من التحديات الكبيرة، التى تُواجِهها إسرائيل الآن، كيفية مساعدة جنودها للإفلات من المساءلة القضائية، عن اتهامهم بجرائم حرب بغزة، فى أغلبية دول العالم، ذات العضوية فى المحكمة الجنائية الدولية (125 دولة)، ومنها دول لا تستطيع منع رفع الدعاوى من جمعيات حقوقية لديها ضد هؤلاء الجنود، حتى لو كانت هذه الدول مؤيدة لإسرائيل. وقد اكتشفت إسرائيل أن أقوى سند يدعم هذه الدعاوى هو ظهور الجنود بهوياتهم الصريحة فى حوارات صحفية أو لقاءات تليفزيونية يعترفون فيها بجرائمهم، وهم يسردون مساهماتهم فى الانتصارات التى تحققها إسرائيل بغزة! دون أن يكترثوا بأنهم يقدمون بأنفسهم أدلة دامغة على إدانتهم!
كانت الواقعة المُفاجِئة لإسرائيل فى الدعوى التى رفعتها جمعية حقوقية بالبرازيل، قبل أيام، ضد أحد الجنود الإسرائيليين، بعد أن رصدت حركته وعلمت أنه وصل فى رحلة سياحية بالبرازيل. وقد أصدرت إحدى المحاكم أمراً بالقبض عليه، فأسرعت الأجهزة الإسرائيلية بتهريبه وإعادته إلى إسرائيل، فَأَفْلَت من الوقوع فى أيدى القضاء البرازيلى! وقد جرت وقائع مماثلة فى دول أخرى، فأصدرت السلطات الإسرائيلية أوامرها لجنودها، هذا الأسبوع، بمنعهم من اللقاءات الإعلامية، وإذا كان إجراء هذه المقابلات ضرورياً فيجب إخفاء الوجه والمعلومات الشخصية!
وفى حين أن السعى لمحاكمة الجنود الإسرائيليين الصغار أمر مستحدث، بعد أن كان الهدف سابقاً نحو كبار القادة العسكريين والسياسيين، فإن إسرائيل تعلم تماماً أنه بمجرد البدء فى محاكمة أصغر جندى فإن رده على أول سؤال عن سبب ارتكابه للجريمة المتهم بها، سيكون بإقراره بأنه تنفيذا لأوامر قائده، وهذا سوف يطرح أسماء القيادات فى سياق القضية، ومن الوارد أن تستجيب المحكمة لطلبات أصحاب الدعوى، بإحضار هؤلاء القادة وضمهم إلى قائمة الاتهام! ومن الطبيعى أن يحيل كل متهم جديد الأمر إلى من هو فوقه، وهو أمر خطير على إسرائيل، خصوصاً إذا تعدَّدت هذه القضايا فى عدة دول، لأنها ستتفق مع الطلب الأساسى من المحكمة الجنائية الدولية التى أصدرت مذكرة باعتقال كل من رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت! ولكن إسرائيل لا تزال تتحدَّى المحكمة الدولية!
[email protected]لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب رابط دائم: