موضوعات مقترحة
تكون في المعاملات بين الناس، وفي حفظ السر بين الرجل وأهله، وفي حفظ أسرار المجالس
تحقيق ـ عبير علي عياد
الأمانة تكليف من الله عز وجل للإنسان فهي أمر واجب تطبيقه في كل الأقوال، والأفعال، والعبادات، ومن يلتزم بها يكون من المؤمنين الذين ينالون محبة الله تبارك وتعالى، ومن يتهاون ويقصر ويخالفها يكون من الخائنين، المنافقين، وتغيب التقوى وسلامة القلوب، قال الله سبحانه وتعالى "يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون".
يقول الدكتور مختار مرزوق عبد الرحيم عميد كلية أصول الدين الأسبق بجامعة الأزهر بأسيوط إنه يجب أن تكون الأمانة سمة أساسية في كل إنسان حتى تستقيم أحوال الناس والمجتمعات، وقد قال بعض أهل العلم في تعريف الأمانة أنها ما يؤتمن عليه العبد من أمانات وودائع دون مكتوب أو شهود، وقال الله سبحانه وتعالى "والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم بشهاداتهم قائمون والذين هم على صلاتهم يحافظون أولئك في جنات مكرمون"،وذلك أن حفظ وأداء الأمانة من علامات الإيمان التي تؤدي إلى الفوز برضوان الله تبارك وتعالى،
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع (ألا أخبركم بالمؤمن: من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب)، وأوضح أن أشكال الأمانة ثلاثة: أولا: أمانة العبد مع الله وهي أن يلتزم العبد بما أمره الله به، وأن ينتهي عن ما نهاه عنه، فيستخدم فكره وجوارحه فيما ينفعه ويقربه من الله عز وجل، ثانيا:أمانة الإنسان مع ذاته وهي أن يقدم الإنسان لنفسه ويختار كل ما فيه نفع له في الآخرة والدنيا، وثالثا: أمانة الإنسان مع غيره من الناس في كل أمر مثل حفظ السر، ورد الودائع، وعدم الغش، وغيره.
ويضيف د. مختار مرزوق أن دين الإسلام قد نهى عن خيانة الأمانة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك)، كما أنها من علامات النفاق كما قال رسول الله (أية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)، وعندما يقدم الإنسان على ما يضره في الآخرة والدنيا بفعل الشهوة والغضب ويرتكب المعاصي والكبائر فهو خائن لما أمره الله تعالى به وليس أمين على نفسه.
ويقول الدكتور الأمير محفوظ محمد من علماء الأزهر الشريف وباحث في الشئون الإسلامية إن الأمانة من أهم مفردات القيم الخلقية الواردة في ميراث وحي النبوة الخاتمة من كتاب أو سنة، ومن أعمها دلالة الأمانة في الكلمة منطوقة ومكتوبة، وفي المعاملة والسلوك، وفي القيام بكل مسئولية يكلف بها الإنسان، ومن أعظمها أمانة الإنسان على إنسانيته وعقله وكرامته، وإن من أهمية الأمانة عموم دلالتها قال الله سبحانه وتعالى "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا" حيث يأتمن شخص على أمانة شخصا آخر من وديعة أو معاملة تؤدى في موعدها دون تأخير أو تهاون، لأن الأمانة تكون في المعاملات بين الناس، وفي حفظ السر بين الرجل وأهله، وفي حفظ أسرار المجالس، كما تكون في صون العهود والعقود التي بين الناس، وصون الإنسان حديثه من الكذب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع).
ويوضح د. الأمير محفوظ أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم اتصف بالأمانة وأمر الناس بأدائها كما جاء في السنة حيث قال جعفر بن أبي طالب للنجاشي ملك الحبشة مبينا أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم: نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده، ونعبده، وأكمل فقال: وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة؛ ولذلك فإن من أدى الأمانة لأهلها، وتنازل عن الغدر والخيانة محتسبا أجره على الله سبحانه وتعالى عوضه خيرا وبركة في نفسه وأهله وماله.
ويضيف د. الأمير محفوظ أن الأمانة تكون حتى في نظرات وإيماءات الأعين فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين) أي أنه لا يطرف بعينه غدرا لأحد أو مكرا به، ونذكر هنا الصحابي حاطب لما أفشى سر رسول الله عام الفتح بدون أن يتعمد ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لعل الله عز وجل اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم؛ وذلك لأن التململ وقت الفتنة والتعثر وقت الأزمة كلها أمور واردة بفعل الجهالة الأصلية في كل إنسان خلقه الله، فمن الجدير بالذكر أن السموات والأرض والجبال قد أشفقن من حمل الأمانة فلم يرتضوا حملها بينما أقبل الإنسان على حملها، قال الله سبحانه وتعالى "إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا"، وهي أمانة العقل أو مسئولية التكاليف، أو ميثاق الله على خلقه وإقرارهم بالإيمان والتوحيد.