Close ad

ضوابط الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في ميزان الفقه الإسلامي

29-9-2022 | 15:23
ضوابط الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في ميزان الفقه الإسلاميضوابط الاحتفال بالمولد النبوي الشريف

 

موضوعات مقترحة

 

بقلم : أ.د. عبد الحليم منصور

كلية الشريعة الشريعة والدراسات الإسلامية

الجامعة القاسمية .الشارقة . الإمارات.

يثار جدل عريض في كل عام حول مشروعية الاحتفال بمولد الحبيب عليه الصلاة والسلام ، بين بعض التيارات الفكرية في مصر والعالم العربي والإسلامي ، وقد اختلف العلماء بشأن هذه المسألة على رأيين :

الرأي الأول : ويرى القائلون به مشروعية الاحتفال بمولد النبي عليه الصلاة والسلام ، وفقا للضوابط والأصول الشرعية المعتبرة في ذلك .

الرأي الثاني : يرى القائلون به حرمة الاحتفال بمولده عليه الصلاة والسلام ، وأنه من البدع المستحدثة في دين الله عز وجل ، وأن القرآن الكريم والسنة النبوية لم يشرعان هذا الاحتفال ، فلم يفعله النبي عليه الصلاة والسلام ولا الصحابة من بعده .

الرأي الراجح : يبدو لي رجحان الرأي الأول القائل بمشروعية الاحتفال بمولد النبي عليه الصلاة والسلام وذلك بما يأتي .

أولا – الأصل في الأشياء الإباحة : وهذه قاعدة عامة تتناول بيان الأصل الشرعي لكل المعاملات والتصرفات التي يقوم بها البشر في سلوكياتهم وعباداتهم ، وليس ثمة دليل يدل على منع هذا الاحتفال فيبقى الأمر على مقتضى العموم سالف الذكر .

ثانيا – في الاحتفال بمولد النبي عليه الصلاة والسلام تجديد للدين في نفوس الخلق ، وهذه مهمة العلماء ، الذين يذكرون الناس بسيرة النبي عليه الصلاة والسلام ، وبأخلاقه ، ومبادئه ، وتصرفاته ، وسيرته العطرة ، مع أهل بيته ، ومع جيرانه ، وأصحابه ، وأعدائه ، وفي ذلك كله تجديد للدين من جديد في نفوس العباد ، وحثهم على اقتفاء أثر نبيهم في الاتباع .

ثالثا – في الاحتفال بالنبي عليه الصلاة والسلام شكر للنعمة التي أسبغها الله عز وجل على عبادة ، حيث كان النبي عليه الصلاة والسلام سببا في إخراج الناس من الظلمات إلى النور ، ومن الشرك إلى الإيمان بالله ، ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، وكل هذه نعم تستوجب الشكر قال تعالى :"  وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ " إبراهيم ، آية: (7) وقال عز وجل  :" فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ النحل : (114)وقال تعالى :" وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ" النمل  (40)

رابعا – قال تعالى :" قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ" يونس ، آية : (58) ومحمد عليه السلام أفضل نعمة ، وأعظم فضل على البشرية ، يستوجب الفرح ، والشكر ، اعترافا بفضل الله ، وبفضل النبي عليه الصلاة والسلام على البشرية  .

خامسا – ورد أيضا أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصوم يوم الاثنين ، الذي ولد فيه ، ولما سئل عن ذلك قال :" ذاك يوم ولدت فيه " وهذا يدل دلالة واضحة على جواز الاحتفال بهذا اليوم ، من عموم المسلمين ، مثلما فعل النبي عليه الصلاة والسلام .

سادسا – ما ذهب إليه القائلون بأن في هذا الاحتفال بدعة فإننا لا نسلم به وعلى فرض التسليم بأن الاحتفال بمولده  بدعة ، إلا إنها بدعة حسنة ، وليست بدعة سيئة. فليست البدعة كل ما استحدث بعد رسول الله بإطلاق؛ فقد استحدث المسلمون أشياء كثيرة لم تكن في عهده ، ولم تُعد بدعة، مثل استحداث عثمان أذانًا آخر يوم الجمعة بالزوراء " مكان خارج المدينة " لما كثر الناس ، واتسعت المدينة، ومثل استحداثهم العلوم المختلفة ، وتدريسها في المساجد ، مثل علم الفقه ، وعلم أصول الفقه ، وعلم النحو ، والصرف ، وعلوم اللغة ، والبلاغة، وكلها علوم لم تكن على عهد النبي ، وإنما اقتضاها التطور، وفرضتها الحاجة، ولم تخرج عن مقاصد الشريعة، بل هي لخدمتها ، وتدور حول محورها، فما كان من الأعمال في إطار مقاصد الشريعة لا يعد من البدعة المذمومة .

سابعا- كما أن قولهم بعدم احتفال الصحابة به غير مسلم أيضا فقد ورد في السنة النبوية ما يدل علي احتفال الصحابة الكرام بالنبي, مع إقراره لذلك وإذنه فيه, فعن بريدة الأسلمي رضي الله عنه قال: خرج رسول الله  في بعض مغازيه, فلما انصرف جاءت جارية سوداء فقالت: يا رسول الله, إني كنت نذرت إن ردك الله سالما أن أضرب بين يديك بالدف وأتغني, فقال لها رسول الله صلي الله عليه وسلم: إن كنت نذرت فاضربي, وإلا فلا, رواه الإمام أحمد والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. فإذا كان الضرب بالدف إعلانا للفرح بقدوم النبي من الغزو أمرا مشروعا أقره النبي وأمر بالوفاء بنذره, فإن إعلان الفرح بقدومه صلي الله عليه وسلم إلي الدنيا- بالدف أو غيره من مظاهر الفرح المباحة في نفسها- أكثر مشروعية وأعظم استحبابا.

ضوابط الاحتفال :

وإذا كنت قد رجحت جواز الاحتفال بمولد الحبيب عليه الصلاة والسلام  إذ هو الأصل في سائر الأمور والتصرفات حتى يتأتى دليل المنع ، وهذا أقل تعبير عن حبنا للحبيب عليه الصلاة والسلام ، الذي قال :" لا يؤمن أحدكم حتي أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين "فإن هذا الاحتفال يجب أن يحاط بمجموعة من الضوابط منها : عدم اختلاط الرجال بالنساء بشكل فاضح يؤدي إلى المحرمات ، ومنها : ألا يكون الاحتفال قاصرا على التطبيل والتزمير ، بل يكون بصوم يوم مولده ، ومذاكرة سيرته ، واتباع أخلاقه ، ولا بأس بأكل الحلوى ، والتوسعة على الأهل والعيال ، في إطار قوله تعالى :" ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين "وبالله التوفيق .

اقرأ أيضًا: