رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

الجار الفيلسوف يصافح عامه المائة

والجوار الذى أعنيه هنا ليس جوار المسكن ولكنه التجاور المباشر فى مقالات الأهرام لسنواتِ طويلة مضت، وأعنى به الفيلسوف المصرى مراد وهبة الذى ربطتنى به علاقة طويلة لسنوات عديدة عرفت فيها قدره ومكانته وشاركته عن بعد فى معاركه الفكرية ونظراته الفلسفية، "فابن رشد المصري" يستحق منّا كل تقدير واحترام، وقد خاض معارك ضارية من أجل الدفاع عن الليبرالية والعلمانية والحريات العامة، كما تصدى للأصولية بمعناها الرجعى الذى فرض نفسه على المجتمع البشرى فى العقود الأخيرة وعانت منه شعوب إسلامية وغير إسلامية والكل يكافح ضد تفشى وباء يتغطى بالأصولية ويختفى وراء المشاعر الدينية والانتماءات الروحية، تحية للفيلسوف الكبير مراد وهبة الذى يصافح الأعوام المائة من عمره الثرى وقيمته الكبيرة، وقد زاملته فى الكثير من المحافل الفكرية والثقافية لعل آخرها المجلس الأعلى للثقافة، وقد كتبت وقتها قبيل حصوله على الجائزة التى كنت أحد دعاتها للمستحق الكبير لها ذلك الفيلسوف الحر مراد وهبة، رغم بعض الاعتراضات النكراء والأصوات البائسة التى لا تريد الخير للأمة المصرية فى كل الأحوال ولا تؤمن بسلام البشرية فى معظم الأوقات، كتبت وقتها أن الدكتور مراد وهبة يجلس صامتًا لسنوات طويلة فى المجلس الأعلى للثقافة وهو يرى الجوائز تتطاير من حوله لمن يستحق ومن لا يستحق والرجل قابض على كبريائه متمسك بصمته، ولكنى كنت أشعر أنها واحدة من مسئولياتى الأخلاقية أن أسهم فى أن ينال هذا المفكر الكبير حقه الذى غاب عنه منذ سنوات طويلة، وقد كان دائمًا صوتًا حرًا ذكيًا فى المؤتمرات الفلسفية والمحافل الفكرية العالمية، وتحمل من أجل ذلك درجات عالية من التهميش بل والهجوم الشخصى عليه دون مبرر، ولقد قال لى بعد المقال الذى كتبته حينذاك أن معنى ماتقول أنى لن أحصل على الجائزة أبدًا، فقلت له ويحك إن الزمان ينصف ما أهمله الإنسان، وكان إجماع الأعضاء بالمجلس الأعلى للثقافة على منحه جائزة النيل منذ سنوات قليلة (عام 2018) تتويجًا لتاريخه الطويل واعترافًا بحقه الضائع، ولقد شعرت بارتياح شديد وأنا أرى المجلس يجمع تقريبًا على اختياره لتلك الجائزة الرفيعة التى لم تكن قد وصلت إليه حتى تلك السن المتقدمة، إن مراد وهبة فيلسوف من طراز خاص، فهو ليس بائعًا للأفكار ولا متاجرًا بالفلسفة أم المعارف، ولكنه راهب صامت فى محراب العلم والمعرفة، وإذا كان يمر بظروف صحية فى الفترة الأخيرة فإننى أدعو الله أن يتم عليه نعمته بعمره المديد وعطائه المتواصل وأفكاره اللامعة وآرائه الحرة، ونحن نفتقد وجوده فى المجلس الأعلى للثقافة بحكم سنه المتقدمة والحدود العليا للعطاء للبشرية ذات الآجال المحددة، ولقد كان الرجل ولا يزال هادئ الطبع عفيف النفس يقبل على زملائه وتلاميذه، وهم كثر بالاحترام الواجب والتقدير المطلوب مع التواضع الجم والأدب الرفيع، ورغم تحفظه الغريزى وهدوئه الظاهر فإنه كان يمضى فى رحلة الحياة بنفس درجة الثبات ومستوى الرقى الذى بدأ به حياته، وكم هاجمته أقلامٌ مسمومة وأفواه جارحة فترفع عنها جميعًا ومضى فى طريقه حتى ثبت الحق وعرف الجميع مكانة ذلك الفيلسوف المصرى الذى نطالب بالاحتفال بمئويته هذه الأيام، وكم كان يسعدنى ويشرفنى أن أرى مقالى الأسبوعى مجاورًا لمقاله عبر سنوات طويلة، وأعتبر ذلك طوال الوقت تكريمًا لى ولكل كتاب الأهرام المعاصرين لتلك الشخصية الفذة التى ربطتنى بها أواصر بعيدة من المحبة والتقدير، ولقد كان الرجل حفيًا بالرأى الآخر مستمعًا باهتمام لآراء الغير فى كل الظروف، ورغم تقدمه فى العمر فإنه ظل مواظبًا على إنتاجه الفكرى والثقافى مشاركًا فى قضايا المجتمع ومشكلاته وأزماته، وكان باستطاعته أن يضع أفكاره – حتى التى يرفضها الغير – بأسلوب علمى يؤكد دومًا أن الفلسفة كانت ولاتزال وسوف تظل أفضل العلوم بغير منازع، ولقد كان تكريم الدولة له فى عمره المتقدم خيرًا من لا شىء، فالتكريم المتأخر حين يأتى هو أفضل من الغياب المتعمد نتيجة الأجواء المضطربة والنفوس المريضة، وقد عاش مراد وهبة شامخًا مخلصًا لوطنه محافظًا على أفكاره متمسكًا بمبادئه، وعاصر العديد من التغيرات فى الدولة المصرية والتحولات الضخمة فى المجتمع المصرى، ولكنه رغم كل ذلك لم يغيّر جلده ولم يهرع وراء منصب ولم يلهث خلف جائزة ..

تحية كبرى لواحد من الشوامخ والبقية الباقية من جيل المفكرين الأحرار على أرض مصر ونورها الذى لا يخبو وإشعاعها الذى لا ينقطع أبدًا.


لمزيد من مقالات د. مصطفى الفقى

رابط دائم: