رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

اليوم التالى لانتهاء الحرب الروسية ــ الأوكرانية

الرئيس دونالد ترامب بدأ بأسرع مما كان متوقعا وضع الحرب الروسية الأوكرانية على طريق إنهائها، فقد بدأ بالفعل مباحثات مبكرة مع روسيا، سيعقبها مباحثات أخرى بحضور الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكي. وبقدر ما يتضح وجود إرادة قوية لدى ترامب لإنهاء الحرب، بقدر ما هناك غموض كبير بشأن الطريقة التى سيتم بها إنهاء هذه الحرب.

هناك معطيات ثلاثة تحدد الطريقة التى سيتم بها تسوية الحرب الروسية الأوكرانية. المعطى الأول: أن روسيا تسيطر بالفعل على مساحة مهمة من الأراضى الأوكرانية، وليس من المتوقع أن تتنازل عن هذه الأرض بسهولة. المعطى الثاني: تراجع قدرة أوكرانيا على استرداد هذه الأراضى فى ظل وقف الدعم الأمريكي، العسكرى والمالى واللوجستي، ولن يكون بمقدور القوى الأوروبية تعويض هذا الدعم، ولن يكون بمقدورها أيضا الدفاع عن استمرار الحرب فى حالة الوصول إلى أى صيغة تسوية بين الولايات المتحدة وروسيا، ففى هذه الحالة لن تملك أوروبا إلا البحث فى صيغ أخرى لحماية أمنها فى مواجهة روسيا. المعطى الثالث هو طبيعة الرئيس ترامب الذى ينتمى إلى أقصى يمين المدرسة الواقعية، التى تؤمن بمركزية القوة، العسكرية والاقتصادية، فى العلاقات الدولية، أضف إلى ذلك ولعه الواضح بمفهوم الصفقات فى إدارة المصالح الأمريكية. وفيما يتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية فقد حدد ترامب هذه المصالح الأمريكية فى ثلاث مصالح أساسية: أولاهما وقف نزيف الأعباء التى تمثلها الحرب بالنسبة للاقتصاد الأمريكي الذى استمر ثلاث سنوات دونما قدرة أى من طرفى الحرب على حسمه. ثانيتها، الهيمنة على المعادن الأوكرانية من خلال الاتفاق المرتقب، وهو هدف مرهون بوقف الحرب حتى تبدأ هذه الاستثمارات المهمة للاقتصاد الأمريكى فى إطار التنافس الاستراتيجى مع الصين. ثالثتها، العمل على خلق مسافة بين روسيا والصين، المنافس الإستراتيجى الحقيقى للولايات المتحدة.


هذه المعطيات الثلاث تشير إلى أن التسوية تجرى بالأساس بين روسيا والولايات المتحدة، وليس بين طرفى الحرب المباشرين، وهو ما تعكسه الضغوط المباشرة والمعلنة التى مارستها الولايات المتحدة على أوكرانيا خلال الأسابيع الأخيرة، وكان أكثرها تعبيرا ما قاله ترامب لزيلينسكى صراحة من أنه لا يملك أوراقا فى هذه الحرب، وهو ما دعا زيلينسكى مباشرة إلى اختبار الورقة الأوروبية عقب لقائه الأخير مع ترامب، لكن مهما كان التضامن الأوروبى مع زيلينسكي، فإنه لن يصل إلى مداه الأخير أو مستواه المتوقع من جانب زيلينسكي، أو استعداد القوى الأوروبية إلى استعداء الولايات المتحدة. خلاصة القول هنا، وانطلاقا من المعطيات السابقة، ستقوم التسوية ــ فى الأغلب ــ على وقف إطلاق النار وإطلاق يد روسيا فى الاحتفاظ بجزء من ــ إن لم يكن كل ــ الأراضى الأوكرانية الواقعة تحت سيطرتها، وإقرار أوكرانيا بعدم الانضمام إلى حلف الناتو، وهو الحد الأدنى الذى يمكن أن تقبل به روسيا فى إطار صفقة بهذا الحجم مع الولايات المتحدة.

تسوية بهذا الحجم سيكون لها تأثيراتها الكبيرة فى اتجاهات عدة. من ناحية أولى، فإن أى تسوية ستقوم على اقتطاع أراض من أوكرانيا وضمها إلى روسيا قد تضمن تحقيق الاستقرار على المديين القصير والمتوسط، لكنها لا تضمن بالضرورة هذا الاستقرار على المدى البعيد؛ فالسلام المبنى على الهيمنة والقوة وحدها لا يؤسسا لسلام مستدام. وتقدم تسويات ما بعد الحرب العالمية الأولى التى سرعان ما انهارت لتبدأ الحرب العالمية الثانية خبرة مهمة فى هذا المجال. وتزداد هذه الاحتمالات فى حالة دخول متغيرات جديدة على مستوى روسيا أو الناتو والقوى الأوروبية كأن تتوسع روسيا فى ضم أراض جديدة، أو يتجه الناتو إلى اتخاذ إجراءات أخرى لحماية أمن أوروبا.

من ناحية ثانية، فإن تسوية الحرب الروسية الأوكرانية بهذه الطريقة قد تفتح المجال لموجة واسعة من التسويات المبنية على الصفقات الكبيرة وعلى مبدأ القوة، فى ظل وجود قائمة من النزاعات فى مختلف الأقاليم، خاصة فى آسيا (النزاع الروسى اليابانى حول جزر الكوريل، والنزاع حول تايوان، والنزاع فى بحر الصين الجنوبي، والنزاع الصينى اليابانى حول بعض الجزر، والنزاع الحدودى بين الهند والصين، وصولا إلى النزاع فى شبه الجزيرة الكورية، وغيرها). صحيح أن هذه النزاعات تختلف عن الحالة الروسية الأوكرانية التى نتجت عن سيطرة روسية حديثة على الأراضى الأوكرانية، لكن إقرار مبدأ القوة والصفقة كأساس للتسويات سيُغرى قوى أخرى باتباع النهج نفسه مادامت الشروط اللازمة لذلك قد توافرت. الأخطر هو أن يكون هذا النمط من التسوية مقدمة لصفقات أخرى لتغيير واقع الجغرافيا السياسية فى بعض المناطق، خاصة فى ظل حديث الرئيس ترامب عن وجود مصلحة أمريكية فى ضم دول وممرات مائية إلى الولايات المتحدة. مثل هذه التوجهات ستخلق حالة من الفوضى الضخمة فى النظام العالمي.

من ناحية ثالثة، فإن هذه التسوية ستؤسس بالتأكيد لتوجهات جديدة داخل أوروبا لحماية أمنها، بعيدا عن العلاقة المباشرة مع الولايات المتحدة. من ذلك، على سبيل المثال، تصاعد اتجاهات التسليح داخل أوروبا بشكل عام، وإعلان فرنسا استعدادها لمد مظلتها النووية للدفاع عن الشركاء الأوروبيين، وهو ما اعتبرته روسيا تهديدا مباشرا للأمن الروسي. مثل هذه الإجراءات قد تؤسس لموجة جديدة من الصراع بين روسيا والقوى الأوروبية.

التسوية المرتقبة للحرب الروسية الأوكرانية ربما لا تقف عند حدود هذه التأثيرات الثلاثة، فقد تؤسس لتداعيات أكثر عمقا داخل النظام العالمى.

 

 

                                                .....................................................................

إن أى تسوية ستقوم على اقتطاع أراض من أوكرانيا وضمها إلى روسيا قد تضمن تحقيق الاستقرار على المديين القصير والمتوسط،

لكنها لا تضمن بالضرورة هذا الاستقرار على المدى البعيد؛ فالسلام المبنى

على الهيمنة والقوة وحدها لا يؤسسا لسلام مستدام.

[email protected]
لمزيد من مقالات د محمد فايز فرحات

رابط دائم: