وكلما دار الزمان واجتمع أعظم واكبر المؤتمرات الإسلامية بوقفة الحجيج على جبل عرفات وارتفعت التلبية منادية على الخالق عز وجل تجدد التساؤل الموجع للعقل والروح: كيف لا نستفيد ونتعلم وتستقوى الأمة بدروس وعبرات المشهد العظيم وكيف تتمزق الصفوف ويحتدم السباق والتنافس الذى يزيد من تمكين أعدائها من تحقيق مخططاتهم الشيطانية فى إخراجهم من التاريخ والجغرافيا؟!! روعة وجلال المشهد يذكرنى دائما بروعة وجلال مشاعر أدائها وكيف عدت منها لأكتب سلسلة مقالات كان من عناوينها «عطش على عطش» «وأشواق على أشواق» لقد تصورت أن أشواقى وعطشى للذهاب الى رحاب بيته الحرام سيروى بالزيارة وفوجئت أنها زادتنى أشواقا وحنينا وأهمية قضائها أثناء قدرة الإنسان واستطاعته البدنية وان ظلت التلبية والزيارة بالروح ومهما ابتعدت الأمكنة لا تكف عن إشباع العطش والذى لم يتوقف أبدا وأحاول تحقيقه فى كل كلمة طيبة اكتبها تلبية لنداءات والتخفيف من أوجاع من يحتاجون إليها ومحاولة إسعاد من تثقلهم أحزان من تمتلئ بهم الأرض من معذبين ومحرومين ومظلومين فى زمان من أقسى ما شاهد وعاش البشر وتسيد فيه القتلة والسفاحون وأهدروا فيه الملايين من أرواح ودماء الأبرياء وأثق أن الأرض لم تشهد مثلها فى أسوأ عهودها إظلاما واغتيالا للحق والخير والجمال أول ما آمن به أجدادنا القدماء وصنعوا منها قوانينهم للعدالة والرحمة.
وبقدر ما يسعدنى الحدث العظيم بقدر ما يؤلمنى ما يتوالى على أمتنا من أحداث جسام يغتال فيها كل ما يحفظ للإنسان إنسانيته وأبسط استحقاقات حياته وكرامته ودون أن يأخذ ويُفعل القادرون والمسئولون ما تمتلك الأمة من مفاعلات ومعادلات قوة ونصرة ودفاع عن المستضعفين من أبنائها لإيقاف جرائم من سرقوا ونهبوا ووضعوا القوانين الدولية والإنسانية والأخلاقية تحت أقدامهم السوداء وكلما ازدادوا غيا وإجراما بدوا لى وبحكم عدالة السماء وشرف أرواح ودماء المقاومة الزكية أكثر اقترابا من الوعد الالهى المحتوم بالنهايات المقدرة لهم ولكل من لم يأخذوا بأسباب دعمهم وانتصارهم... لقد أصبحت «الحرية لفلسطين» نداء تتوحد خلفه الشعوب من جميع أنحاء الأرض إلا من كانوا من أتباع الشياطين والقتلة والسفاحين الصهاينة الذين زرعهم الاحتلال الغربى فى الجسد العربى لاغتيال الأمة وتمزيقها ويناقضها أعظم دروس وقفة الحجيج على جبل عرفات ومع الملايين الذين تتسع البقعة المباركة لتضمهم لا أكف عن النداء الحبيب «لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك».
وأعاود وضع قلمى وكلماتى فى خدمة كل ما يلبى حاجة ومطلب القارئ ويخفف ألمه ومعاناته وهو ما أرجوه فريضة وواجبا على كل مسئول كبرت أو صغرت مسئوليته وإدراكا أنه خادم للمواطن وليس سيدا وبما يقتضى مضاعفة عقوبة من يفرط فى فريضة خدمة المواطن وتحديد المسئوليات والمهمات المنوط بكل جهاز القيام بها وبما يوقف صور الإهمال المخزية التى تحاول إهدار المسئولية بجعلها مشاعا يضيع ويفلت وسطه المسئولون بما ارتكبوا وأن تكون جزءا من مضاعفة دور ومهمات مؤسسات الرقابة على أجهزة الدولة وتحقيق اختيار أفضل الكفاءات التى تمتلئ بها مصر فى جميع المجالات وان يكون هناك حصاد وحساب ومراجعات لما تحققه جميع المؤسسات من انجازات للمنوط بها من أدوار وايقاف لما يبدو من انفراط وتفريط فى واجباتها وأدوارها ويجعل كثيرين لا يدركون ما يؤدى إليه من أضرار بحقوق الوطن والمواطن وفيما يمتلك من ثروات بشرية وطبيعية، بينما هو فى حق وحقيقة وترشيد وتعظيم استثمار ما يمتلك من أغنى الأوطان والا ما استطاع أن يصمد ويقاوم ويعبر سرقات ونهب وإهمال وإهدار لثرواته آلاف السنوات وربما ما تحدث به الفلاح المصرى الفصيح فى وصاياه التى يوجهها لحاكم الإقليم الذى كان يسكنه أول وثيقة تحدثت عن الفساد ومما جاء فيها «انظر أيها الحاكم ان مركبك لن يرسو على الشاطئ الآمن الذى تريد أن ترسو عليه طالما ظل على مركبك فساد!!».
وسيرة أجدادنا القدماء وما سبقها من حديث عن الفساد تستدعى التشديد والتعجيل بعقوبات مرتكبى هذه الخطايا بكل ما يترتب عليها من كوارث قتل مواطنين وتهريب آثارنا وأحدثها استعادة 51 قطعة من ثلاث دول تؤكد تاريخا طويلا وعميقا من النهب لآثارنا التى تملأ وتمثل أهم أقسام اكبر متاحف الدنيا وأدعو هيئة الآثار الى توثيق عدد ونوعية وتاريخ هذا النهب لكنوزنا الأثرية ودعم وعى أجيالنا الصغيرة بثراء وكنوز بلدهم والثقة فى أمن وأمان مستقبلهم بدلا من أن تصبح الهجرة اكبر أحلامهم!.
إن مشهد الحجيج العظيم من شفاء وتعاف لبعض ما تذكرت من أوجاع الأمة ووسطها بلدنا وحيث لا تغيب المخططات التى تستهدفها داخليا وخارجيا وحيث يصبح وضع مجسات صادقة وأمينة على أوجاع المواطنين فى مقدمات ضرورات الإنقاذ وحيث عشت تجربة مؤلمة مع ما لم تتم الاستجابة إليه مما ظللت الفت الأنظار إليه من آلام وأوجاع واستغاثات أكثر من 11.5 مليون من أرباب المعاشات والتى لخص ما يطالبون به رد رئيس الاتحاد العام لنقابات أصحاب المعاشات.
إن تداعيات المشهد الجليل لوقفة عرفات تستدعى أمورا يتقدمها حق الاختلاف على أرضية وطنيه وترشيد الأولويات وحماية المواطنين وإنصاف الأكثر احتياجا خاصة فى التعليم وتكاليف الصحة والعلاج ودراسة الآثار الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية للقوانين قبل إصدارها حتى لا تشق الاصطفاف الوطنى وتمزق السلام والأمن الاجتماعى وكل عام والعاملون بإخلاص من أجل هذا الوطن والصابرون على المحن والابتلاءات والمخططات الداخلية والخارجية بخير وسلام.
لمزيد من مقالات سكينة فؤاد رابط دائم: