موضوعات مقترحة
بقلم:
دكتور / جميل جورجى
[email protected]
تعد "الترامبية " واحدة من أبرز الظواهر السياسية التى أثارت جدلاً واسعاً فى الولايات المتحدة والعالم خلال العقد الأخير إذ تجاوزت شخصية "دونالد ترامب "وتحولت إلى عقيدة سياسية متجذرة فى ظل واقع اجتماعى وسياسى متأزم.. وتتميز "الترامبية" بعدم الثقة فى المؤسسات التقليدية وتزايد السخط على الطبقة السياسية الحاكمة فى ظل عالم يشهد تصاعد"الشعبوية" بالاعتماد على خطاب مختلف وشخصية "كاريزمية" نجحت فى جذب قطاعات واسعة من المجتمع الأمريكى.. ويؤكد "د. ديفيد إدوارد تاباشنيك" على وجود أربع سمات أساسة "للترامبية" تميزها عن غيرها من الظواهر وتمنحها تلك الجاذبية المذهلة يأتى على رأسها الشهرة من خلال البرامج الحوارية التى كان لها دور كبير فى السياسة الأمريكية وفى تعزيز شهرة "ترامب .. واستطرد "تاباشنيك" قائلاً الخاصية الثانية هى" النزعة القومة" إذ أثبتت العديد من الدراسات دورها المؤثر فقد أظهر أحد الاستطلاعات أن 61 % من مؤيدى "ترامب" كانوا مناهضين لنظرة الميلاد أما السمة الثالثة فهى رفض "الدخل" فقد كان ترامب يتفاخر بأنه رفض الملايين من الدولارات من جماعات الضغط الذين وصفهم بأنهم مجرد دمى فى أيدى المانحين .. ويؤكد "تاباشنيك" على أن "الشعبوية" تعد السمة الرابعة التى تميز"الترامبية" وهى عبارة عن مزيج من الوطنية الصريحة والقومية الاقتصادية إلى جانب الاهتمام بالطبقة المتوسطة والسياسة الخارجية العدوانية .. لقد جعلت هذه الخصائص الأربع من "الترامبية"ظاهرة سياسية فريدة تتمتع بجاذبية مذهلة بل وتمتد إلى ما هو أبعد من "ترامب" نفسه متجاوزة الأيدلوجية السياسية المحافظة بل وتتمتع بالقدر الكافى من الجاذبية التى مكنته من الفوز الساحق فى الانتخابات .. فى الوقت نفسه كتب "بيترسون سميث" فى مقاله بعنوان" ترامب تعهد بعصر من العنف المذهل" إذ فيما يبدو أنه يستعد لاستخدام كل مالديه من براعة فى استعراض كل أشكال العنف والقمع التى تمارسها الدولة فى الولايات المتحدة ولتكون بمثابة فصل رئيسى فى عنف الدولة من خلال عمليات الترحيل الجماعى للمهاجريين .. وقد طرح "سميث" "ذلك التساؤل هل سيكون" ترامب " أسوأ من "بايدن"؟ وهو تساؤل تعد الإجابة أكثر تعقيداً لاسيما وأن "بايدن" قد شارك فى تلك الإبادة الجماعية التى ارتكبتها إسرائيل فى "غزة" بالنسبة لقطاعات كبيرة من السكان .. ويؤكد "سميث" قائلاً بعيداً عن الإجراءات الرسمية التى تتخذها الدولة فمن المؤكد أن عودة "ترامب" إلى البيت الأبيض ستشجع عناصر اليمين المتطرف وسيكون ذلك بشكل حرفى حيث يتم العفو عن أعضاء جماعة "براود بونز" وغيرهم من اليمنيين المتطرفين الذين شاركوا فى الهجوم على مبنى "الكابيتول" .. أما فيما يتعلق بموقفه من الحرب العالمية الثالثة فقد جاء ذلك فى إجابة له فى أحد مناظراته مع "كاميلا هاريس"حول المهاجرين متسائلاً عما سيحدث وكانت إجابته بأن الحال سينتهى بنا إلى حرب عالمية ثالثة.. فى مقال "براتيك تشاكرابورتى" بعنوان "ترامب يتعهد بمنع الحرب العالمية الثالثة وغزو الحدود الأمريكية" كتب يقول لقد تعهد الرئيس "ترامب "بمنع الحرب العالمية الثالثة وغزو الحدود ولكن هناك الكثير مما يخرج من فم "ترامب" إلا أنه عند وضع السياسة فهو سيلتزم فعلياً بخط الحزب ..يؤكد "أندرياس كالوث "فى مقاله بعنوان "ترامب محق بشأن الحرب العالمية الثالثة ومخطئ بشان التحليل " قائلاً بالرغم من أن الكثير مما يدلى به "ترامب" غير متوازن ومبالغ فيه إلا أن تعليقاته بشأن "الحرب العالمية الثالثة"سلطت الضوء على المخاوف المتزايدة بين الخبراء بشأن الصراعات العالمية وتلك المعضلة التى تواجه "الولايات المتحدة"ألا وهى الاستعداد لحروب متعددة دون تصعيد التوترات أو التضحية بالاستقرار الاقتصادى والتحالفات الدولية .. وقد استطرد "كالوث" قائلاً لقد ظلت تلك الإستراتيجية التى تقوم على الحربين عقيدة ثابتة لعقدين من الزمان ولكن مع حلول عهد "أوباما " استنزفت الولايات المتحدة قواها فى الحربين المتزامنين فى "أفغانستان" و"العراق" إذ لم يكن الخصوم قريبين من الحدود ومن ثم تم إعادة صياغة "مفهوم القوة " بحيث أصبح يتلخص فى الفوز بحرب كبرى واحدة.. وقد صرح "أندرو فوتر" أستاذ السياسة الدولية قائلا ً أن "ترامب" يمكن أن يقلب الموازين رأساً على عقب عندما يتعلق الأمر "بالأمن النووى" فى أوروبا وتقويض الروابط بين الولايات المتحدة و"حلف شمال الأطلنطى" التحالف العسكرى بين أوروبا وأمريكا الشمالية للدفاع ضد طرف ثالث .. من بين الأسباب العديدة التى تجعل من الممكن أن تشهد فترة الرئاسة الثانية للرئيس "ترامب" إندلاع الحرب العالمية الثالثة هى انتشار الحروب الإقليمية الساخنة فى "أوكرانيا"و"الشرق الأوسط" مع احتمال اندلاع المزيد منها فى مضيق "تايوان" وبحر الصين الجنوبى ويمتد إلى شبه الجزيرة الكورية .. من بين الأهداف التى تذكى اندلاع الحرب العالمية الثالثة تلك التى أشار إليها "كالوث" وهى أن المعتدين المباشرين أو غير المباشرين فى الصراعات الدائرة فى روسيا وإيران والصين وكوريا الشمالية يمكن أن يشنون هجوماً ضد الولايات المتحدة وحلفائها .. أما فيما يتعلق بالسبب الثالث الذى يذكى الحرب العالمية فهو الأسلحة النووية الموجودة بالفعل إذ يوجد لدى روسيا عدد من الرؤوس النووية يعادل تقريباً عدد الرؤوس النووية الموجودة بالفعل لدى الولايات المتحدة فى الوقت الذى تتسابق فيه الصين من أجل تحقيق التكافؤ مع كل منهما وكوريا الشمالية التى يتزايد مخزونها النووى .. وهنا يطرح "كالوث" تساؤلاً حول ما الذى يتوجب على الولايات المتحدة القيام به حيال ذلك؟ الإجابة بالقطع إذا كانت الحرب قادمة فمن الصائب أن تستعد لها وقد تكون مكلفة إلى الحد الذى قد تضطر معه إلى التضحية بازدهارها .. إن الفكرة الأساسية هى أن الولايات المتحدة قد تضطر إلى القتال على أكثر من جبهة كما حدث فى الحرب العالمية الثانية فإذا كان استعدادها لمسرح واحد فقط فقد تخسر فى المسارح الأخرى .. من بين الأمور الأخرى التى يجدر الإشارة إليها تلك القناعة لدى العديد من الباحثين بأن الكثير مما يدلى به "ترامب" من تصريحات قد يكون غير متوازن ومبالغ فيها مما يدعو إلى رفضه ومع ذلك فهو يتمتع بمهارة "شعبوية"فى إطلاق الإنذرات التى تتماشى مع روح العصر لاسيما فيما يخص الحرب العالمية الثالثة "حرب هرمجدون" .
ويرى"د. "تاباشنيك""أننا أصبحنا بالفعل أمام مرحلة قادمة تتصدر فيها"الترامبية" من جديد المشهد فى السياسة الأمريكية فهى أكثر من مجرد رؤية فردية لدى "ترامب"بل أصبحت عقيدة سياسية كاملة تشكل سلوكه مما يجعلنا أمام مرحلة سياسية قد يستمر تأثيرها لعقود قادمة .