بقلم- سامية توفيق:
موضوعات مقترحة
جاءت الذكرى التاسعة لتدشين قناة السويس الجديدة، أحد أكبر المشروعات التنموية في الجمهورية الجديدة التي بدأ حفرها عام 2014 في فترة قياسية بملحمة جماهيرية ووطنية ليست غريبة على المصريين، وسط مرحلة مفصلية تموج بها منطقة الشرق الأوسط بأمواج عاتية من الحروب والتقلبات الداخلية للبلدان المحيطة بمصر، لاسيما بمنطقة البحر الأحمر التي ارتد صداها السلبي على أداء قناة السويس وهو ما انعكس على أرباحها هذا العام.
منذ أيام قليلة وأثناء زيارتي العائلية لبورفؤاد ألمت بأبي وعكة صحية طارئة دخل على إثرها أحد مستشفيات بورسعيد الباسلة وقتها لم أكن أتخيل أن ذلك الرجل الشامخ القوي الذي استند إليه كجبل راسخ في أعماق الأرض وثناياها أن يمر بتلك التجربة المرضية وفي أحب الأماكن إلى قلبه، لكن رغم ذلك كنت على يقين أنه لن يستسلم وسيحارب كما عاهدته يفعل في مختلف المشكلات والأزمات التي واجهته طوال حياته لينهض مجددا معافى وكأنه لم يمرض أبدا وهذا ما أنعم الله به علينا.. لأنه ببساطة الأقوياء لا ينهزمون بسهولة وهكذا قناة السويس ستظل ما بقيت الأرض تجري فيها المياه وتزخر بالحركة ذهابا وإيابا كدماء مصرية أصلية تدفقت في شريان الأجداد وما زالت في عروق وسواعد الأبناء.
وأنا في الطريق ما بين المنزل والمستشفى ساقتني قدماي إلى قناة السويس فوجدتني أقف متأملة هذا الصرح العملاق وكأني استمد قوتي كلما استنشقت هواءها الذي يأتيني محملا بقوة الماضي وصلابة الحاضر وإنجاز المستقبل، أتأملها وفي مخيلتي ما يحيط بها من قول ناقد أو حاقد طاردها منذ أن كانت فكرة في مهد قيادة سياسية واعية تنظر إلى مستقبل لا يرحم من التنافسية العالمية أو محاولات للتقليل من شأن هذا المشروع العظيم والتي ظهرت ثماره سريعا بتحقيق أرباح كبيرة لم تكن تنعم بها خزينة الدولة إن لم ننجز مشروعنا القومي العملاق فتم من خلالها زيادة الإيرادات المحصلة من 5.2 إلى أكثر من 9 مليارات دولار بزيادة قدرها أكثر من 73% ناهيك عن اختصار زمن الانتظار، وزيادة عدد السفن.
لذلك أستطيع أن أطلق على الأحداث الجيوسياسية التي تمر بها المنطقة والأزمات التي تعترض الاقتصاد العالمي، بمثابة وعكة صحية طارئة أصابت قناة السويس كالتي ألمت بأبي سريعا ما ستتخطاها القناة بقوة وعزيمة رجالها المخلصين الذين يواصلون العمل ليل نهار للحفاظ على ريادتها كأهم وأسرع مجرى ملاحي في العالم، حيث تنتهج سياسة مرنة في التسعير وفي التعامل مع الشركات العالمية، وستظل البديل الأفضل والأكثر أمنا بالنسبة للتجارة العالمية.
ورغم أن إيرادات القناة تضررت جراء اضطرابات الملاحة في البحر الأحمر، فإن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس أعلنت عن نتائج الجهود الترويجية اللي قامت بها والتي وصلت للحصول علي موافقات نهائية ومبدئية لـ 218 مشروعا بإجمالي استثمارات تصل إلى 5.12 مليار دولار، منها 98 مشروعا بموافقة نهائية بإجمالي استثمارات تصل لـ 2.23 مليار دولار، و120 مشروعا بموافقة مبدئية باستثمارات تصل لـ 2.89 مليار دولار، وهو ما يبشر بتوفير أكثر من 25 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة مع بداية دخول المشروعات الجديدة للتشغيل الفعلي .
وهنا وجب التأكيد والتذكير أيضا أن ملحمة قناة السويس الجديدة، لم تكن ملحمة حفر فقط بقدر ما كانت ملحمة تنمية، لقد كان الغرض من الحفر في المقام الأول هو تنمية محور قناة السويس، وتم تنفيذ 4 أنفاق أسفل قناة لسويس، نفقان ببورسعيد، وآخران بالإسماعيلية، وقد اعتبرت هذه الأنفاق بمثابة شرايين الحياة لتنمية أرض سيناء الحبيبة، وأقيمت ضاحية الأمل التي تمثل مجتمعًا عمرانيًا متكاملاً على مساحة 2744 فدانًا بين مدن القناة الثلاثة، وفي الوقت الذي انطلق فيه قطار التنمية في محور قناة السويس، تم تطوير كافة الموانئ على هذا المحور، وهي موانئ: "شرق بورسعيد، غرب بورسعيد، السخنة، السويس، الأدبية".
أخيرا.. ما تم تنفيذه بالجهد والدم والعرق لا يمكن أن ينهار لمجرد وعكة بسيطة مهما كانت خسائرها طالما يقوم عليها أبناء مخلصون من ذوي القدرة على الفعل والتنفيذ والإنجاز مسلحين بالعلم والتخطيط السليم.. وتحيا مصر رغم كل صوت حاقد أراد لها الشر.
عضو مجلس النواب