حتى بالحسابات المُرَجِّحَة لاستحالة تنفيذ فكرة ترامب بإخلاء غزة من الفلسطينيين، على الأقل فى هذه المرحلة، فإنه ينبغى التوقف وفحص الفكرة، التى قيل إنه انفرد بها دون مشارَكة من أقرب معاونيه ومن المؤسسات الأمريكية الكبرى ذات الصلة ببلورة وتنفيذ مثل هذه الأفكار! أول ملاحَظة، لم يستوعبها فوراً كثير من كبار المسئولين الإسرائيليين، أنه لم يَرِدْ من ترامب ما يوحى بأنه سيكون لإسرائيل أى وجود بغزة بعد إخلاء غزة، بفرض أنه يمكن إخلاؤها، بل إن أمريكا هى التى ستنفرد بالغنيمة، فيما قال إنه سيكون لأمريكا وجود طويل. ومن المُفْتَرَض أن هذا يُحبِط الإسرائيليين الذين أشاعوا منذ سنوات وجوبَ استيلائهم على غزة لأسباب دينية، ولإيجاد مكان لزيادتهم السكانية.
كما روَّج ترامب لجدوى فكرته كرجل أعمال ناجح، بأنه تَمَكَّن من أن يضمن عدم الالتزام بأى إنفاق! فوفقاً لكلامه، فإن بعض الدول رحَّبَت باستقبال فلسطينيى غزة، كما أن بعض الدول الأخرى فى المنطقة، مما يعتبرها صديقة، ستتولى الإنفاق على عمليات إعادة البناء بميزانياتها الهائلة. كما أنه، على الأغلب مُتَعَمِّداً، لم يُشِرْ بكلمة واحدة إلى ثروة الغاز الهائلة لغزة تحت مياهها الإقليمية والاقتصادية، والتى سوف تئول إلى أمريكا، وفق تصوره بإبعاد أصحاب الحق وإسقاط حقهم، وهى الثروة التى لم يتمكن الفلسطينيون من الاستفادة منها بسبب الحروب المستمرة التى تشنها إسرائيل. ثم، أنه، بإخلاء غزة من الفلسطينيين، ينتهى أكبر عائق أمام المشروع القديم بحفر القناة المنافِسة لقناة السويس.
وفى وقت تضيق غزة على أكثر من مليونى فلسطينى، ففيها رحابة ووفرة لأن تكون قاعدة عسكرية هائلة، لمطارات عملاقة وأكبر ميناء حربى وأضخم مخزن للسلاح، فى قلب العالم الذى كان محور الحروب الكبرى عبر التاريخ، والذى من المؤكد سيكون له مكانة خاصة فى أى حرب كبرى قادمة، مما تتجهز له الآن القوى العظمى. وستكون غزة فى تصور أمريكا أكثر أماناً بالأسطول الأمريكى أمام شاطئها، مع تأمين كل حدودها الأخرى بالجوار الإسرائيلى. وهذا يتوافق مع تصورات ترامب المُعْلَنة بالنسبة لكندا وجزيرة جرينلاند وقناة بنما، ويدخل ضمن أهدافها جميعاً، توفير مكاسب عسكرية.
[email protected]لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب رابط دائم: