياتهم، فهذا خارج نطاق تفكيرهم، وأكبر من حدود تدبيرهم، وللأسف أتتهم الصدمة في مقتل، لأن حياتهم قد توقفت تمامًا عن العمل.

فأول أسباب الشعور بالأمان هو يقين الإنسان بأنه إذا واجهته الظروف العاتية سيكون لديه القدرة على الاكتفاء الذاتي، وهذا الأخير يحتاج إلى معرفة الأشياء والقدرة على التعامل مع المشكلات، ومواجهة الصعاب، وإعمال العقل في تدبير الأمور تحت وطأة أسوأ الظروف، وكل هذا في حد ذاته يخلق حالة من الإحساس بالسكينة الداخلية، والأمان داخل النفس.

فيحضرني مشهد طريف للفنان الكبير الراحل "محمود عبد العزيز"، في مسلسل "رأفت الهجان" عندما أمره ضابط المخابرات بأن يُوحي لليهود بأن لديه اسما آخر غير الاسم الذي يتعامل به معهم، فهنا سأله البطل: "وما هو هذا الاسم"، فقال الضابط: "سوف أخبرك به في وقت لاحق"، فابتسم البطل، وقال: "ولكنني عندما أخفي عنهم الاسم وأنا أعرفه، غير أن أكون جاهلاً به، فهذا الأمر سيختلف"، وكان يقصد من وراء عبارته هذه هو إحساسه بالأمان، حيث إنه عندما يكون على علم بالاسم المجهول، سيكون واقفا على أرض صلبة في تعاملاته، وسيكون له السلطة في اختيار الوقت المناسب لإظهاره لهم، على عكس جهله بالاسم، فسيكون دائمًا في حالة قلق عندما يُسأل عنه، لاسيما لو وضع في موقف يجبره على إخبارهم به ورغم ذلك لم يظهره بسبب عدم معرفته به،  أي أنه كان يريد أن يشعر بالأمان، وهذا الأمان يحتاج إلى المعرفة، وهذا هو ما يفتقده الكثيرون في حياتهم، فهم يكتفون بمن يعرف ويدبر ويدير، ويتناسون أن قواعد الحياة متغيرة، وقد تُجبرهم على الاعتماد على أنفسهم في يوم ما، وهنا ستظهر لهم نتيجة جهلهم.

لذا لو أردت أن تعتمد على مترجم، فلا بأس في ذلك على الإطلاق، ولكن عليك أن تتعلم مبادئ وأساسيات تلك اللغة، حتى تستطيع أن تُسير أمورك في حالة غياب المترجم، ولو أردت أن تحضر طباخ، فلا مراء في ذلك، ولكن عليك أن تجيد صنع بعض المأكولات حتى لا تتضور جوعًا، لو تبدلت الحالة المادية، وأصبحت عاجزًا عن سداد أجر الطاهي وشراء المأكولات من الخارج، ولو أردت أن تعتمد على مدير لأعمالك، فيس هناك أدنى غضاضة في ذلك، ولكن كل ما عليك أن تكون على دراية بكل شؤونك وحساباتك والمتعاملين معك، حتى لا تُصبح فريسة سهلة له، لو سولت له نفسه سرقتك والاحتيال عليك.

فالمعرفة هي صمام الأمان الذي يحتاج إليه الإنسان في جميع مراحل حياته، فلابد أن يكون على قدر من المعرفة بشأن كل ما يخص حياته، وأن يُحاول إدراك بعض الأشياء التي يتعامل معها، حتى لا يكون عُرضة للضياع أو الإحساس بالشتات، لو اضطرته الظروف إلى مواجهة بعض الأمور مُباشرة دون أن يكون لديه مَنْ يعتمد عليه.

وأخيرًا، علينا أن نعرف ونتعلم ونُدرك، ونُحاول ونُجرب، حتى تملأ السكينة نفوسنا، ويتغلغل الأمان داخل قلوبنا، ولا نكون ضحية لعبث الظروف التي تُحيط بنا، وهذا لن يتأتى إلا بدعم صمام الأمان الذي يُقوي سواعدنا، ويشد أزرنا، ويُثبت أقدامنا وقت الحاجة.

اقرأ أيضًا: