بين يوم وليلة انضوت ثلاثمائة خمسة وستون ليلة.. سنة كبيسة لن يعود مثلها إلا بعد أربع سنوات.. سنة الترويع وحمامات الدم ترحل مضيفة عاما لسنوات عُمر يتسرب من بين أيدينا دونما قدرة منا على إيقاف عجلة الزمان الذى يطوى هذه الأيام بالذات بسرعة ملتاثة، فما أن تبدأ شمس نهارك إلا وينوء الليل بكلكله، حتى أن أقراص شريط الدواء المفروض تناولها على مدى الشهر ما أن تبتلع منها قرصها الأول إلا وتجد ثلاثينيتها وحده متفردا متأرجحا فى العلبة الفارغة, بمعنى أن قد ضاع شهر بائس من العمر, ليأتى فى الغد ميلاد جديد نتمناه عاما نغسل فيه الهموم ونودع الأحزان, فيا زمان الذكاء الاصطناعى ترفق بنا واجعل ما بقى خيرا مما ولّى, وإن كان الأب الروحى للذكاء الاصطناعى ذاته عالم الكومبيوتر البريطانى الكندى جيفرى هينتون الحاصل على نوبل فى الفيزياء قد تنبأ بزوال البشرية جمعاء خلال العقود الثلاثة المقبلة, لأن البشر مع السنوات القادمة سيكونون مثل الأطفال السذج مقارنة بذكاء أنظمة الذكاء المتسارعة التطور التى فى طريقها الجاد لمحو كل خلية حية تنبض على سطح البسيطة».. يعنى باقى من الزمن ثلاثون عاما فقط لا غير فقد قال هينتون صاحب نوبل عقدا أى عشر سنوات وليس قرنا بمعنى مائة عام!

الكاتب حلمى النمنم - وزيرالخارجية بدر عبدالعاطى
سنة غارت لا أعاد الله علينا مثلها بلياليها الغابرة وأيامها المضنية وأسعارها الغالية وأحداثها الجسام وزلاتها التى قلبت الموازين وساوت مدنا آمنة بالأرض, وعرّت دولا من جيوشها وأساطيلها ودفاعاتها, وشهدائها الذين يذهبون لخالقهم تحت الأرصفة فى حومة النهش بلا أكفان, وهرولات الجرحى بأحمال الأنفاس الأخيرة لأنقاض مشافى تطرد مرضاها بخراطيم الإنعاش لأرض الطريق ليتسنى للقذائف إجراء الجراح المميتة فى البنية الأساسية.. لتظل المقاومة تنطق فعلا وقولا: هنا باقون كأننا عشرون مستحيل/ فى اللد والرملة والجليل/ هنا على صدوركم باقون كالجدار/ وفى حلوقكم كقطعة الزجاج كالصبار/ وفى عيونكم زوبعة من نار/ برودة الجليد فى أعصابنا/ وفى قلوبنا جهنم حمرا/ إذا عطشنا بعصر الصخرا/ هنا لنا ماض وحاضر ومستقبل/ كأننا عشرون مستحيل.... أمم شتى سدت عيونها بالرمل وآذانها بالطين, ومجتمع دولى تحول إلى مجرد ماكينات إحصاء لأعداد الشهداء والجرحى الذين تجاوز أعدادهم فى غزة وحدها 45 ألفا وسط الصمت المريب والخرس المقيت وما من مغيث.. سنة التعدى على الجوار ونهش الموارد وقضم الأوطان بشعار لسنا ضيوفا على هذه الأرض بل أصحابها منذ آلاف السنين.. سنة ليس فيها ولو النذر اليسير لالتقاط الأنفاس بين كل مشروع هدنة تهدره إسرائيل, أو وقف مزيف لإطلاق النار.. سنة الاقتتال وعبارة «هام» الحمراء أسفل الشاشات, وزهد الريموت فى مسلسلات الهند والترك وأطباق البانيه بالمكسرات وفوازير ماسبيرو زمان للثلاثى وشريهان والإعادة الألفية لحلقات رمضان اللى فات للإقامة المستديمة أمام الأنباء عدوان يكمِّل شهره الخامس عشر بينما حقوق الإنسان تهدر أمام أعين الجميع والأمم المتحدة عاجزة عن التحرك, فالقوى العظمى تكيل بمكيالين لينتحر السلام فهل هناك أمل بأن يأتى العام الجديد بالسلام؟!!.. سنة سيناء المطمع والحل المزيف والعرض السخى والشر المبيت والصخرة الكؤود وحائط الصد وقبائل الوطن ورمال الشهداء وبساط الدبابات ومناورات الذخيرة الحية ويقظة الحدود ونزهة القواد بحافة السور وشرايين الربط وأنفاق التعمير والحلم المستحيل.. سنة السياسة المصرية الرشيدة التى فرقت بين حماس كفصيل سياسى نختلف عليه داخليا, وحماس كفصيل تحرر وطنى يجب أن ندعمه, ومثله موقف مصر مما يفعله أنصار الله «الحوثيون فى اليمن» فى البحر الأحمر, وتعويق الملاحة إلى إسرائيل, وهنا مصر أكثر الدول تضررا من هذا العمل أكثر من إسرائيل بكثير حتى بلغت خسارتها فى عام 7 مليارات دولار, أى ما يزيد على 60% من إيرادات القناة.
اليمن الذى قامت إسرائيل بإرسال غارة مكونة من 25 طائرة مؤخرا فقط لضرب البنية التحتية للحوثيين المدعومين من إيران فى هجمات على مطار صنعاء ومحطات الطاقة وقاعدة الدليمى العسكرية وذلك أثناء إلقاء عبدالله الحوثى زعيم الحوثيين الذى انتقل من الشيعة الزيدية للفكر الثورى الإيرانى خطابه الأسبوعى على الهواء فى قناة المسيرة ليعلق محمد عبدالسلام المتحدث الرسمى لحركة أنصار الله: «إذا فكر العدو الصهيونى إن إجرامه يوقف اليمن عن مساعدة غزة فهو واهم ولن يتخلى اليمن عن ثوابته الدينية والإنسانية».. والمساعدة والمساندة اليمنية تدفع مليونى إسرائيلى للهجرة من فوق الأرض لتحت الأرض لائذين بالمخابئ من بعد دوام دوى صفارات الإنذار، فالصواريخ اليمنية الباليستية الفرط صوتية تخترق الأجواء وتوقف هبوط الطائرات فى مطار بن جوريون وتتمشى فوق الأرض الفلسطينية المغتصبة عُرضة لصناعة يمنية باليستية محلية إنتاج عام 2024.
اليمن التى أصبحت مقسَّمة منذ تسعة أعوام، صنعاء وعدن تقف وحدها رغم ما تصاب به من ويلات مدمرة فى وجه العالم المعتدى لتصيب قلب تل أبيب على بُعد 2000 كيلومتر كانت فى عام 1948 بلدة صغيرة محاطة بالأسوار تقفل أبوابها السبعة عند الغروب ولا تفتح إلا بعد الفجر عند الشروق، وتعيش فى ظلام دامس, ووحدها دار الشكر ودار السعادة، حيث يعيش الإمام يحيى هو وأسرته, ودار الضيافة تضاء بالكهرباء من مولد صغير، شوارعها غير معبدة وأصحاب الحوانيت ينظفون أمام دكاكينهم ويرشون الماء لمنع الغبار، ولم يكن فيها فنادق أو مطاعم, بل مجرد سماسر متواضعة ينزل فيها المسافرون مع دوابهم, حتى السيارات كانت معدودة لا تتجاوز أصابع اليدين, حتى لا يقال إن الإمام يحيى عندما قتل فى سيارته فى ضواحى صنعاء ظلوا طويلا يبحثون عن وسيلة لنقل الجثمان.. وكان الكبريت أو الجاز يختفيان كثيرا للاستخدام للإضاءة, ويقال إن البحر مغلق, فإذا جاء الجاز والكبريت فذلك يعنى أن البحر قد فُتح, وكان العالم الخارجى لليمن هو عدن وجيبوتى وبر السودان ومصر والعراق وأنشأت أول مدرسة تحت إشراف الأمير سيف الإسلام عبدالله الذى حضر اجتماعات جامعة الدول العربية لأول مرة واحتك برجالات العرب الذين شجعوه على إقناع والده بضرورة الانفتاح على العالم ونشر التعليم واستقدام المدرسين وإرسال الطلاب اليمنيين إلى المعاهد العربية, ووصلت مجموعة المدرسين المصريين لمدرسة صنعآء ومدرسة تعز وكان من بين المحاضرين الدكتور أحمد فخرى عالم الآثار المصرى الشهير, وتسربت سرا إلى صنعاء صحيفة «صوت اليمن» التى كان يحررها اليمنيون الأحرار فى عدن, وأهدى الكولونيل الأمريكى الذى يزور مع وفد من الولايات المتحدة المنطقة لأول مرة عام 1948 عدة سيارات من ماركة الجيب ومحطة إذاعة صغيرة كانت نواة تليفزيون اليمن الآن الذى يصدح بالبيانات العسكرية من نوعية: نفذنا بعون الله اليوم عدة عمليات نوعية استهدفت مطار بن جوريون بصاروخ باليستى فيما نفذ سلاح الجو المسير عملية عسكرية استهدفت هدفا حيويا للعدو الاسرائيلى كما استهدفت سفينة بعدد من الطائرات المسيرة, وكانت الإصابة مباشرة وذلك انتصارا وإسنادا للشعب الفلسطينى وأبناء قطاع غزة».
نبحر الآن خلال الساعات الأخيرة إلى السنة الجديدة فنستشعر منذ إرهاصاتها الأولى بضرورة ربط الأحزمة, فقد تركت السنة التى انقضت فى جسدها جروحًا ملتهبة لم تندمل, مع إرث من الكراهيات يتدفق بقوة من ينابيع كثيرة, وكأن الحروب الطاحنة التى جرت لم تكتف بضحاياها بل تبحث عن أجيال جديدة سوف تأتى إلى المطحنة, فالالتزام المعلن بعدم انتهاك الحدود الدولية تحت أى ذريعة أو تسميات إنقاذية تخفى شهية إمبراطوريات كامنة تحت الجلد والعالم الآن يتحرك آليا فى اتجاه عالمى جديد متمثلا فى صعود الإمبراطوريات القديمة بصورة جديدة, وقد حاولت روسيا ذلك فى المحيط الإقليمى الواسع للاتحاد السوفيتى السابق فى آسيا، وتعتبر الحرب «الروسية الأوكرانية» جزءا من هذه الاستراتيجية، وعلى نفس المنوال يمتد حلم الإمبراطورية العثمانية القديمة لتحقيق الحلم من بعد سقوط الأسد فتصميم تركيا على ترتيب الأوضاع فى شمال سوريا يحقق بعضا من مصالحها الكامنة، وفى إيران من بعد 35 سنة من التدخل فى الشأن العربى بدأ التقهقر والانسحاب الحتمى للحفاظ على مشروعه النووى ومقدراته ومكتسباته، فحلم الامبراطورية الفارسية قد تعارض مع حقيقة أن القلاع تسقط من الداخل لا بفعل رياح الخارج.

محمد صلاح - ميرنا عارف
وفى ختام عام وعلى أبواب عام يتسابق المعلقون على قياس التغيرات فى طول لحية أبو محمد الجولانى «أحمد الشرع» فى نسخته المحدثة رمزا للمرحلة الانتقالية فى سوريا الجديدة بعدما خلع عباءته وارتدى ملابس مدنية بالكرافتة، وهنا يأخذ د. نوتنجهام كريستوفر بيتش أستاذ التسويق فى جامعة نوتنجهام البريطانية إلى تجربة مماثلة خاضتها مارجريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا فى الفترة بين 1979 ــ 1990، ففى السبعينيات مع بداية صعودها سلم القيادة فى حزب المحافظين كانت تحتاج إلى تغيير صورتها كى تبدو مقنعة كرأس للدولة ورئيسة وزراء محتملة.. يقول المتخصص: استعانت حينها بخبراء فى العلاقات العامة والتسويق لحياكة صورة محبوكة بعناية, تمثلها كشخصية تلبى متطلبات القيادة, وتوحى بالثقة وبالقدرة على الإمساك بزمام الحكم.. باتت تختار ملابس تشى بالصلابة والود فى آن واحد, ومن ذلك تمسكها بارتداء العقد اللؤلؤى الكلاسيكى التقليدى, وعدلت من نبرة صوتها المسرسع, وافتعلت فترات صمت ما بين الجمل لتبدو هادئة وثابتة ومفكرة, وغيرت من تسريحة شعرها لتظهر دومًا بها فى مجلس العموم وحفلات السفارات وهكذا تشكلت صورة المرأة الحديدية وباتت صاحبة التأثير الأعمق فى الحكم والسياسة فى بريطانيا على مدى عقدين من الزمان.
وفى مجال التسويق السياسى مثال راهن هو الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى الذى عرف فى البداية ككاتب وممثل كوميدى, وحظى بشهرة فى مسلسل بعنوان «خادم الشعب» الذى يحكى قصة مواطن عادى يصبح رئيسا للدولة، ومع صعود نجمه فى عالم السياسة استخدم خلفيته تلك كنموذج مغاير عن النخب السياسية التقليدية فى أوكرانيا وبفضل الغزو الروسى لبلاده وظهوره الدائم فى خطاباته ورحلاته المكوكية بقمصانه الزيتية الرياضية الصيفية والشتوية فى مظهر «جيفارا» أصبح رمزا للشعب الصامد فى وجه العدوان وممثلا للروح المعنوية الوطنية للشعب الأوكرانى ويقول البروفيسور «بول بانيز» أستاذ التسويق فى جامعة ليستر البريطانية أن علاقة زيلينسكى القوية بالإعلام كممثل وامتلاكه شركة إنتاج كلها عوامل ساعدته فى إضفاء مصداقية على صورته العامة, وجعلت منه علاقة فارقة, ويضيف بانيز بأنه قد يبدو غريبا أن نرى ممثلا يُجسد دور الرئيس الأمريكى فى مسلسل تليفزيونى يصبح رئيسا حقيقيا للبلاد وهو الرئيس «ريجان» لكن هذا الأمر من سمات عصر ما بعد الحداثة.. ويظهر التسويق نموذجيا فى حملتى «باراك أوباما» لانتخابات الرئاسة الأمريكية عامى 2008 و2012 حيث تعدان حالتين نموذجتين فى تطبيق المبادئ التسويقية بنجاح، فقد اعتمد أوباما على إطلالات مختلفة لتكون أمام شرائح معينة بالملابس الرسمية ورابطة العنق, وأمام شرائح جماهيرية بأكمام مرفوعة وبدون رابطة العنق لإظهار مرونة أكبر, ويقول بانير: «أراد أوباما الظهور أحيانا بشكل رسمى كرجل دولة, وأحيانا أخرى ببساطة وودية ليكون أكثر قربا من الناخبين».. هذا وقد ظهرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التى لقبت بـ»ماما ميركل» فى الصورة المثالية التى أرادها لها التسويق السياسى فى إشارة إلى أنها فى مظهرها الأممى توحى بالطمأنينة، وفى هذا السياق يظهر الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بزى الجودو أو على صهوة حصان بلا قميص أو ممتطيا دبا شرسًا فى رسالة قوة وصلابة علامة للقائد القوى، وعموما فى حالة الجولانى «الشرع» فالمصداقية لا ترتكز على طول الذقن أو الكرافتة أو يستبدل بثوب الميليشيات ثوب القيادة الوطنية المقبولة دوليا بل على أفعال حقيقية, فالسوريون قد مروا بسنوات مريرة ومن الصعب ألا يرون الحقيقة خالصة ثابتة مؤكدة ناصعة.
وحتى تحمل السنة الوليدة صورة ناصعة لحكومة تصريف الأعمال الوليدة فى سوريا، فالبوادر لا تشى بالراحة, ولم تزل مصر ترقب الأوضاع متأنية فى كيفية التعاطى مع الموقف لاتخاذ موقف يتسم بالحياد الإيجابى لأنها ترغب فى التعامل مع حكومة معترف بها دوليا وأمميا وعربيا وتمثل كل الشعب السورى.. التأنى واجب خاصة بعدما أعلن الشرع بأن الانتخابات وإعداد الدستور لن يكون فى سوريا قبل 3 سنوات كما أعلن محافظ دمشق الجديد ماهر مرون فى حديثه للإذاعة الوطنية العامة الأمريكية NPR أن بلاده ليست مشكلتها مع اسرائيل ولا تسعى إلى النزاع معها معتبرا أن مخاوف اسرائيل الأمنية بعد تغير النظام فى سوريا كانت طبيعية وأن الحكومة السورية الجديدة ليس لديها «أى خوف تجاه إسرائيل» وأن «مشكلتنا ليست إسرائيل»!!.. هذا إلى جانب تصريحات أول امرأة تشغل منصبا رسميا فى الإدارة السورية الجديدة السيدة عائشة الدبس رئيسة مكتب شئون المرأة فى مقابلة لها مع شبكة TRT التركية التى تحمل طابعا إقصائيا، لايبعث على التفاؤل حول وضع المرأة فى الإدارة الجديدة لسوريا من أنها «ستعمل على صنع نموذج يناسب وضع وظروف المرأة السورية» و«أنا لن أفتح المجال لمن يختلف معى بالفكر» و»على أى جهة تريد العمل فى مجال المرأة أن تكن متوافقة مع النموذج».. والسيدة عائشة هنا تتحدث عن المرأة السورية وكأنها اكتشاف شخصى لها وتريد أن تبدأ معها من الصفر لصياغتها داخل قالب ونموذج تصبها كمادة منصهرة لتُشكلها كما ترى لها بداخله متجاهلة عن عمد حضور المرأة السورية المؤثر والقوى والريادى والدولى طول عمرها ومن قبل ولادة السيدة عائشة فى تاريخ سوريا.. ورابعة الأثافى التى لا بعدها ولا قبلها استقبال الجولانى «الشرع» لمحمود محمد فتحى بدر واتخاذ اللقطات معه وهو أحد قيادات تنظيم داعش المدرج على قائمة الكيانات الإرهابية التى أصدرتها مصر مؤخرا وكان الذراع الأيمن لحازم أبوإسماعيل ومدان فى عدة قضايا تتعلق بأنشطة إرهابية ومحكوم عليه بالإعدام غيابيا فى قضية مقتل النائب العام المصرى هشام بركات وبحسب القائمة فإن نشاطه الإرهابى ضد مصر مازال مستمرا من الخارج حتى عام 2024, وكان من الطبيعى استياء الكثير من المصريين الذين يعدون الأمر من قبيل المكايدة السياسية- كما كان يقول الأستاذ هيكل ــ عما يقوم به بعض الأفراد، بل بعض الدول مثلما أطلقت إيران اسم خالد الإسلامبولى قاتل الرئيس أنور السادات فى عام 1981 على أحد الشوارع الهامة فى طهران ليظل هذا الإجراء الكيدى بمثابة شرخ فى العلاقات على مدى السنين, هذا بينما تتراجع طهران عن إطلاق اسم «يحيى السنوار» القائد الراحل لحماس فى غزة فى أحد شوارعها بعدما أجازه مجلس بلدية طهران بحجة أن القرارات المتعلقة بتسمية الشوارع يحتاج إلى دراسة أكثر دقة خاصة وأن اسم الشارع الحالى «بيستون» اسم تاريخى لجبل بيستون الذى ذكر مرارا فى تاريخ وأدب إيران القديم ونقشت عليه كتابة تعود إلى الملك الأخمينى داريوس حوالى عام 520 قبل الميلاد، وليس جديدا على كيد الشوارع فى ايران، ففى عام 1981 قامت ايران بتغيير اسم الشارع الذى تقع فيه السفارة البريطانية فى طهران ليحمل اسم «بوبى ساندر»عضو الجيش الجمهورى الايرلندى الذى توفى بعد إضرابه عن الطعام فى السجن.. وعلى نفس الدرب الكيدى أطلقت السلطات فى العاصمة واشنطن اسم المعارض الروسى بوريس نيمتسوف على الشارع الذى تقع فيه السفارة الروسية وهو الذى اغتيل بالرصاص بالقرب من الكرملين فى عام 2015.
على أعتاب عام جديد أسكن هنيهة فى بلد السكينة والأمان بلدى.. مصر التى فى خاطرى لأتأمل فى قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة»، وحقيقة من التفاهة ولغو الباطل ألا نعترف بصدق على قدرة المصرى لصُنع المستحيل فما كان يمكن للحرب على الإرهاب أن تنجح لولا صلابة الشعب وصبره وتحمله, وما كان يمكن لمصر أن تشيد هذه البنية التحتية العملاقة, من طرق وموانئ ومطارات وقواعد حربية ومراكز طبية عملاقة وجامعات حكومية وأهلية وتكنولوجية ودولية و28 مدينة ذكية وعاصمة إدارية و25 محورا على النيل يربط شرق الصعيد بغربه وطرق طويلة شرق النيل وغربه وسكك حديدية تمتد طولا وعرضا وستة أنفاق إلى سيناء تمتد إلى العريش شرقا ومنها تنطلق جنوبا نحو وسط شمال سيناء والمناطق القاحلة حتى طابا بطول 500 كيلومتر ومن قبلها قناة السويس الجديدة واجتثاث فيروس C ونجاح حملة الـ100 مليون صحة وإنهاء قوائم الانتظار للأمراض والجراحات الدقيقة والحرجة, والاكتشاف المبكر لسرطان الثدى وادماج ذوى الحاجات الخاصة فى نسيج المجتمع, وانتاج الأنسولين محليا.. والمتحف المصرى.. الخ.. وأسعد لتقييم الناقدة السينمائية ماجدة موريس لعالم الشاشة فى عام 2024 من ظاهرة الإقبال الضخم للأجيال الجديدة على الكتابة والإخراج وتقديم أفلام طويلة وقصيرة والاهتمام بالسينما الوثائقية وتخصيص عدة مهرجانات للفيلم القصير، وكان عدد الأفلام الطويلة خمسين فيلما، والقصيرة العديد من ظاهرة تفوق المرأة فى مجال الإخراج والإنتاج فيها، حيث شهد العام المنصرم أعمالا جيدة قامت بإخراجها دستة من المخرجات المصريات كوثر يونس, وآية الله يوسف, وهبة يسرى، وجيلان عوف, وماجى مرجان, وهند بكر, وآيتن أمين, وندى رياض, ونهى عادل, وزينة عبدالباقى, وهالة القوصى, وتغريد أبوالحسن, ومن بين الأسماء المميزة لتلك الأفلام «الفستان الأبيض» و»رفعت عينى للسماء» و»دخل الربيع يضحك» و«مين يصدق».
عام مضى ينتهى مع الذكرى الخمسين لرحيل فريد الأطرش الذى جسد الحلم العربى فى الوحدة بشدوه: أسأل الله يبلغنى كل المقصود/ وأشوف الأمة العربية من غير حدود/ يمشى العربى فى أملاكه ببساط ممدود/ لا تقول له فين أوراقك ولا رايح فين.. وعام جديد أتمنى فيه ألا يستمر تقلص دور مجمع اللغة العربية الرئيسى على مستوى العالم العربى فى تفعيل دوره الطبيعى لمسايرة اللغة المعاصرة على المستويين الفصيح والعامى, فلم يعد هناك من يفسر ويشرح لنا الكثير من مصطلحات المرحلة التى علينا تقبلها فى أجروميتنا المتداولة مادامت قد أصبحت هى المتداولة فى عناوين الصحف ومنصات الأخبار وتصريحات المسئولين واستجوابات مجلس النواب وإن كان منها ما يثقل على طبلة الأذن ويشكل جلطات فى شرايين القلم، وكثيرها خارج من رحم الترجمة الحرفية المحتاجة للتمصير ومنها ومعذرة: نظام البوكليت التعليمى والتنمية المستدامة، والتحول الرقمى، والحاضنة الشعبية, والقيمة المضافة والخدمات اللوجيستية والعولمة والبرنامج الإنمائى, والتنوع البيولوجى, والاستثمار البيئى, والتنمر, وورشة عمل, والكتائب الإلكترونية والطاقة المتجددة وحصريا والطاقة الاستيعابية والمثليين ورجل خلوق.. الخ.. هذا بينما تلاشت مصطلحات عشناها فى الماضى كانت تمثل فى تداولها لغة العصر ومنها: الحياد الإيجابى، والاحتكار, وشباب الاتحاد الاشتراكى وكتبة التقارير, والتحرر الوطنى ومنظمة الشباب والعالم الثالث وعدم الانحياز وقوى الشعب العامل, والانفتاح والرفيق!! وفى ذلك الزمان تصدى الكاتب فتحى غانم أسبوعيا فى مجلة صباح الخير لتفسير الكثير من تلك الكلمات تحت عنوان «كلمات تستعملها ولا نفهمها».. وجاء فى تفسيره لكلمة «أكاديمية» على سبيل المثال أنها اسم لمدرسة قديمة أسسها الفيلسوف اليونانى أفلاطون تقع فى حديقة على نهر فى ضواحى أثينا، يبعد عنها بحوالى ميل واحد كان يملك هذه الحديقة البطل «أكادموس» وقد تعود المتحاربون ألا يقتحموا الحديقة أثناء الحرب احتراما منهم لذكرى هذا البطل فأصبحت تعيش فى سلام وهدوء وتصلح للمناقشة والتفكير والتأمل الفلسفى، واختار أفلاطون الحديقة ليجلس تحت أشجار الزيتون ويناقش تلاميذه، وقد حدث فى العصر الحالى أن انتشرت موضة بين بعض النصابين والأدعياء.. يؤسسون مدارس للرقص ويسمونها أكاديمية الرقص ومن هنا أصبح اسم «أكاديمية» يطلق أحيانا على المكان الذى يجتمع فيه كبار العلماء والفلاسفة، ويطلق أحيانا على المكان الذى يجتمع فيه النصابون والمهرجون!
وتمضى ساعات باقيات على التقاء عقارب الساعة إيذانا بيناير جديد تحمل إليه وعودا ورعودا وأقوالا وأشعارا وأمنيات ولقطات وذكريات فيها: تيدوروس أدهانوم جيبريسوس مدير منظمة الصحة العالمية الذى لم يصب بأذى عند استهداف اسرائيل لمطار صنعاء وكان قد ذهب لمحاولة الإفراج عن بعض المحتجزين من أفراد الأمم المتحدة من قبل الحوثيين وجاء فى بيان على حسابه الخاص أنه قد قتل شخصان من مرافقيه الـ17 عضوا من جراء القصف الوحشى للطائرات، لكنه لم يأت إطلاقا على ذكر المعتدى الاسرائيلى!!... الولايات المتحدة تمر الآن بمرحلة البطة العرجاء هى الفترة التى تستمر من تاريخ إعلان نتائج الانتخابات إلى توقيت تسليم السلطة... بن غفير الوزير الاسرائيلى المتطرف وعشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى فى أول أيام عيد الحانوكا اليهودى من جهة باب المغاربة وأدوا طقوسا تلمودية عنصرية فى ساحته ليقول فى منشور على منصته إكس: «صعدت اليوم إلى مكاننا للصلاة من أجل سلامة جنودنا ولإعادة جميع المحتجزين بسرعة وللنصر الكامل»... ويقول نزار قبانى: «وقليل من الكلام نقى/ وكثير من الكلام بغاء/ لو قرأنا التاريخ ما ضاعت القدس/ وضاعت من قبلها الحمراء/ يافلسطين لا تنادى قريشا/ فقريش ماتت بها الخيلاء/ ذروة الذل أن تموت المروءات/ ويمشى إلى الوراء الوراء/ مرَّ عامان والمآذن تبكى/ النواقيس كلها خرساء»..... هل يتغير الحال فى المكتب البيضاوى بالبيت الأبيض بعدما هدد القادم إليه بتوسيع الولايات المتحدة لتضم كندا الولاية رقم 51 والسيطرة على قناة بنما، وشراء جزيرة جرين لاند التى تملكها الدنمارك, وفى تبريره لضم كندا إيقاف تدفق المهاجرين إلى بلاده, أما قناة بنما فتعفى أمريكا من سداد رسوم عبور السفن التى يتهم سلطات بنما بأنها تغالى فيها، وجزيرة جرين لاند التى قيل عنها إنها مهمة للأمن القومى الأمريكى... جوع فى السودان التى قل لنا ذات يوم إنها يمكن أن تكون سلة غذاء لأبنائها وللمنطقة المحيطة.. المعركة الحاسمة تدور الآن فى أروقة التكنولوجيا وفى الثورات العلمية المتلاحقة.. وحدها الدولة العصرية تختصر الآلام وتقلل الأخطار.. العالم مريض والطبيب غائب ويكاد أنطونيو جوتيريش يعلن عن إقفال عيادته بعدما سلم بعجزه عن توفير العلاج والاكتفاء بالسعى لتوفير بعض شحنة بطانيات وخيام... أعلنت مساعدة وزير الخارجية الأمريكى لشئون الشرق الأوسط «باربرا ليف» أن بلادها قررت إلغاء المكافأة المالية البالغة 10 ملايين دولار التى كانت مرصودة لأى معلومات تؤدى للقبض على أحمد الشرع قائد هيئة تحرير الشام سابقا... فتحت شباكى لشمس الصباح مادخلش منه غير عويل الرياح، وفتحت قلبى عشان أبوح بالألم/ ماخرجش منه إلا كلمة سماح/ وعجبى لصلاح جاهين...
من هدايا عام 2024 لمصر تولى الدكتور بدرعبدالعاطى منصب وزير الخارجية الذى جاء ليفتح خطوط التواصل اليومى مع الأطراف الفاعلة فى جميع قضايا وأزمات المنطقة والعالم, وفى ذلك مذهبه القائم على الصراحة دون محاولة التخفى وراء مفردات الغموض الدبلوماسى، وأتابع بشغف متحدثا متفردا على الشاشة أو كاتبا عملاقا تجرى المعانى والمعارف ما بين سطوره وزير الثقافة الأسبق حلمى النمنم الذى شبه ما حدث من انهيار لنظام بشار الأسد بما جاء فى مقدمة ابن خلدون التى حدد فيها شروط الانهيار من أنها تبدأ من «الأطراف» وهذا ما وقع فى سوريا «إدلب شمالا ودرعا جنوبًا» وذكر ابن خلدون أيضا أن الانقضاض يقع حين تشتد العصبيات والقبلية داخل الدولة وتتجه كل عصبية إلى الحصول على السلاح وأعداد المقاتلين وذلك ما يُسمى فى عصرنا الميليشيات الطائفية والمذهبية، ووضع ابن خلدون على رأس عناصر الفساد والانهيار أن يتجه الحاكم إلى التجارة أى البيزنس ومراكمة الأموال, وفى هذا ما جاء من أمر عوائد أقراص الكبتاجون المخدرة على الأسد وعائلته فى السنوات الأخيرة, وكان حلمى النمنم قد تعجب مسبقا بقوله: إن هيئة تحرير الشام أشبه بالنملة التى حفرت عصا سيدنا سليمان فاكتشف الجميع وفاته!!.... ميرنا عارف المدير العام لشركة مايكروسوفت تكلمت عن الشق الإيجابى للاقتصاد المصرى خلال الاجتماع الاستكشافى لرئيس الوزراء مع رموز رجال الأعمال بقولها إن فى مصر الآن قاعدة كبيرة من الشباب المؤهل تكنولوجيًا يعد بمثابة سلعة نادرة للمشاركة فى قطاع التكنولوجيا على مستوى مصر والعالم وقد أتى ذلك بعد مبادرات الدولة المتعددة لبناء قدرات هؤلاء الشباب... محمد صلاح رغم صورته الجديدة التى حلق فيها شعره المميز وكنا نظن أن تخليه عنه سيغدو مثل شمشون من كان سر قوته فى شعره، لكنه تجاوز الظنون ليسير بخُطى ثابتة نحو الكرة الذهبية لأول مرة فى تاريخه ويعزز من هذا الهدف أنه لا توجد بطولات كبرى فى الصيف المقبل مثل كأس العالم أو بطولات أخرى قد تمنح لأى من المنافسين، وقد أكدت الصحف الانجليزية أن الجائزة الكبرى قد تأتى أخيرا بعدما أصبح النجم المصرى أول لاعب فى الدورى الانجليزى يسجل عشرة أهداف ويساهم بمثلهم قبل الكريسماس.... من المتوقع سفر نيتانياهو إلى الولايات المتحدة بطائرة تابعة لهيئة wing of zion جناح صهيون الحكومى لحضور حفل تنصيب الرئيس الأمريكى المنتخب فى 20 يناير, ونيتانياهو لم يحضر من قبل تنصيب أى رئيس أمريكى، ويتساءل الصحفيون الاسرائيليون عن مصيره فيما لو طرأ عطل للطائرة مما يجبر قائدها على الهبوط الاضطرارى فى دولة عضو بالمحكمة الجنائية الدولية التى أصدرت مذكرة تطلب من 123 دولة عضوا فيها اعتقاله فور وصوله وتسليمه لها, وعموما هناك هوجة حوادث حالية فى مسألة وصول الطائرات لمقاصدها بلغت هذا الشهر خمس حوادث والسادسة تابتة. ويا مسهل!!
وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ومن غير شماتة وإن حقت لنا كلنا بالذات هنا بالذات تلك الشماتة بالذات فآخر أخبار الرجل أن السفر للحفل الكبير قد غدا من ضرب المحال، والحركة أيضا لم يعد مرجوا منها فقد بلغ التشخيص الدرجة الثالثة وجهاز تنظيم القلب لن يعود فعالا مع أسلاك جهاز الموساد، وفوق هذا وذاك سارة مطلوب مثولها أمام النيابة فى قضايا فساد!
لمزيد من مقالات سـناء البيـسى رابط دائم: