رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

قراءة أولية فى الحرب الإسرائيلية ــ الإيرانية

الحرب التى اندلعت بين إسرائيل وإيران مع فجر يوم الجمعة الماضى (13 يونيو 2025) تحمل دروسا ودلالات شديدة الأهمية، رغم أنها مازالت فى أيامها الأولى، ولا يمكن الجزم بأنها ستظل محصورة فى نطاقها الثنائي، إذ تظل هناك احتمالات كبيرة لتحولها إلى حرب إقليمية واسعة النطاق، اعتمادا على متغيرات عدة.


من ناحية، جاءت هذه الحرب لتساهم فى تسريع وتيرة إنهاء مرحلة من الاعتماد على الوكلاء المحليين كأداة رئيسة فى إدارة الصراعات فى إقليم الشرق الأوسط. إحدى السمات المهمة التى ميزت إدارة الصراعات فى الإٍقليم هى تصدر التنظيمات من دون الدولة للمشهد الإقليمي؛ إما كفاعلين مباشرين فى هذه الصراعات أو كأدوات فى إدارتها من خلال توظيفهم كوكلاء لفاعلين إقليميين آخرين. وقدمت إيران مثالا مهما كفاعل إقليمى اعتمد لفترة طويلة على الوكلاء والفاعلين من دون الدولة لإدارة صراعاتها مع أنظمة حاكمة أخرى، أو مع فاعلين محليين آخرين مختلفين أيديولوجيا ومذهبيا، أو مع قوى إٍقليمية أخرى، ومع قوى دولية فى بعض الحالات؛ فقد لجأت للاعتماد على وكلائها لحماية مصالحها داخل العراق، وإدارة صراعها مع بعض القوى الداخلية هناك، أو لإدارة صراعها مع الولايات المتحدة فى مناسبات عديدة. كما لجأت لتوظيف حزب الله فى لبنان لإدارة صراعها مع إسرائيل، ولحماية مصالحها فى سوريا ولبنان. الأمر نفسه فيما يتعلق بجماعة الحوثى التى أُضيف إلى دورها الرئيسى كوكيل فى إدارة الصراع مع الحكومة اليمنية، القيام بدور فى إدارة الصراع مع الولايات المتحدة وإسرائيل.

كما ظل هؤلاء الوكلاء أداة رئيسة فى إدارة الصراع الإسرائيلى ــ الإيرانى لسنوات متتالية. أحد العوامل التى ساهمت فى الاعتماد على هؤلاء الوكلاء هو التزام الطرفين بقواعد اشتباك محددة، استقرت لفترة، أهمها تجنب المواجهات العسكرية المباشرة بين الجيشين النظاميين، ومحاولة إدارة هذه المواجهات فى ساحات خارجية. ثم جاءت الحرب الجارية بين الطرفين لتدشن أول مواجهة عسكرية مباشرة بين الجيشين النظاميين، يغيب فيها تقريبا ــ حتى الآن ــ الوكلاء والفاعلون المحليون. وجاءت هذه الحرب المباشرة بعد تراجع كبير فى قدرات هؤلاء الوكلاء والفاعلين من دون الدولة، بفعل العمليات العسكرية والسياسية والأمنية التى قامت بها حكومة الاحتلال الإسرائيلية خلال العامين الماضيين. لا يعنى ذلك بالتأكيد اختفاء صيغة توظيف الوكلاء والفاعلين من دون الدولة فى إدارة الصراعات، لكن انتقال الطرفين إلى صيغة الحرب المباشرة، فضلا عما لحق بالوكلاء بالمنطقة من خسائر كبيرة، سيساهم بالتأكيد فى جدوى الاعتماد على الصيغة التقليدية السابقة. ويكرس هذا الاتجاه أيضا التحولات السياسية المهمة التى شهدتها ــ ومازالت ـ العراق وسوريا ولبنان فى غير مصلحة الفاعلين من دون الدولة داخل الدول الثلاث.

من ناحية ثانية، فإن الحرب تمثل اختبارا مهما للشراكات الاستراتيجية التى تم الاستثمار فيها من جانب قوتين مهمتين هما روسيا والصين مع إيران. فقد شهدت العلاقات الروسية- الإيرانية، والعلاقات الصينية- الإيرانية تطورات نوعية كبيرة على مدار العقد الأخير، سواء على مستوى العلاقات السياسية والاقتصادية أو العلاقات الأمنية والعسكرية. وفى ظل الصراع الجارى على قمة النظام العالمي، فقد طُرح افتراض مفاده أن النظام العالمى يمر بمرحلة انتقالية أحد عناوينها هو بناء التحالفات والمحاور الدولية كجزء من مشروع لدى القوى الصاعدة (روسيا والصين) لإنهاء مرحلة الهيمنة الأمريكية والنظام أحادى القطب، فى مواجهة مشروع أمريكى مقابل الحفاظ على النظام القائم، وإجهاض مشروع القوى الصاعدة. فى هذا السياق، فقد نُظر إلى إيران على أنها نقطة ارتكاز مهمة بالنسبة لروسيا والصين. السؤال المطروح هنا: كيف ستتعامل روسيا والصين مع هذه الحرب، خاصة فى حالة امتدادها لمدى زمنى طويل نسبيا، أو فى حالة دخول الولايات المتحدة كطرف مباشر فى الحرب؟ إن ترك إيران بدون دعم أو غطاء سياسى وعسكرى من جانب شريكيها روسيا والصين، بشكل قد يؤدى إلى تدمير قدراتها العسكرية والاقتصادية من خلال هذه الحرب، لا شك سيؤسس لاستنتاجات ورسائل مهمة بخصوص طبيعة العلاقات بين القوى الثلاث أولا، وحجم الوثوق بالقوى الصاعدة، ثانيا. وبعيدا عن طبيعة هذه العلاقات والمدى الذى وصلت إليه حتى الآن، فالثابت أن الحرب الجارية ستمثل اختبارا مهما لهذه العلاقات، كما ستمثل رسالة مهمة بشأن درجة الوثوق فى الاعتماد على القوى الصاعدة كحلفاء محتملين. من الطبيعى أن تسعى هذه القوى إلى حماية مشروعها كقوى صاعدة من خلال تجنب الدخول فى مواجهات عسكرية مُكلِفة أو تمثل إجهاضا مبكرا لمشروع الصعود، والتركيز فى المقابل على القضايا الحيوية أو التهديدات المباشرة، لكن ما لا يمكن نفيه أن سلوك القوى الصاعدة إزاء هذه الحرب سيساهم فى بناء صورة وإدراكات محددة لهذه القوى لدى القوى الوسطى، وتوجهاتها فى هذه المرحلة المهمة فى تطور النظام العالمي، ذلك أن الحرب ستترك آثارها الاستراتيجية على التوازنات الجارية بالإقليم وعلاقة الأخير بالنظام العالمي.

من ناحية ثالثة، وارتباطا بالنقطة الأولى، فإن هذه الحرب ستساهم، ضمن عوامل أخرى، فى التأكيد على أن موازين القوى الحقيقية فى الإقليم تتحدد بالأساس اعتمادا على قدرات الجيوش النظامية والأدوات الحديثة فى إدارة الحروب. لقد حاولت حكومة الاحتلال الإسرائيلية الترويج لمقولة مفادها أنه بإمكانها تحديد شكل الشرق الأوسط وعلاقات القوة فى الإقليم بشكل أحادي، لكن الرد الإيرانى على الهجمات الإسرائيلية، وإن كان قد جاء متأخرا نسبيا، يؤكد أنه لا يمكن لطرف بمفرده تحديد شكل الإقليم أو مصادرة موازين القوى لصالحه.

أخيرا وليس آخرا، كشفت الحرب خلال ساعاتها الأولى عن حقيقة أخرى وهى أهمية الجبهة الداخلية باعتبارها خط دفاع رئيسى فى حماية الأمن القومي، فإذا ثبت بالفعل أن جزءا من العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد المنشآت والقيادات العسكرية والأمنية الإيرانية قد تم تنفيذه من داخل الأراضى الإيرانية، فإن هذا يؤكد من جديد أهمية حماية الجبهة الداخلية ضد أى عمليات اختراق خارجي، كما يضع مسئولية ضخمة على المواطن نفسه باعتباره جزءا من حماية الأمن القومى لبلاده.

  

--------------------------------------------------  

إن الحرب تمثل اختبارا مهما للشراكات الاستراتيجية التى تم الاستثمار فيها من جانب قوتين مهمتين هما روسيا والصين مع إيران. فقد شهدت العلاقات الروسية- الإيرانية، والعلاقات الصينية- الإيرانية تطورات نوعية كبيرة على مدار العقد الأخير، سواء على مستوى العلاقات السياسية والاقتصادية أو العلاقات الأمنية والعسكرية.

[email protected]
لمزيد من مقالات د محمد فايز فرحات

رابط دائم: