رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

أضلاع التنمية ومثلث النهضة

يختلف الكثيرون حول توصيف الحالة المصرية خصوصًا من الناحية الاقتصادية فرغم المعاناة الناجمة عن الازدياد المضطرد فى عدد السكان الذين يتحدثون صباح مساء عن غلاء الأسعار وافتقاد التناسب بين الدخول والمصروفات فى حياة الأسرة المصرية، يحار الجميع أمام ذلك التوصيف ولا يجدون بديلاً عن الثرثرة الدائمة والشكوى المستمرة، ولاشك أن معهم حقا فى ذلك فبلد المائة وعشرة ملايين لم تكن على استعداد لاستقبال هذا العدد الهائل فى سنوات قليلة، ومع ذلك انصرف عدد من الباحثين المصريين والعلماء والمفكرين أيضًا لاستكشاف جدوى ما جرى فى السنوات الأخيرة من إجراءات وسياسات لترشيد الحياة الاقتصادية فى ظل عبارة رددتها بينى وبين نفسى كثيرًا وهى أن مصر تبيع سياسة وتشترى اقتصادًا، أى أنها توظف قواها الناعمة على طريق جذب الاستثمارات وتمويل البرامج والمشروعات، وجدير بالذكر هنا أن الدور المصرى عربيًا وإفريقيًا وإسلاميًا ودوليًا أيضًا يمارس تأثيره على فترات الصحوة النهضوية واليقظة الوطنية، وقد استقر أغلب أصحاب الخبرات وذوو الرأى على تأكيد أن المصادر الثلاثة التى تتسابق فى مضمار التنمية الوطنية هى «الزراعة والصناعة والسياحة» وهى لا تألو جهدًا فى اكتشاف حقيقة مؤكدة وهى أن مصر دولة غنية بالموارد البشرية والطبيعية ولأنها دولة ذات مكانة وخصوصية، فقد أصبحت تسعى إلى توظيف موقعها العبقرى وتاريخها العريق لخدمة أهداف التنمية، وتدعيم أعمدة النهضة، وإذا كانت الزراعة هى أقدم المهن التى لجأ إليها الإنسان الأول بعد الصيد والرعى فإن مصر تميزت تاريخيًا بكونها بلدا زراعيا بالدرجة الأولى، ولأن حركة التاريخ تمضى فى دوائر متلاحقة لكى تصنع سلسلة من أسباب التقدم والرقى فإن الزراعة المصرية هى التى شكلت طبيعة المجتمع وأقامت جسور التواصل بين الريف والحضر، ولقد استقر ذلك الانطباع فى ذهن غير المصريين عبر مراحل التاريخ المختلفة، فمنهم من رآها مزرعة القمح للرومان ومنهم من آمن بعد ذلك بعدة قرون بأنها المصدر الزراعى للقطن الذى تعتمد عليه صناعات النسيج وتوابعها، وقد فطن بعض الخبراء مبكرًا إلى أن الصناعات الغذائية هى قنطرة لتجسير الهوة بين الزراعة والاستهلاك الآدمى الذى يؤشر لأهمية تلك الصناعات، وإذا نظرنا إلى الصناعة فإننا نستمد من التطور الذى حدث فى الثورة الصناعية فى أوروبا الحديثة واحدًا من أبرز نماذج التحول من الزراعة إلى الصناعة والانتقال من المجتمعات الرعوية إلى مجتمعات مدنية مستقرة تفكر فى الصناعة، باعتبارها أقصر الطرق لتحقيق معدلات نمو ملحوظة والتمهيد لعمليات واسعة والمضى نحو تحديث أنماط المعيشة وقوائم الاستهلاك فتلك هى ظاهرة العصر التى تسعى للحيلولة دون الهدر الملحوظ فى حياة من يملكون على حساب من يحتاجون، ذلك أن الإنتاج هو المؤشر الحاكم فى تحديد قوة النظام الاقتصادى ودرجة استقراره، لذلك فإننا نقول بوضوح إن مصر ليست دولة غنية ولا دولة فقيرة، بل هى دولة تملك نمطًا خاصًا من الموارد وأساليب استغلالها على النحو الذى يكفل معدلات من الرفاهية تسمح لها بالحديث عن المستقبل الأفضل وتصورات حدوثه، ولكننا نعود هنا لنستدرك قائلين إن الصناعة هى قاطرة التنمية وعمودها الفقرى، فالقفزات التى تحققت فى بعض الدول إنما نجمت فى الأعم الأغلب عن الجنوح إلى الاهتمام بالصناعة وهى التى حققت موجات التفاؤل التى أصابت المجتمعات الأوروبية بعد عصر النهضة، والذين قرأوا ما كتبه تشارلز ديكنز عن التحول الاجتماعى مع الصناعة الأوروبية يدركون ما نعنى، إذ اكتشف الأوروبيون أن الصناعة دون غيرها هى التى تكفل الاندفاع نحو مجتمعات أفضل وحياة أرقى، فإذا جئنا إلى السياحة فسنجد أنها صناعة وثقافة وتجارة فى الوقت نفسه لا تتحقق إلا بضمان مستوى معين من الخدمات التى يمكن أن توفرها الدولة وتقدمها للسائح علمًا بأن الطلب فى مجال السياحة مرن بطبيعته، فإذا شاع قولٌ عن هزة ولو خفيفة فى استقرار دولة معينة فإن المنطقة كلها ربما تعانى ذلك الأمر، لأن الطلب على السلعة السياحية هو طلب مرن كما أسلفنا كما أنه لا يقف عند حدٍ معين، ولذلك فإن النمو على جبهة عريضة يمثل فى مجمله قفزة كبيرة فى كافة المجالات ولا يقف عند حدٍ معين حتى لو ضبطنا معدلات الاستهلاك وتحكمنا فى مظاهر التنمية، ومصر لاتزال فى حاجة ماسة إلى ذلك التنوع فى عوامل التقدم وأسباب النهوض، وذلك يقوم على مثلث له أضلاع ثلاثة هى الزراعة والصناعة والسياحة، أما الذين يتحدثون عن التركيز على قطب أحادى للتنمية فإنهم واهمون ويتصرفون كمن يجرى بقدم واحدة، بينما الأصل هو أن تتحقق التنمية على جبهة عريضة، وتبدو مصر دولة مرشحة فى حالتها الحالية ووضعها الراهن إلى انتهاج هذا الأسلوب الذى يقوم على الدفع بالتنمية من خلال مساراتها المختلفة ودروبها المتعددة، ولم تنجح التجارب السابقة لدول أخرى إلا من هذا المنطلق الذى يعتمد على النظرة الكاملة والرؤية الشاملة، ونحن نتطلع فى مصر إلى يوم يتحرك فيه ذلك الثالوث للقطاعات الكبرى فى الدولة المصرية محققًا معدلات نمو تسمح لنا بأن نتحدث عن إنجاز حقيقى ودولة راسخة البنيان.


لمزيد من مقالات د. مصطفى الفقى

رابط دائم: