هناك مؤشرات خطر علي أمريكا، كدولة ومجتمع، بدأت تُرْصَد مع بداية حُكْم ترامب وإعلانه سياساته الحقيقية، التي جاءت مُتَناقِضة مع دعايته الانتخابية! وكانت الصدمة الكبري، لداخل أمريكا وخارجها، في طريقته في اتخاذ قراراته بهذه الفظاظة بهذه السرعة! بَدَت أهم هذه المؤشرات في بوادر حركة عكسية لأصحاب الكفاءات العليا للانتقال خارج أمريكا، بعد أن كانت أمريكا تجذبهم من بلادهم طوال العقود السابقة للعيش بها والعمل في مؤسساتها العلمية والصناعية وغيرها، حتي شاركوا مع نظرائهم الأمريكيين في تشكيل أحد أهم بنود قوتها منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، وصارت لأمريكا شهرة عالمية بأنها قادرة علي اجتذاب أصحاب العقول الخلَّاقة والمهارات المبدعة من العالم أجمع في مجالات شتي، إلا أنها بدأت تفقد هذا العامل، في الأشهر الأخيرة، كنتيجة مباشِرة لسياسة ترامب. فقد تَعدَّدَت قراراته المنفرة والطاردة لفئات كثيرة، مثل أساتذة الجامعات، ليس فقط بخفض التمويل الفيدرالي، ولكن الأخطر بانتهاك استقلال الجامعة، وهو ما كان أهم ما يجذب الباحثين المرموقين الأجانب، وتدهورت الأحوال إلي أن صار الانتهاك يُمارَس بأكثر الطرق استفزازا، بتوقيف أحد الطلاب أو الباحثين في الحرم الجامعي، وتفتيشه، ومراجعة أوراقه الشخصية، واصطحاب من يُشتَبَه فيه إلي الاحتجاز، وقد يُرَحَّل إلي خارج أمريكا! ومثل العاملين في مجالات البيئة والمناخ والصحة، بعد انسحاب ترامب من اتفاقية المناخ والتزاماتها وتقليصه بنود الإنفاق عليها بذريعة أنه ترشيد لكفاءة الحكومة! ومثل العاملين في أبحاث الذكاء الاصطناعي..إلخ.
ومع تتابع قرارات ترامب المُتَضارِبة، ثار فزع وارتباك في صفوف رجال الأعمال أيضا، فافتقدوا الاستقرار الذي هو أهم عوامل تحفيز الإنتاج وتطويره، وظهرت بوادر لبحثهم عن بلاد أخري. وبالفعل، فقد انتقل الجذب إلي الناحية الأخري، وكانت الصين التي يعتبرها ترامب العدو الأول، قد حققت قبل مجيئه أشواطاً كبري في جذب أصحاب الأعمال والكفاءات، بعد أن وضعت برامج طموحة للأبحاث العلمية، وخصصت لها ميزانيات هائلة، ووفَّرَت المناخَ للعلماء، وسَعَت لاجتذابهم، كما سَهَّلَت الإجراءات للمستثمرين. ونفس الأمر حققته أوروبا بقدر أقل. وهكذا قَدَّم ترامب للصين ولأوروبا أكبر خدمة تدفع بخططهما للأمام بتسهيله انتقال كل احتياجاتهما إليهما.
[email protected]لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب رابط دائم: