لا أتخيل ماذا ستفعل بنا التكنولوجيا فى المستقبل، ودائمًا ما أسأل نفسي: هل ستجعلنا أكثر سعادة؟ إنها تسهل لنا الكثير من المهام، وما كنا ننجزه فى ساعات أصبحنا نتممه فى دقائق. كنتُ فى بداية حياتى الصحفية أعتمد على الهاتف الأرضى فى الاتصال بالمصادر، وأبذل جهدًا ووقتًا طويلين حتى ينجح اتصالى وأصل إلى مصادرى الذين لم يكن لديهم «الموبايل»، فكنتُ لا أجدهم أحيانًا فى مكاتبهم أو منازلهم، وأحتاج إلى الاتصال مرات عدة حتى أجد أحدهم. وكانت الصعوبة أكبر مع الأرشيف الورقى، إذ كنتُ أقضى ساعات فى البحث عن معلومات أرشيفية حتى يكتمل ما أقوم به، وكان مجرد البحث عن تاريخ أو رقم أو واقعة قديمة يكلف الكثير من العناء والوقت. ولهذا أُقدّر أهمية التكنولوجيا وما سهلته علينا.
لكن فى رمضان أضيق بهذه التكنولوجيا وما جلبته علينا من تباعد، وما غيرته فى عاداتنا القديمة الجميلة التى لا أشعر بجمال الشهر الكريم بدونها. كان قرآن ما قبل الإفطار يصدح فى كل مكان، وكانت كل أسرة وكل محل فى الشارع يسمعون صوت قرآن ما قبل الإفطار، وغالبًا ما كان بصوت الشيخ مصطفى إسماعيل، «شيخ القارئين». وكان جهاز الراديو الترانزستور هو العلامة الأبرز فى تكنولوجيا ذلك العصر، حيث كنا نتحلق حوله معظم الأوقات قبل الإفطار، حيث المسلسلات المتتابعة والرائعة من محطات البرنامج العام والشرق الأوسط وصوت العرب، التى تنتهى بإحدى حكايات ألف ليلة وليلة المثيرة للخيال والتشويق بصوت الفنانة زوزو ماضي.
وعندما بدأ التليفزيون ينافس الراديو كانت الفوازير المعدّة بإتقان، من موسيقى واستعراضات وكلمات ومقاطع مشوقة، تثير التنافس والمتعة. وكان هناك مسلسل واحد يجمعنا، وكانت المسلسلات تحظى بعناية وعمق، بدءًا من النص إلى التمثيل والإخراج، فكنا ننتظرها بشغف. أما الآن فالمسلسلات التليفزيونية تُعرض على عشرات المحطات، وعددها كبير جدًا، لذا لا يمكن متابعتها جميعًا بالتأكيد، وفيها عشرات الأبطال الموزعين على الأعمال الكثيرة المتنافسة، فأصبح الكم كبيرًا على حساب الجودة والإتقان.
ولأنها تُذاع على عشرات الفضائيات بالتتابع، وتتخللها إعلانات طويلة، زاد ارتباك المتابعة، وانقسمت الأسرة حسب تفضيل كل فرد لمسلسل معين، فلم نعد نتجمع فى مكان واحد حول الراديو أو التليفزيون كما فى بداياته. ومما زاد الانقسام أن أجهزة الهاتف الجوال «الموبايل» دخلت فى منافسة بث المسلسلات عبر المنصات، فزاد التباعد بين أفراد الأسرة الواحدة.
وأعود لأتساءل: رغم كل ما قدمته لنا التكنولوجيا، هل جعلتنا حقًا أكثر سعادة؟
لمزيد من مقالات عــــلاء ثــابت رابط دائم: