لا تزال أصوات خبراء إسرائيل الاستراتيجيين تَتَوارَى خلف صخب قادتهم السياسيين الذين يجهلون تبعات سياساتهم فى اندفاعهم فى جرائمهم ضد الفلسطينيين والإقليم! وكان لغياب أثر الخبراء، أن سقطت إسرائيل، بسبب سياسييها ودون تخطيط من أعدائها، فى أكبر مأزق واجهته منذ تأسيسها، على جميع الأصعدة: داخلياً، وخارجياً، خاصة مع حلفائها التاريخيين، بل مع أمريكا التى دون دعمها لواجهت إسرائيل أخطارا وجودية.
لم يكن لهؤلاء الإستراتيجيين تأثير، منذ عقود، فى تنبيه الإسرائيليين بأن مصلحة مشروع دولتهم مهدد بتدميرهم للحركة الفلسطينية العلمانية التى كانت تطالب بوطن واحد يتساوى فيه اليهود والفلسطينيون. وكان يمكن التفاوض معها على هذا. بل إن السياسة التى تغيب عنها الرؤية الاستراتيجية جعلت إسرائيل تؤسس تنظيمات فلسطينية إسلامية بديلة وتسعد بالمؤشرات السطحية بأن الإسلاميين يشقون الصف الفلسطينى بتهميش المسيحيين وإضعاف العلمانيين! ولم تدرك إسرائيل أن البديل الإسلامى سوف ينفى حق اليهود من المنبع، ويستثير حمية العداء المطلق لليهود، وأن أجيالاً جديدة من الإسلاميين، حتى إذا عرفوا باتفاقات زعمائهم مع إسرائيل، فلديهم ما يبرر تنصلهم منها والعمل على محاربة إسرائيل..إلخ. وهكذا جاء جيل مقاتلى إنقاذ الأقصى. كما أنه ليس هناك الآن تحذير للخبراء يُنَبِّه الإسرائيليين الغافلين بأن مستقبلهم أشدّ قتامة، بمجرد التمعن فى معانى لقطات الأطفال الفلسطينيين المسرعين فور عودتهم إلى غزة لرفع علم فلسطين فوق ركام منازلهم، وفى قول رب أسرة عائد إلى مدينة غزة إنه لا يقبل الهجرة إلى سنغافورة، لأن راحته عندما يعود لغزة ليعيش فى خيمة ينصبها فوق ركام منزل أبيه وأجداده. ولم يظهر تنبيه للخبراء بأن هناك حدا فى تصعيد إسرائيل لجرائمها ضد الإنسانية لن يتعداه معهم أقوى حلفاء إسرائيل، لأن أسس التحالف بينهم تُوجِب على إسرائيل أن تحقق مصالحهم لا أن تضرهم. وعلى الخط نفسه، لا يحذر الخبراء من الخطر المُحْدِق بإسرائيل من تطورات الاستيقاظ الواضح ضدهم فى توجهات الرأى العام الغربى الذى يجبر حكومات الغرب على معارضة جرائم إسرائيل. ولعل أهم مؤشرات الغفلة الإستراتيجية أنهم يكابرون فى أن يعترفوا بقوة مصر وقدرتها على إفشال مؤامراتهم.
[email protected]لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب رابط دائم: