كان إعلان الرئيس الأمريكي أن الولايات المتحدة ستتولى السيطرة على قطاع غزة المدمر بسبب الحرب، بعد إعادة توطين سكانه "توطينًا دائمًا في مصر والأردن - وتطويره اقتصادياً. الإعلان لم يكن عفويًا بل يحمل في طياته مخاطر عديدة. ويخطئ من يتصور أنه تصريح عابر، ويجرم من يقلل من خطورته وتداعياته، لأن غرضه خبيث وتداعياته وجودية، والطرح له خلفية سياسية واضحة ومتنامية في إسرائيل. التي طالما حلم أقسام من اليمين الإسرائيلي بطرد الفلسطينيين من أرضهم، والآن جاء ترامب بهذه الفكرة ليمنح إسرائيل رخصة جديدة استثنائية لسحق الفلسطينيين في غزة، بل وفي الضفة الغربية أيضًا على سبيل الاحتمال. وهو الأمر الذي لم يلق قبولا ليس في فلسطين والعالم العربي والغربي فحسب بل من داخل أمريكا نفسها واعتبروا، أن إسرائيل التي "ترتكب جرائم حرب وتطهير عرقي في غزة". يريد الرئيس دونالد ترمب طرد أكثر من مليوني فلسطيني من غزة لبناء منتجع للأثرياء، وهذا أمر غريب وصادم.
موضوعات مقترحة
فترامب يريد إجبار مليوني فلسطيني على ترك منازلهم وتقديم أسلحة بمليار دولار أخرى إلى نتنياهو، وأعد خطة لتحويل قطاع غزة الذي دُمِّر إلى ريفييرا للمليارديرات".
وقد أثار الموقف المصري ترحيبًا كبيرًا بعد أن قال الرئيس عبد الفتاح السيسي "، إن ترحيل وتهجير الشعب الفلسطيني من أراضيه ظلم لا يمكن أن نشارك فيه." وهو موقف ثابت لمصر، نصرة للقضية الفلسطينية ولأن فلسطين محور رئيسي للأمن المصري لأنها الجسر البري الذي يصل إفريقيا وآسيا في شبه برزخ بين بحرين. فهذا الجسر البري كان طريق مصر باستمرار إلي المشرق حيث تعيش بقية أمتها العربية، وكان علي مر العصور - مدخلها ومخرجها - أي بابها الحضاري والأمني والاقتصادي. والدليل أن هذا المحور يكاد يكون الصانع الأكبر للتاريخ المصري منذ أقدم العصور: منه جاءتها جيوش الغزاة، وعليه وفدت أسباب العِز، ومن صوبه جاءتها المسيحية والإسلام هداية ورشدًا، وكذلك جاءتها اللغة العربية ومخزونها الثقافي - قديمًا - ومتجددًا! وتاريخ مصر شاهد حاضر، وعبر شهادته أن مصر لم تفعل في التاريخ، إلا عندما وعت أهمية طريق المشرق، ولعله من هنا أن الأعداء تربصوا لها بجيوشهم عليه، من الإغريق والرومان، إلى الإنجليز وإسرائيل.
وما يدلل على ذلك ، "دافيد بن جوريون" - المؤسس الفعلي لإسرائيل - الذي صاغ مطلب عزل مصر في يومياته كاتبًا ما نصه:
"إن مصر وحدها هي التي يحسب لها حساب في المنطقة، فهي التي تقدر إذا واتتها الظروف الملائمة علي توحيد العرب، لكن مصر أشبه ما تكون بزجاجة، وعنق الزجاجة سيناء، وإذا قامت إسرائيل في فلسطين، فإن إسرائيل سوف تقوم بدور "الغطاء" الذي يمكن كبسه في عنق الزجاجة، فيحكم إغلاقه وختمه ويحبس الخطر داخل قمقم لا يخرج منه". وهكذا فإن المحور الشمالي - الجسر البري بين إفريقيا وآسيا - وشرقي البحر الأبيض - أصبح المحور الأساسي لأمن مصر، فهو المحور الحي والساخن والقابل للاشتعال، كان كذلك منذ الأزل وسوف يظل كذلك إلي المستقبل الذي يمكن حسابه!
إن التحرك المصري الإقليمي والدولي ضد مخططات ترامب ونتنياهو بطرد الفلسطينيين من أرضهم وتصفية القضية الفلسطينية لهو خير شاهد على أن "يقظة الإرادة" تستدعى ثقافة التجربة المصرية، ثم إن ثقافة التجربة بدورها تستدعى حكمة العقل، وإن حركة التاريخ احتكاك مطالب ومصالح، وضغوط مشاق ومصاعب، وتدافع أشواق تطلب الرقى والرفعة، وهى توفر لنفسها حق الاختيار إذا أحسنت التقدير، وتلك بالضبط مهمة السياسة، باعتبارها علم وفن استخدام إرادة المجتمعات فى إدارة إمكانيات مواقعها ومواردها وطاقاتها الإنسانية لتحقيق طموحاتها حاضرًا ومستقبلا.
ولذا الثقة الكاملة بأنه سينتصر الشعب الفلسطيني الذي قدم مئات آلاف الشهداء وأعلن التحدي عبر رحلة الآلام بالآلاف إلى شمال القطاع رفضًا لكل تلك المخططات وستنتصر مصر وأمتها العربية وستفشل المؤامرة الصفقة.
د. عبد العظيم محمود حنفي
خبير في الشئون السياسية والاستراتيجية