بقلم اللواء الدكتور/ محسن الفحام
شتان الفارق بين هذه الجمعة التى توجهت خلالها أفواج لا حصر لها من الشعب المصرى إلى منفذ رفح لتعلن رفضها لتهجير الشعب الفلسطينى الشقيق من أرضه إلى أى دولة سواء مصر أو الأردن أو غيرهما كما يعلن تأييده المطلق لسياسة الرئيس عبد الفتاح السيسى وموقفه المعلن والقوى الذى يدافع فيه عن الشعب الفلسطينى وعن حقه فى أن تكون له دولة يعيش فيها بأمان واستقرار.. وبين الجمعة التى تصادف أن تكون فى نفس التوقيت تقريباً من عام 2011 عندما قامت جماعة الإخوان الإرهابية فى 28 يناير باستغلال أحداث 25 يناير من ذات العام حيث تمكنت من توجيه تلك الأحداث لصالحها عندما قاموا بالتأثير على وعي الشباب حيث استغلوا حماستهم لتحقيق أهدافهم وتنفيذ مخططهم للاستيلاء على الحكم.
عندما أتحدث عن مسألة الوعى فى هاتين الجمعتين أرى أن الشعب المصرى قد أدرك المخاطر التى تعرضت لها الدولة فى يناير 2011 وتتعرض لها أيضاً فى يناير 2025 وهو الأمر الذى دفعنا جميعاً أن نقف يداً واحدة للحفاظ على أمننا القومى وعلى استقرارنا وسلامتنا وإننا لن نقع بعد الآن تحت تأثير أى جماعة أو دولة مهما كانت قوتها وأن أى مخطط تفكيك أو توريط أو محاولات تشكيك أو إثارة لن يكون لها محل فى جمهوريتنا الجديدة.
فى نهار الجمعة 28 يناير 2011 شاركت جماعة الإخوان فى المظاهرات التى قامت بشكل سلمى فى بدايتها وذلك بناء على تعليمات وردت لهم من الخارج بضرورة النزول فى جميع الميادين والمحافظات بكثافة وعدم السماح للشباب المشارك قبلهم بمغادرة الميادين واستدعاء أعداد كبيرة من محترفى أعمال البلطجة والتخريب والترويع بل واستخدام السلاح لاستعراض القوة وإقناع الشباب بأنهم القوى المسيطرة على الأوضاع فى الدولة.. وللأسف استطاع عدد من كوادر الحركة بالفعل التأثير على وعى هؤلاء الشباب واستدراجهم لمشاركتهم فى أعمال الفوضى والتخريب وزيفوا وعى الجماهير بحقيقة الأوضاع وأولويات الإصلاح فبعد أن كان الهدف من أحداث يناير 2011 مجرد احتجاجات على الوضع السياسى فى مصر وكانت هناك بعض المطالب المشروعة التى لم تصل حينها فى ذهن المتظاهرين إلى فكرة إسقاط النظام والاستيلاء على الحكم وتحريض الشباب وشحنهم بالشعارات الجوفاء وأمانى الوهم والسراب وذلك من خلال عرض الأرقام المضروبة عن وضع الدولة وإمكانياتها واستغلوا براءتهم ونبلهم ونقاءهم وركبوا الموجه وأخذوا الشباب رهائن فى الميادين واستخدموهم دروعًا ثورية يحرضوهم على التخريب لإرباك النظام والضغط على مؤسسات الدولة ليتفرغوا هم فى التدبير والتعاون مع أعداء الوطن فى الداخل والخارج لتمكينهم من السيطرة على الدولة وهو ما حدث بالفعل نتيجة غياب الوعى لدى هؤلاء الشباب فى هذا التوقيت.
واليوم وبعد مرور 14 عاماً من هذه الأحداث وجدنا أن هناك موقفاً شعبياً وسياسياً موحدًا وعن وعى كامل ودون توجيه من أحد إطلاقاً بل وجاء الاصطفاف المصرى خلف القيادة السياسية فى رفض التهجير القسرى للفلسطينيين من أراضيهم كترجمة حقيقية لمدى الوعى والفهم الحقيقى والمباشر دون أى إملاءات أو توجيهات للإرادة الوطنية التى لا تنبع من أبعاد إنسانية فقط بل وأيضًا رؤية إستراتيجية تعتمد على حماية حقوق الشعب الفلسطينى والحفاظ على هويته الوطنية لأن التهجير يعنى نهاية القضية وتشريد شعب بأكمله وإلغاء حقه فى أرضه وهو ما لا يمكن القبول به على أى مستوى.
لقد أثبت الشعب المصرى أنه قد وصل إلى مرحلة النضج التوعوى على كافة الأصعدة حتى إنه أكد استعداده للصمود تجاه أى محاولات للضغط السياسى أو الاقتصادى على مصر وأنه لن يخضع مرة أخرى لأى محاولات ابتزاز أو تأثير على قناعاته الوطنية مهما كان الثمن.. ومن هنا فقد أكد جموع المصريين الذين توافدوا على معبر رفح البرى يوم الجمعة الماضى أن حل القضية الفلسطينية لا يكمن فى نقل الأزمة من مكان إلى آخر بل فى إنهاء الاحتلال وتحقيق العدالة للشعب الفلسطينى وحقه فى تقرير مصيره وفى إقامة دولته، فهم ليسوا لاجئين يحتاجون إلى مأوى بل هم شعب لديه قضية عادلة تتعلق بحق تقرير المصير واستعادة أرضه المسلوبة.. وعلى الرغم من أن مصر اعتادت استضافة كل من يلجأ إليها من الأشقاء العرب إلا أنها ترفض تفريغ فلسطين من سكانها باعتبارها قضية وجود وليست لجوء وهو ما يؤكد مدى ما وصل إليه وعى الشعب المصرى وثقافته وانتماؤه لوطنه ولعروبته.
وفى ذات المعنى أتمنى أن يكون لدى جميع الشعوب العربية نفس الدرجة من الوعى فى أن أى خطر قد تتعرض له مصر نتيجة مواقفها الشريفة تجاه القضية الفلسطينية سيكون له انعكاسات سلبية على الوطن العربى بلا استثناء لأن مصر هى الدرع الحامى للوطن شاء من شاء وأبى من أبى فلا توجد دولة عربية لها نفس القدرة العسكرية واللوجستية والبشرية مثل ما تتمتع به مصر.. ومن هنا فإننى بالفعل أتمنى أن تصل درجة وعى أبناء الوطن العربى إلى إدراك المخاطر التى سوف يتعرضون لها إذا انساقوا وراء دعوات بعض الدول والأجهزة الاستخباراتية بأنهم سوف يكونون الدرع الحامى لهم من أى أخطار قد يتعرضون لها ويقعوا فى ذات الشرك الذى وقع فيه شبابنا فى يناير 2011.
واليوم أزعم أن مسافة 14 عاماً كانت كفيلة بأن يستفيق الشعب المصرى من تأثير الأكاذيب والمزايدات والتدليس الذى مارسه عليه أهل الشر وحققوا مكاسب سياسية كبيرة نتيجة ذلك بل إن ادعاءاتهم وشائعاتهم لم ولن تنتهى طالما كانت تلك الفئة الضالة موجودة.. وهاهم يمارسونها يومياً من خلال شبكات التواصل أو الشائعات للتشكيك فى الموقف المصرى تجاه القضية الفلسطينية أو القضايا الداخلية.. وهنا نستدعى هذه الرحلة الزمنية لكى نؤكد لهؤلاء أن ما حدث فى يناير 2011 لن يتكرر مرة أخرى على الإطلاق والدليل على ذلك هو ما حدث فى ذات الشهر وذات الأسبوع هذا العام من خروج طوفان البشر إلى منفذ رفح بمحض إراداتهم ليعبروا عن دعمهم للشعب الفلسطينى وتأييدهم المطلق للرئيس عبد الفتاح السيسى.
إنها معركة الوعى يا سادة التى أرى أن المصريين قد حققوا انتصاراً كبيراً فيها.