تقدير "مستحق" في عيد الأمهات

20-3-2025 | 17:19
تقدير مستحق في عيد الأمهاتتقدير "مستحق" في عيد الأمهات

 

موضوعات مقترحة

 

                        "الأم اللي ربّـت"

"يمنى" أم حاضنة وهبت حياتها لخدمة ملف الكفالة والاحتضان.. وحققت حلمها بـ"ليلى"

 

"سميرة" أم لأبناء أشقائها وجدة أحفادهم.. وصاحبة بصمة لا تنسى في حياة كل منهم

 

هند رأفت:

اتفقنا أو اختلفنا حول الأثر الذي يتركه في نفوس البعض هو في النهاية مناسبة ضد النسيان، فعيد الأم الذي يجدد أحزان البعض لتذكيرهم بحجم فقدهم هو نفسه اليوم الذي قد يكون سبباً في تذكير بعض الأبناء بالفرصة الذهبية التي لازالت سانحة لهم لإظهار مشاعر مخبأة وتائهة وسط زحام الحياة. 

احتفاء "الأهرام المسائي" هذا العام سيكون مختلفاً تماماً، فعلى مدار سنوات طويلة استمرت حالة الاحتفاء والتقدير لأمهات في مواقع وظروف مختلفة حتى من انتقلت منهم إلى رحمة الله تعالى كان لأولادها المساحة التي يرغبون للحديث عن سيرتهن العطرة وذكرياتهن الطيبة، وحتى الآباء الذين شاء قدرهم تحمل مسئولية الأبناء وشغل مكان الأم والأب معاً كان لهم نصيبهم من ذلك التقدير.

لذلك سيكون احتفال هذا العام من نصيب أمهات من طراز خاص، تملك كل منهن ما يكفي ويفيض من مشاعر حب وتضحية وعطاء لاتخاذ قرار الأمومة رغم مشيئة الأقدار عدم الإنجاب بالصورة المعهودة، فهؤلاء هن التطبيق الفعلي والإثبات الواقعي على قاعدة "الأم اللي بتربي مش اللي بتخلف".

هؤلاء الأمهات اللاتي تقبلن قدر الله بنفس راضية، ثم اخترن بمحض إرادتهن حياة تبدو للبعض أكثر مشقة وعناءً، حين قررن تحقيق حلم الأمومة وتحمل كل ما يتطلبه الأمر من مصاعب.

وحتى لو كانت السيناريوهات والوسائل مختلفة فإن النقطة التي يلتقون فيها واحدة، كلهن أمهات لأبناء القلوب الذين يواجهون من أجلهم كل تحديات الدنيا، طالما كانت النتيجة أسرة سوية ودافئة يسعد فيها الأطفال والأهل.

 

                  "يمنى".. الأم كما ينبغي

 

رغم مرور ست سنوات على أهم وأغلى قرارات حياتها، إلا أن نبرة صوتها لا تزال ترتجف وهي تتحدث عن شكل حياتها بعد وجود ليلى.

حالة خاصة جداً تربط بين يمنى دحروج الأم الحاضنة و"ليلى" التي كانت سبباً لتحول كبير ليس فقط حياة يمنى وأهدافها وكل خططها بل كان لها تأثير في حياة الكثيرين.

فكلمة "ماما" التي تستمع إلى دقات قلب يمنى بمجرد ترديدها والحديث عن وقعها عليها في كل مرة تنطق بها "ليلى" هي تفسير وتأكيد على غريزة الحب والتضحية والعطاء التي وهبها الله إياها، بل إنها المعنى الحقيقي للاحتضان الذي يتسبب في تكوين أسر حقيقية تستهدف وتسعى لحياة جديدة مختلفة.

لم تقف أمام أي عراقيل أو عقبات سواء في رحلة سير الإجراءات أو المجتمع الذي كان يجهل آنذاك تبعات تلك الخطوة.

"من السهل أن تنجب طفلاً ولكن أصعب الأشياء أن تهب لطفل الحياة" كانت تلك العبارة هي القوة الداخلية التي تُحرك يمنى ليس فقط لإيمانها الشديد بما تعنيه، ولكن لأنها كانت مصدر إلهام لغيرها ممن قرروا تحقيق حلم احتضان وكفالة طفل داخل البيوت، فكما تقول وتنادي "يمنى" دائماً "الأطفال مكانها البيوت".

تحولت يمنى إلى أيقونة مهدت الطريق للكثيرين وكانت سبباً في تشجيعهم على اتخاذ الخطوة مؤكدة أن كل شيء يهون في سبيل تحقيق هذا الحلم.

حلم جميل أتى بـ"ليلى" في حياتها وأتى بغيرها في حياة كثير من الأمهات اللاتي انتظرن سنوات طويلة من أجل الفوز بتلك اللحظة، لذلك لم تتوقف مبادرات يمنى وعملها المجتمعي ودورها التوعوي عند نشر ثقافة الاحتضان في مصر بل كرست حياتها وكل وقتها لتصحيح المفاهيم المغلوطة والمتوارثة التي يتداولها البعض عن الاحتضان وربطه بالتبني والخلط بينهما.

مجهود كبير حرصت أن تبذله وتقدمه ولم تكل أو تمل رغم المتاعب التي واجهتها ولا تزال في سبيل تحقيق حلم أسر جديدة تكون سبباً في إنقاذ مزيد من الأطفال من مصير ومستقبل وحياة داخل دور رعاية.

ولا تتوقف مساعي وجهود يمنى عند هذا الحد، بل تستمر في رحلة الأمل والحياة الجديدة بسلسلة من التساؤلات والتعليقات التي يواجهها أبناء الاحتضان، وتوضح كيفية التعامل معها في مرحلة الطفولة ثم الشباب إلى جانب توعية الأسر الحاضنة نفسها للتعامل بحكمة ووعي وتقديم الإجابات الصحيحة والصريحة على أي سؤال بالشكل الذي يضمن لهم حياة سوية قائمة على الوضوح الذي يمنحهم الثقة والقدرة على ممارسة الحياة بشكل طبيعي، بالإضافة إلى تقديم كل المعلومات التي تساعد في دعم الأسر الراغبة في الاحتضان ولا تزال تجهل بعض الإجراءات.

كما تسعى يمنى لنشر الوعي بضرورة احتضان الأطفال داخل البيوت حيث يظن البعض أن الأزمة فقط في كفالة طفل داخل مؤسسة الرعاية وتولي كافة احتياجاته المادية، الأمر الذي توضح يمنى تأثيره في مقابل تأثير وجود الأطفال وسط أسر كاملة داخل بيوت تمنحها الحب والرعاية والتقدير بل والحياة.

ورغم أي متاعب تصر يمنى على استمرار رحلتها في سبيل تحقيق حلم دور رعاية خالية من الرضع والأطفال، بل وتكون أحيانا حلقة وصل بين الأسر المحتضنة والمؤسسات المعنية في سبيل ضمان تحقيق أهداف الاحتضان ولم شمل المزيد من الأسر والأطفال.

وما بين الكثير من الآمال المنشودة والكثير أيضاً من العقبات والأزمات التي تواجه "يمنى" في حياتها التي اختارت أن تكون لخدمة ملف الاحتضان وأطفال دور الرعاية، تبقى العبارة الأكثر صدقاً وتعبيراً عن مكنون قلب وروح هذه المرأة عند سؤالها عما أصبح يمثله لها عيد الأم وأية ذكريات تجمعها بـ"ليلى" فكان ردها أن كل لحظة منذ دخلت ليلى حياتها وكل مرة تسمع فيها كلمة ماما منها هي عيد بالنسبة لها، لتنهي حديثها قائلة: "أنا هفضل ممتنَّة لبنتي ليلى إنها عيشتني كل الأحاسيس دي".

 

                  "سميرة".. حكاية "عطاء"

 

أما "سميرة" فلم يكن لقب "ماما" هو شغلها الشاغل بقدر ما يعنيه هذا اللقب ويتطلبه من مهام ومسئوليات قررت أن تتحملها بحب وسعادة بل ورغبة في مزيد من العطاء والمنح.

هي أم الأخوة والأخوات وأولادهم وأحفادهم، "سميرة عبد الرحمن" ربة المنزل التي أرضاها الله بقدره في عدم إنجاب أطفال، وفي المقابل منحها الغريزة التي تتحرك تجاه كل أطفال العائلة بل وأي طفل تصادفه.

فيض من المشاعر والأحاسيس تقودها نحو الانشغال بمشاكل المحيطين والحرص على مشاركتهم الأحزان قبل الفرح، ورغم أنها "العمة" و"الخالة" في حياة عدد كبير من أبناء الأشقاء إلا أنها لا تسمع أي لقب منهما، فهي أم ثانية وصديقة مقربة ومحببة لقلوبهم جميعاً، فقط اسمها هو اللقب الذي تحظى به منذ نعومة أظافرهم وحتى أصبحوا هم مجموعة من الآباء والأمهات، فانتقلت المشاعر تدريجياً نحو أولادهم.

هي صاحبة السعادة التي تسعى لتجاوز أي مشاعر سلبية حتى تظل دائماً مصدر الضحك والابتسامة لكل من حولها مهما أثقلتها الهموم والمتاعب، تقف بالمرصاد لمن يحاول تكدير صفو أحد الأبناء أو الأحفاد، وتقضي الدّين عمن يحتاج من بينهم، وتساند بالسؤال والنصيحة والدعاء كل من يلجأ إليها، إلى جانب الكثير والكثير من المهام التي توليها لنفسها دون طلب أو إلحاح، فقط يكفيها الشعور بحاجة في نفس أحدهم حتى يتحرك قلبها وعقلها وكل حواسها للتفكير في كيفية مساعدته.

علاقة "سميرة" بجميع الأولاد في كفة، وعلاقتها بـ"فاطمة" ابنة أخيها الراحل في كفة أخرى، ربما يكمن السر في عثور كل منهن على ضالتها وأمنية حياتها في الأخرى، فالأولى حققت حلم الأمومة داخل بيت "فاطمة" وبين أولادها "الأحفاد" بعد أن أصبحت "سميرة" جدة لهم تعيش معهم كل تفاصيل علاقة الأجداد بالأحفاد.

أما "فاطمة" فوجدت فيها أمًّا ثانية تستشعر معها حضور روح والدتها الطيبة التي فارقت دنيانا منذ سنوات طويلة، لذلك فإن الاحتفاء بـ "سميرة" ومعها هو احتفال بواحدة من الأمهات اللاتي تستحق التقدير في كل عيد أم، فهي خير مثال للأمومة التي تنبع من القلوب.

 

 

اقرأ أيضًا: