ألقى قرار المحكمة العليا فى الولايات المتحدة بشأن صلاحيات القضاة الفيدراليين ضوءًا جديدًا على أزمة الديمقراطية التمثيلية فى الدول الغربية، وأظهر مدى حاجتها إلى إنقاذ سريع. فقد وضع هذا القرار قيدًا جديدًا على صلاحيات السلطة القضائية بشأن مراقبة قرارات السلطة التنفيذية، الأمر الذى يتيح لإدارة الرئيس ترامب المضى قدمًا فى تنفيذ قرارات اتخذها وقررت محاكم فيدرالية فى بعض الولايات تعليقها. ويعنى هذا زيادة صلاحيات الإدارة التى تملك الآن سلطة مطلقة بسبب وجود أغلبية تؤيدها فى الكونجرس.
وكان تمرير قانون الضرائب الجديد فى مجلس الشيوخ، بالتزامن مع قرار الحد من صلاحيات القضاء، آخر تجليات هذه السلطة المطلقة. وليست الولايات المتحدة وحدها التى تواجه الديمقراطية فيها خطرًا يجوز القول إنه وجودى، وتحتاج من ثم إلى إنقاذ سريع. فهذه أزمة عامة فى الديمقراطيات الغربية، ولكن تختلف أشكالها ومستوياتها من بلد إلى آخر.
ولا سبيل إلى إنقاذ الديمقراطية إلا بتوسيع نطاق المشاركة الشعبية فى عملية صنع القرار لكى لا تبقى محصورة فى السلطة المنتخبة. ويتطلب ذلك فتح مجالات متجددة باستمرار للحوار السياسى والمجتمعى على المستوى الشعبى، وتوسيع نطاق الحركة فى المجال العام على نحو يدعم المشاركة الجماهيرية، ويوفر أوسع آفاق للتفاعل بين المواطنين ومؤسسات الحكم. ويعنى ذلك ألّا ينتهى دور المواطن الفرد عند الاقتراع فى الانتخابات العامة.
ويمكن أن نعيد أصول فكرة زيادة المشاركة الشعبية على هذا النحو إلى المفكر الألمانى يورجين هابرماس فى نظريته عن الفعل التواصلى. فقد ربط بين تعميق الديمقراطية والنشاط التواصلى الذى يفتح مجالات واسعة للتداول، بحيث يُمكن المواطنين من التعبير عن آرائهم ومقترحاتهم فى مناقشات عامة تقوم على قواعد يسميها أخلاقيات المناقشة. وترقى قيمة هذه المناقشة العامة عنده إلى مستوى المبدأ الديمقراطى لأنها تحقق ما يعتقد أنها مشاركة جماعية فى العملية السياسية، وتساعد فيما يسميه التكوين المجتمعى للإرادة العامة.
وليس إسهام هابرماس هنا إلا واحدًا من أفكار تُطرح فى الأدبيات الغربية منذ سنوات سعيًا لإنقاذٍ باتت الحاجة إليه اليوم أكثر إلحاحًا من أى وقت مضى.
لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد رابط دائم: