رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

الفن فى عالم فقد العقل والعدالة

كما نشر وانتشر عما حدث فى دار مزادات شهيرة فى لندن عن بيع لوحة أراها نموذجا للجنون والانهيار والدمار الذى يعيشه الإنسان الآن، وهى لوحة الموزة المثبتة بشريط لاصق على لوحة فارغة وقيل إنه تنافس على شرائها ستة من أغنى أغنياء العالم وفاز بها من دفع فيها 6.25 مليون دولار وخلال متابعتى للمهزلة الفنية رأيت على أحد المواقع الجادة مشهدا لموزة أخرى قطعتها أم فى غزة إلى مكعبات مع شرائح فواكه قليلة لتكفى أطفالها الذين وقفوا مهللين يصيحون من الفرحة بالطبق النادر حصولهم عليه بينما تنبههم الأم أن يتركوا قطعة من الموز لأختهم الصغرى مريم التى لم تتذوقه من قبل .. لقد استوقفتنى المفارقة واستدعت الآلاف من أطفال غزة الذين استشهدوا فى جرائم الإبادة التى ارتكبها وما زال الكيان الإرهابى الصهيونى فى إطار محاولاته وجرائمه الآثمة والمستحيلة لإبادة الشعب الفلسطيني، وكم عدد اليتامى من الأطفال الذين فقدوا الأمهات والآباء ومن سيرعاهم ويحافظ عليهم من الطاغوت الصهيوني، وكم عدد ملايين الأطفال المروعين بالصراعات والحروب فى أغلب دول الشرق الأوسط وعالمنا العربى والإسلامى الذين يفتقدون الأمن والأمان الغذائى وبما يجعل المفارقة التى رأيتها بين لوحة الموزة التى بيعت بملايين الدولارات وطبق شرائح الموز الذى يتقافز حوله أطفال من غزة مفارقة متواضعة قياسا إلى معاناة وأوضاع وأحوال الطفولة فى الدول الأقل قدرة على توفير الحقوق الأساسية لهم وسبل الحياة الكريمة والإنسانية، وفى ظل التضخم الاقتصادى والدمار البيئي، وانهيار الوعى والقيم التربوية وعدم إدراك مدى أهمية سلامة التكوين النفسى السليم منذ سنوات البداية بل وأثناء تكوينهم أجنة فى أرحام أمهاتهم .

لقد مر فى 20 نوفمبر اليوم العالمى لحقوق الطفل ولم اسمع عن احتفالات به غير بالرقص والغناء وتساءلت عما كان يجب أن تصدره المؤسسات الدولية والمنظمات الأممية من قوانين تحمى الأطفال من كوارث الصراعات وحروب الإبادة، وكيف تواجه الجوع والفقر وافتقاد الأمن الغذائى والتعليمى والصحى فى إطار العجز والقصور والضعف المصابة به هذه المؤسسات والمنظمات، وما كان يجب أن يقوم فى الدول القادرة أنظمة اقتصادية وإنسانية وأخلاقية توفر هذه الرعاية وتفرض على الأغنياء تكوين صناديق مهمتها الأساسية حماية الطفولة، وأرجو ان تنتبه لأوضاع الطفولة حول العالم وتفرد لها نصيبا أكبر من الدعم مبادرة الرئيس البرازيلى لولا دا سيلفا فى قمة العشرين والتى دعت الى تكوين تحالف عالمى لمكافحة الفقر والجوع والتى انضمت إليها مصر ضمن أكثر من 80 دولة ومؤسسات متعددة الأطراف حيث تعهدوا فى بيانهم الختامى بالتعاون لفرض ضريبة فعالة على أثرياء العالم، وحيث أكدوا أن الجوع لا ينجم عن نقص الموارد أو المعرفة فقط ،بل عن نقص الإرادة لضمان وصول الغذاء للجميع وأعود لأؤكد أن الدول والجماعات والأفراد الأغنى والأكثر ثراء يجب ان يتحملوا مسئولية مواجهة ومعالجة انعدام الأمن الغذائى العالمي، والذى يقع النصيب الأكبر من عوائده وكوارثه على الطفولة، خاصة من تعصف بهم الصراعات والحروب وأبشعها حرب الإبادة التى يواصل ارتكابها الكيان الإرهابى الصهيونى فى غزة ويتحملها أيضا ملايين الأطفال وأسرهم فى الدول التى تعانى تضخم الأسعار وافتقاد العدالة الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية فى العلاج والتعليم وتخلف العادات والتقاليد، وعدم الفهم الصحيح للدين، وأقرب مثال يحضرنى ما نشر الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 عن نجاح المجلس القومى للطفولة والأمومة فى إحباط زواج طفلة لم تتجاوز 15 عاما قبل خروجها من الكوافير فى أحد مراكز محافظة الدقهلية، وأرجو من الاعلام المسموع والمرئى الإعلان الدائم عن مراكز الإنقاذ التى يمكن الاتصال بها للإبلاغ عن حوادث وجرائم انتهاك الطفولة مثل الإدارة العامة لنجدة الطفل ووحدات حمايته بالمحافظات ليتدخل مكتب حماية الطفل والأشخاص ذوى الإعاقة والمسنين بمكتب النائب العام، وضرورة تشديد عقوبات من يقومون بعقود الزواج العرفية لتسهيل إتمام زواج الأطفال ... وفى إطار ما تشهده الطفولة من كوارث وأزمات وحرمان من التعليم والأمن النفسى والسلام الروحى والاطمئنان وكل ما يجب ان يحيط بهم مما يحدث وسط الحروب والصراعات والحركات الإرهابية من استخدام للأطفال وفى ذروة مؤلمة ظهر ان نصف أعضاء الجماعات المسلحة فى هايتى من الأطفال، علاوة على ما سيترتب على تكوين الأطفال الذين ينشأون وسط الصراعات من اضطرابات نفسية لا يمكن ان تؤدى إلى نشأة أجيال سوية!

كيف يحتجز ويحاصر الكيان الإرهابى الصهيونى 130 ألف طفل منذ أكثر من 50 يوما فى شمال غزة، وكيف تنشأ الطفولة وسط عشرات من خيام النازحين التى أغرقتها مياه البحر ويكمل عليها عواصف وأمطار الشتاء.. إن العالم الذى يتدفأ فيه ملايين الأطفال فى بيوت آمنة ودافئة ويتحصنون بمنظومات صحية للعلاج والتعليم أضعافهم من آلاف الملايين يفتقدون كل أشكال الأمان والحماية، ونتائج الفروق والتناقضات، وافتقاد العدالة التى تنذر بمزيد من الانهيارات والأزمات والصراعات، وفى عالمنا العربى والإسلامى لنا فى فريضة الزكاة وواجبات الصدقات ملاذ لصناديق آمنة على مستوى الدول لتقديم وتوفير فروض جميع أشكال الحماية والرعاية لجميع الأطفال الذين يحتاجون إليها، بالإضافة إلى الاهتمام بتعميق وعيهم بتاريخ بلادهم وحضارتها المتواصلة التى أرجو أن يكون قد بدأ تدريسها منذ مراحل التعليم الأولى بأساليب تحببهم فيها وتعمق اعتزازهم وانتماءهم لها، وأن ندرك ما تستطيع أن تأتى لنا به كنوز آثارنا إذا أحسنت إدارتها وحمايتها واستثمارها، وإذا كانت لوحة لموزة ورباط لاصق تأتى بما يتجاوز 6 ملايين دولار، فكم يجب أن تأتينا وتغنينا ثروات وكنوز آثارنا التى لا يمكن أن يقارن بها سفه لوحة الموزة والجنون الذى يعبر أصدق تعبير عن عالم فقد عقله وضميره وعدالته ورحمته.


لمزيد من مقالات سكينة فؤاد

رابط دائم: