في يوم الأحد 25 سبتمبر الجاري، صوت الإيطاليون في الانتخابات البرلمانية وأسفرت عن حصول حزب "فراتيلي ديتاليا" (إخوة إيطاليا) بزعامة جورجيا ميلوني على أعلى الأصوات حاصدة نسبة تعادل ما حصلت عليه كل أحزاب اليسار الإيطالي على تنوعاتها، وبذا ستكون أول امرأة تشغل منصب رئيس وزراء إيطاليا. وميلوني تبلغ من العمر ٤٥ عامًا، وعملت صحفية قبل دخولها السياسة، وكانت أصغر نائب رئيس مجلس النواب ثم تولت منصب وزير الشباب في إحدى الحكومات الائتلافية لرئيس الوزراء السابق "بيرلسكونى".
موضوعات مقترحة
وقد جذبت الأنظار وازدادت شعبيتها لخطوة حكيمة اتخذتها وهي رفض المشاركة في حكومة "الوحدة الوطنية" التي شملت كافة الأحزاب مما جعلها ممثل المعارضة الحقيقي، والبديل لكل الأحزاب التي شاركت في الحكومة، وبالتالي ارتفعت أسهمها لدى الرأي العام، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعانى منها المواطن الإيطالي، الذي ألقى باللوم فيها على الحكومة. ونجحت ميلوني المعجبة سابقاً بينيتو موسوليني، والتي ترفع شعار "الله الوطن العائلة"، في جعل حزبها مقبولاً كقوة سياسية، وطرح المسائل التي تحاكي استياء مواطنيها وإحباطهم.
يتبنى حزب أخوة إيطاليا توجهات شعبوية، حيث يرى أن عملية العولمة قد فشلت، ويعارض الهجرة الجماعية وما يسميه "أسلمة" إيطاليا وأوروبا، ويدعو إلى تطبيق القانون والنظام بصرامة، وفيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية، يتبنى الحزب القيم التقليدية، ويتحدث عن مخاوف الانحدار الحضاري، ويعارض الإجهاض، والزواج من نفس الجنس. وأن "الخلاص الوطني" في نبذ المهاجرين والدفاع عن الأسرة التقليدية. جورجيا ميلوني تحالفت مع حزبين يمنيين آخرين. ووفق النتائج الأولية فازت تلك الكتلة المحافظة التي تضم "إخوة إيطاليا" و"فورزا إيطاليا" و"الرابطة"، بنسبة. تفوق الـ 40 % وهو ما يكفي لضمان السيطرة على مجلسي البرلمان.
حيث يمنح القانون الانتخابي الإيطالي الأفضلية للجماعات التي تمكنت من إبرام اتفاقيات ما قبل الاقتراع، مما يمنحها عدداً ضخماً من المقاعد، مقارنة بعدد أصواتها. وبهذا فان تلك الأحزاب الثلاثة بزعامة جورجيا ميلوني ستشكل الحكومة الإيطالية الجديدة تكون الهيمنة فيها لأقصى اليمين على حساب اليمين التقليدي. مما سيشكل ذلك زلزالاً حقيقياً في إيطاليا، إحدى الدول المؤسسة للاتحاد الأوروبي، وثالث قوة اقتصادية في منطقة اليورو، وكذلك في الاتحاد الأوروبي الذي سيضطر إلى التعامل مع السياسيّة المقربة من رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، المقرب بدوره من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ورغم أنها تدين الغزو العسكري لأوكرانيا إلا أن شريكيها في الائتلاف متعاطفين مع روسيا.
وستواجه حكومة ميلوني التي ستتولى مهامها اعتباراً من نهاية أكتوبر المقبل، عقبات عديدة في طريقها, إذ أن عليها معالجة الأزمة الناجمة عن الارتفاع الحاد في الأسعار، في وقت تواجه إيطاليا ديناً يمثل 150% من إجمالي ناتجها المحلي، وهو أعلى نسبة في منطقة اليورو بعد اليونان. ورغم بعض انتقاداتها للاتحاد الأوروبي فإن إيطاليا بحاجة ماسة لاستمرار المساعدات التي يوزعها الاتحاد الأوروبي في إطار خطته للإنعاش الاقتصادي بعد جائحة كورونا، والتي يمثل هذا البلد أول المستفيدين منها، وبفارق كبير عن الدول الأخرى. ولا يمكن لإيطاليا أن تسمح لنفسها بالاستغناء عن هذه المبالغ المالية، ومن ثم فإن هامش التحرك أمام ميلوني محدود جداً على الصعيد الاقتصادي. في المقابل، بإمكانها الوقوف في صف وارسو وبودابست في معركتهما مع بروكسل "بشأن مسائل الدفاع عن المصلحة الوطنية بوجه المصالح الأوروبية".
الانتخابات البرلمانية الإيطالية تؤكد نزوع الناخب الإيطالي الذي ظهر جليا منذ انتخابات عام 2018، من تحطيمه القوالب النمطية القديمة بحثا عن نموذج جديد في أنحاء أوروبا.
د. عبد العظيم محمود حنفي
باحث وأكاديمي في العلوم السياسية