رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

كاريزما الشعوب

الشعوب كالأفراد يحظى بعضها بكاريزما تتداخل فيها عناصر الجغرافيا والتاريخ وتحيط بها الحضارات ويشكل المكون العرقى فيها عنصرًا حاكمًا يعطيها مكانة خاصة وموقعًا متفردًا دون غيرها، فهناك شعوب متألقة عبر مراحل التاريخ صافحت الزمن وعاصرت الأحقاب البعيدة وشاركت فى البناء الحضارى للمكون الإنسانى منذ فجر التاريخ، كذلك فإن هناك شعوبًا باهتة لا نستطيع أن نجد لها خصائص متميزة أو ملامح محددة وأنا مؤمن بأن التعميم خطيئة وأن الكلام المرسل عدوان على الحقيقة، لذلك أعترف بداية بأن لكل شعبٍ خصائصه ولكل أمة مزاياها كما أن الظروف التاريخية التى تمر بها الأقاليم المختلفة فى العالم تلصق بها صفات لا يمكن تجاهلها، فالشعوب التى شاركت فى الكشوف الجغرافية تختلف عن تلك التى تفرغت لتكريس الظاهرة الاستعمارية وهما معًا يختلفان عن الشعوب العريقة من بناة الحضارة فى الشرق أو الغرب على السواء، وأزعم هنا أن تجارب الحياة وطبيعة المعاناة التى عاصرها كل شعب تثير أمورًا لا يمكن تجاهل تأثيرها أو غض البصر عنها، ولنأخذ الوطن المصرى نموذجًا لما يمكن أن تدور حوله سمات المجد وحالات التميز ونرصد بعضها فى النقاط التالية:

أولاً: إن جاذبية الشخصية المصرية القائمة على الهوية المتعددة والمكانة المنفردة باعتبارها دولة (على الناصية) تطل شمالًا على أوروبا وجنوبا على إفريقيا وشرقا على آسيا وغربًا على الطرق المؤدية إلى العالم الجديد (الأمريكتين) لذلك فأينما تولى وجهك تجد هناك أسبابًا للجاذبية تقبع فى ثنايا الدولة المصرية عند نقطة الالتقاء بين التاريخ والجغرافيا، بين الزمان والمكان، وقد لفت نظرى إلى جانب رائع فى تشريح الشخصية المصرية وهويتها الضاربة فى أعماق التاريخ رسالة ماجستير دفع بها إلى صديقى العزيز الدكتور سامى عبدالعزيز شيخ الإعلاميين المصريين ولأن وقتى ضيق وصحتى ليست فى أفضل أوضاعها فقد كدت أعتذر عنها لولا أننى تصفحت الرسالة ووجدت نفسى أمام طالب نابه يفتح آفاقًا رحبة لمكونات جاذبية الشخصية المصرية، وصاحب الرسالة ينتمى إلى عبقرية طه حسين فاقد البصر رائع البصيرة، وهو معيد فى قسم العلاقات العامة والإعلان فى كلية الإعلام بجامعة القاهرة وقد جاءت رسالته بعنوان (مدركات الأجانب عن صورة مصر الذهنية: نحو تطوير الإدارة الاستراتيجية للعلامة الوطنية) وقد بهرنى الباحث المتفرد بغزارة علمه وذكاء اختياراته ودقة فرضياته، فجاءت رسالته مختلفة تمامًا عن ذلك السيل المتدفق علينا لأصحاب درجات الماجستير والدكتوراة وفيها الكثير مما لا يستحق الإجازة! ولقد توقفت كثيرًا عند تحديده لقضية دراسته التى قال إنها تسعى لقياس وتحليل الصورة الذهنية للدولة المصرية بمختلف أبعادها المعرفية الوظيفية والحسية والقيمية وانعكاساتها على مكانة الوطن لدى الجماهير الأجنبية بمختلف مرجعياتهم الثقافية وانتماءاتهم العرقية ومعتقداتهم الدينية أى أن جاذبية مصر هى جزء من مكانتها بالنظر إلى المتغيرات والعوامل المتحكمة فى تشكيل الانطباع العام عن الدولة المصرية ماضيها وحاضرها ومستقبلها.

ثانيًا: يتساءل الباحث النابه عن ماهية الصورة الذهنية للدولة وهى التى تتمثل فى الناتج النهائى للانطباعات الذاتية التى تتكون عند الأفراد أو الجماعات إزاء شخص معين أو نظام بذاته أو شعب استقرت تقاليده من خلال التجارب المباشرة والعواطف المسيطرة على امتداد مسيرته، فالصورة الذهنية للدولة تأتى من عدد من المتغيرات مثل التنمية الاقتصادية والسياسية ومستوى التقدم التكنولوجى والصناعى والعلاقات الدولية والأحداث التاريخية والتقاليد المرعية، لذلك فإننا عندما نتحدث عن كاريزما مصر كنموذج لكاريزما الدولة فإننا لا ننطلق من فراغ ولكننا نشير إلى أبحاث ودراسات استقرت فى المدارس الغربية للعلوم الاجتماعية، مدركين أن الصورة الذهنية تعتمد أيضًا على الحالة الاقتصادية للدولة وظروف سوق العمل والنظام السياسى لها ومناخ الحريات المتاحة فيها والبيئة الحاضنة للانصهار السكانى على أرضها، وأعود إلى الباحث صاحب رسالة الماجستير التى أعجبت بأسلوب التحليل فيها وطريقة استخراج الحقائق منها نقلاً عن عدد من المصادر التى لجأ إليها الباحث ودمجها فى سبيكة متميزة، حتى برزت اللغة والتاريخ والجغرافيا والدين والثقافة عوامل حاكمة فى تشكيل ما يمكن أن نصل به إلى مفهوم العلامة الوطنية للدولة من كل اتجاه.

ثالثًا: إن جاذبية مصر التى ننتمى إليها مستمدة بطبيعة الحال من تضاريسها المنبسطة وخصائصها المتميزة من صحاريها ووديانها فى إطار موقع جغرافى حاكم كما أسلفنا ونهر عظيم يشق الوادى من الجنوب إلى الشمال لينقسم بين فرعى الدلتا فى تشكيل رومانسى حاضن للقادمين إليها ومستوعب حتى للمختلفين معها، فهى مصر الحضارات المتعاقبة والديانات السماوية والأفكار التى تمثل إشارة واضحة للدولة بكل عناصرها ومخرجاتها.

إن كاريزما الوطن المصرى مستمدة من مجموعتين إحداهما طبيعية والثانية بشرية وهما يشكلان معًا ما تعنيه كلمة مصر، وقد حكى لى الراحل الدكتور بطرس بطرس غالى عندما كان وزيرًا للدولة للشئون الخارجية أن بابا الفاتيكان استقبل عددًا من رؤساء الدول وكان الوقت متأخرًا فى المساء والرجل طاعن فى السن معتل الصحة وهو البابا يوحنا بولس الثانى حيث نادى مسئول البروتوكول على أسماء من يصافحون الحبر الأعظم وهو شبه نائم، ولكنه عندما ذكر كلمة مبعوث مصر انتبه البابا فى سعادة وصافح بطرس غالى بأسلوب مختلف يعود التقدير فيه لمصر وكاريزما الوطن، وما أكثر ما شاهدت قصصًا مماثلة لمكانة مصر فى الداخل والخارج وتأثيرها السحرى على من يزورها أو يتعامل مع شعبها، ولا أدعى هنا أن كل شىء لدينا وردى ورائع ولكنى أزعم أن كل شىء متميز ومختلف يحمل هوية واضحة وشخصية فريدة وكاريزما شعب لم يغب عن التاريخ أبدًا فى مراحله المتعاقبة أبدًا.


لمزيد من مقالات د. مصطفى الفقى

رابط دائم: