رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

غزة الجرح.. ومصر الدواء!

مسيرة طويلة، منذ بدء العدوان الإسرائيلى على غزة الصامدة، حتى قمة شرم الشيخ للسلام، أمس، ما بين الليل الدامس والفجر الخجول، آفاق مفتوحة على غدٍ نرجو أن يكون «أفضل».
بعد 7 أكتوبر عام 2023، أطلقت إسرائيل العنان لعاصفة من الدماء والألم، غرقت غزة، فى أتون النيران وبحور الدموع. فى تلك اللحظة المأساوية، وقفت مصر، كالجبل الشامخ على ضفاف الحق والسلام، ليس كشاهد صامت، بل كوسيط يمد يده نحو الجرح المفتوح، محاولا علاجه ببصيرة وإصرار؛ كانت غزة هى الجرح، ومصر هى الدواء.

سيذكر التاريخ والضمير الإنسانى أن المحروسة هى أكبر مدافع عن حقوق الشعب الفلسطينى ووجوده، القوة الفاعلة التى أبطلت «مخطط التهجير»، وبالتالى حالت دون تصفية القضية، ونهضت بدور تاريخى لتهيئة الأجواء للتهدئة؛ من أجل سلام المنطقة وأمان العالم أجمع.


لم تكن مصر غريبة عن دورها هذا. فمنذ عقود، كانت داعية السلام وصانعته فى قلب الشرق الأوسط، حيث يحدث «غير المتوقع» دائما، وتشتعل الحرائق لأهون سبب... فى الأسابيع الأولى من الحرب الإسرائيلية على القطاع، وبينما كانت أصوات القذائف تدوى كالرعد، أطلقت القاهرة جهودا فورية لوقف النار وإدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح وغيره، وهو جهد تشعبت مساراته ومراميه. من أبرز محطات هذا الجهد الذى بدأ منذ اللحظة الأولى لاشتعال الأحداث، قمة القاهرة للسلام فى أكتوبر 2023، وبعد ذلك بأشهر نجحت مصر مع قطر والولايات المتحدة، فى صياغة هدنة قصيرة الأمد، تشبه الزفير الخافت فى رئتى غريق؛ تدفقت المساعدات الإنسانية بعد الجفاف، كانت هذه الهدنة، برغم هشاشتها، بمثابة شعلة أولى فى الظلام، بناء كبير يبدأ بحجر صغير.

ومع أن الدور المصرى تعرض- ومازال وسيظل- لحملات التشويه والتضييق؛ فإن القاهرة إدراكا لرسالتها ومسئولياتها، لم تتوقف لحظة، ولم تأل جهدا فى سبيل مساعدة الأشقاء؛ ليل نهار. وعلى أعلى مستوى، تدفق الجهد المصرى تيارا هادرا، فى عام 2024، شهدت المفاوضات جولات متعاقبة، أصبحت القاهرة مركزا لمباحثات الهدنة فمصر، التى ترى فى غزة جزءا من جسدها ومحيطها الاستراتيجى، لم تكن مجرد وسيط بل كانت صوت الضمير الإنسانى، يدعو إلى حلول شاملة تشمل وقف النار وإعادة الإعمار والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطينى. تواصل الجهد المصرى فى محاولة لتجاوز العراقيل والعثرات: التصعيدات العسكرية، الضغوط الدولية، ودفع اقتصادها ثمنا فادحا لما يجرى، وبرغم ذلك واصلت مصر دأبها دون كلل أو تراخ، حتى لاحت تباشير تغير الأوضاع؛ إذ نجحت الوساطة المصرية - مع قطر والولايات المتحدة - فى صياغة هدنة أوسع، حيث برز دور الرئيس عبدالفتاح السيسى كقائد يجسد الإصرار المصرى، يجمع بين الدبلوماسية الهادئة والضغط المتواصل، محافظا على توازن دقيق يعيد الفرقاء إلى جادة الصواب؛ دعمت مصر خطة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ذات العشرين بندا، والتى تطرح رؤية ترامب لتحقيق السلام والاستقرار بالشرق الأوسط، حرصا منه على تكريس التعايش السلمى بين شعوبها وجدت مصر فى «خطة ترامب» فرصة لوقف شلالات الدماء الهادرة على رمال غزة؛ ودعت جميع الأطراف للارتقاء إلى مستوى المسئولية بالالتزام بتنفيذ «خطة ترامب»، وإعادة إعمار غزة.
 

وأخيرًا - وليس آخرًا - استقبلت شرم الشيخ زعماء من أكثر من عشرين دولة، حضور عالمى «ثقيل» فى مدينة السلام العامرة، حيث «قمة السلام»، برئاسة مشتركة بين الرئيس السيسى ونظيره الأمريكى ترامب، لإقرار بنود «خطة ترامب» لوقف الحرب، وتبادل الأسرى والمحتجزين، وإدخال المساعدات الإنسانية.

إن شرم الشيخ، تلك المدينة التى شهدت قمم المناخ والسلام فى الماضى، تُصبح اليوم رمزا للأمل، فى تناغم يذكر بأن السلام يولد من التناقضات، والتى تذكرنا دوما بأن الشرط الضرورى لتحقيق الاستقرار والانتقال من نظام إقليمى جوهره الصراع والعداء، إلى آخر يقوم على السلام والتنمية هو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من يونيو عام 1967، وعاصمتها «القدس الشرقية»، فى إطار أفق سياسى يقود إلى حل الدولتين الذى توافق المجتمع الدولى على مرجعيته.
 

ولأن العقبات كثيرة أمام السلام، تتعاظم الحاجة إلى مواصلة الجهود المصرية فى هذا الشأن؛ تقود مصر اليوم ملحمة جديدة، فى إقليم مضطرب وعالم يشبه الغابة؛ لذلك تبقى مصر حارسا لجسور الأمل والأمان والاستقرار والإنسانية فى أبهى صورها. إن مسيرة الدور المصرى، فى القضية الفلسطينية، تُعلِّمنا أن الجهد ليس مجرد كلمات، بل أثماناً تدفع عن طيب خاطر، وأحلاماً تُبنَى على أنقاض اليأس. فى نهاية المطاف، قد لا يُطْفِئ السلام النارَ كلها دفعة واحدة، لكنه يشعل شعلة لا تنطفئ، تضىء طريقا طويلا نحو غد بلا دماء. وفى قلب هذا المشهد، تظل أم الدنيا عظيمة شامخة بقائدها وشعبها وجيشها العظيم وسياستها المتوازنة ووقوفها الدائم مع الحق والسلام العادل!.

***


إن مسيرة الدور المصرى، فى القضية الفلسطينية، تُعلِّمنا أن الجهد ليس مجرد كلمات، بل أثماناً تدفع عن طيب خاطر، وأحلاماً تُبنَى على أنقاض اليأس


[email protected]
لمزيد من مقالات مـاجــــد منير يكتب من شرم الشيخ:

رابط دائم: