رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

الملكية الدستورية.. والجمهورية البرلمانية

نظامان فى الحكم أكثر استقرارًا من غيرهما، وهما نقيضان للحكم المطلق وسطوة الاستبداد، ولقد خدمت شخصيًا فى بريطانيا الملكية الدستورية، وفى الهند الجمهورية البرلمانية، وفى النمسا التى تعد هى الأخرى جمهورية برلمانية يحمل فيها رئيس الوزراء لقب مستشار الدولة، وكنت أظن ومازلت أن الجمهورية البرلمانية كان من الممكن أن تكون الأفضل لدولة مثل مصر، وقد عرفت شيئًا من ذلك فى الفترة ما بين الثورتين 1919 و1952 وهى التى نسميها بالفترة الليبرالية فى التاريخ السياسى المصرى المعاصر، وفى الملكية الدستورية يكون الحكم وراثيًا وفقًا لتقاليد العرش وأحكام توارث السلطة فيها، ولذلك تبدو أكثر استقرارًا من غيرها من نظم الحكم، وإن كان مفهوم المواءمة لاعبا رئيسيا فى تحديد نجاحها فى دولة معينة من عدمه، خاصة أن النظام الملكى قد يغرى بالحكم المطلق، كما أن النظام الجمهورى قد يغرى بالحكم المغلق، وفى الحالتين تختنق الديمقراطية، ويخرج النظامان البارزان فى شرعية الحكم عن الإطار المألوف والبعد الناجح للسلطة والحكم فى بلد ما، وها هى إسرائيل تحرك الدنيا حولها بعملية توزيع أدوار خبيثة فى إطار النظام الجمهورى البرلمانى، وهى تفعل ذلك بمنطق يجرى توظيفه وفقًا لحالة النظام فى تمرير سياسات تحت غطاء ديمقراطى يظل دائمًا حائطًا براقًا ترفعه أمام الدولة المصرية وهى تشيع أنها واحة للديمقراطية فى بحيرة آسنة من الديكتاتوريات والنظم الفردية من حولها فى المنطقة العربية، وذلك حق شكلى يراد به باطل خفى، فالصورة ليست كذلك على الإطلاق.. نعم إن هناك دولا عربية تنقصها أميال على طريق الديمقراطية الصحيح والمشاركة السياسية السليمة، ولكن ذلك لا يعنى أن القرار الإسرائيلى قرار رشيد وأن القرار العربى مهترئ، فالعبرة فى النهاية تأتى من فهمنا لما يمكن أن تؤدى إليه سياسات الدولة وطبيعة مؤسسات الحكم والعلاقة بين البرلمان والسلطة التنفيذية إلى جانب احترام الدستور والقانون وسيادة القضاء، فطبيعة نظم الحكم تتحدد قيمتها من خلال المؤسسات المؤثرة فيها، فالنظام الأمريكى – على سبيل المثال – هو ذلك النظام الرئاسى الذى يعطى صلاحيات كبيرة للرئيس المنتخب رغم وجود مؤسسات، فى مقدمتها الكونجرس الذى يمثل السلطة التشريعية والرقابة على أسلوب تنفيذ سياسات الدولة وسلطة الحكم، ولقد عاصرت شخصيًا فى الهند - وهى دولة قارة - صلاحيات المجلسين الأعلى (راجا صبها) والأدنى (لوك صبها) وهو النظام الذى يطلق عليه «باى كامرال سيستم» أى ازدواج مؤسستى السلطة التشريعية، وقد أخذت مصر بذلك النظام فى مجلسى النواب والشيوخ قبل 1952، ثم نظام المجلس الواحد لفترة زمنية انتهت بعودة المجلسين تحت مسمى جديد هو مجلس الشعب ومجلس الشورى، إلى أن جاء الدستور الجديد بالمجلسين أيضًا ولكن تحت المسمى القديم الذى كانا يحملانه فى العصر الملكى لما يقرب من ثلاثة عقود قبل أن تتبنى ثورة يوليو تنظيمات أحادية مثل هيئة التحرير والاتحاد القومى والاتحاد الاشتراكى وحزب مصر ثم الحزب الوطنى فيما بعد، ولقد شهدت فى مطلع شبابى جزءًا كبيرًا من ممارسة النظام البرلمانى فى بريطانيا، وكيفية الدفع بقياداتٍ يجرى تربيتها من خلال الممارسة على مر السنين، إننى أتحمس لدستورية النظام الملكى وبرلمانية النظام الجمهورى، مع اعترافى بأنه لا توجد خطوط فاصلة بينها إذ إن الأمر يقتضى دراسة كل حالة على حدة وفقًا لثقافة المجتمع والمناخ السياسى السائد والبيئة التى يمارس فيها جهاز الحكم سلطته فى أنحاء البلاد، إن نظم الحكم كانت ولاتزال مؤشرًا لنضوج سياسى وتميز قانونى فى ظل دستورٍ تجمع عليه طبقات الأمة وفئات الشعب، وليس من شكٍ فى أن هناك ملكيات دستورية ناجحة تتواءم مع ظروف الدولة التى تمارس دورها فيها، كما أن هناك جمهوريات برلمانية ناجحة أيضًا ولكنها تحتاج إلى قواعد راسخة من نظام حزبى فاعل، ولذلك فإن مصر كان يمكن أن تكون جمهورية برلمانية شريطة توافر كيانات حزبية راسخة، لذلك فإن دعم الأحزاب السياسية المصرية يبدو ذا أهمية ملحة فى هذه الظروف، لأن ضعف النظام الحزبى المصرى هو أحد مصاعب الحياة السياسية فى الوطن الذى يستحق دائمًا أن يكون رائدًا ومؤثرًا فى المنطقة كلها.


لمزيد من مقالات د. مصطفى الفقى

رابط دائم: