هل أثّرت التكنولوجيا على صِلاتنا مع من نرتبط معهم بصلة الرحم؟ وماذا سيكون حال علاقتنا بهم مع التطورات الهائلة الجديدة، مثل الذكاء الاصطناعي؟ دار فى رأسى هذا التساؤل وأنا أُحطّ أقدامى ببلدتى الأقصر، وأُقارن بين التواصل بين الأهل والأقارب منذ عقود، وما أصبحنا عليه الآن.
فى الماضي، عندما غادرتُ إلى القاهرة للالتحاق بالجامعة، كنت أعدّ الأيام حتى أزور أهلي، وبين وقت وآخر كنت أتردّد على مكاتب السنترال لأحجز مكالمة تليفونية، ولا أعرف من سيردّ عليّ، ومن سأجدهم، وهل ستكفى مكالمة أم سأطلب مدة جديدة، وهل سيكون الاتصال متاحًا أم سأجد أن موظف السنترال سيقول إن الاتصال غير متاح حاليًا... كان مجرد إجراء مكالمة تليفونية أمرًا شاقًا، يحتاج إلى وقت طويل وجهد، ومن الممكن أن يكون بلا طائل، وأعيد المحاولة عدة مرات لمجرد الاطمئنان على الأهل.
أما قضاء العيد معهم فكانت أجمل الأوقات: زيارات من بيت إلى آخر، ولقاءات حميمية، وحكايات عن أحوال كلٍّ منّا، وعادات أحنّ إليها، لما كانت تتميّز بحميمية لا يمكن تعويضها...
الآن أصبح الاتصال سهلًا، يمكنك الاتصال بأى شخص بضغطة زر، لإجراء مكالمة أو إرسال رسالة، وكل هاتف عليه مئات ممّن تعرفهم، ويمكن أن تبعث لهم جميعًا بنص جاهز للتهنئة بأى مناسبة، دون حتى أن تُحدِّد إلى من ستبعث بالرسالة الجاهزة. وأتلقّى عشرات أو مئات الرسائل من هذه النصوص المعلّبة، والجاهزة لكل مناسبة.
هكذا سهّلت لنا التكنولوجيا التواصل السريع والواسع، ولدينا الآلاف على صفحات التواصل، يمكن أن تتبادل معهم التهانى بالجملة وفى ثوانٍ معدودة، لكنها افتقدت حميمية وروح التواصل المباشر، فميزة يُسر الاتصال وسرعته قابلها فقدان خصوصية وعمق التواصل المباشر. لكن ما أثار قلقى كان التساؤل حول علاقاتنا الاجتماعية مع دخول عصر الذكاء الاصطناعي، الذى يُقلقنى ضرره أكثر مما أرغب فى مَحاسنه.
كم أفتقد العلاقات والقيم التى نشأنا عليها، والتى تتآكل الآن تحت الضغوط المادية، والرغبة فى المزيد من الاستهلاك، والمزيد من التملّك والاستمتاع السهل، حتى إنها تدفع الأشقاء إلى الاقتتال على الميراث. رأيت وسمعت وقرأت عن الكثير منها، والتى زادت كثيرًا. وأذكر كيف كان الأخ الأكبر يتولى تربية وتعليم وزواج أشقائه حين يتوفّى الأب، رأيت هذه النماذج التى تؤثِر سعادة إخوتها على حقّها فى الحياة المريحة.
ما أحوجنا إلى تلك القيم، وما أحوجنا إلى أفراح بلقاء أحبّائنا، وذكريات من رحلوا. علينا تدارك ما ستدفعنا إليه التكنولوجيا، وأن نفكّر فيما هو مفيد منها، دون أن تطغى على مشاعرنا وإنسانيتنا وعلاقات الرحم بيننا، فهذا لا يمكن تعويضه، ولا قيمة للحياة بدونه.
لمزيد من مقالات عــــلاء ثــابت رابط دائم: