رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

أمن مصر القومى وشواغله الدائمة

كان الأمن القومى المصرى ولايزال هاجسًا يستقر فى أعماق المصريين من فجر التاريخ، فمصر التى تعرضت للغزوات والفتوحات خصوصًا من شمالها الشرقى ظلت دائمًا واعية بهذه الحقيقة، وأدرك المصريون أن أمنهم القومى لا يبدأ من حدودهم ولكنه يسبق ذلك بمئات الأميال، فمصر دولة لامعة ذات بريق جذاب فى كل مراحل تاريخها، لذلك توافدت عليها الجيوش الغازية تارة والثقافات الوافدة تارة أخرى أو هما معًا فى أغلب العصور، وقد استوعبت مصر بعبقريتها التاريخية وفرادتها الجغرافية كل القادمين إليها وامتزجت معهم فى سبيكة متجددة ظلت هى التى تقود المسيرة وتحرك الأحداث على الدوام، لا فيها وحدها ولكن فى الإقليم كله من حولها، إنها مصر حطين وعين جالوت ومرج دابق، إنها مصر التى استقبلت الفتح العربى وتفاعلت معه محتفظة بهويتها التى لا تتغير وشخصيتها التى لا تزول، وهى مصر التى استقبلت أيضًا الغزو العثمانى وقبله أفواجا من فرسان المماليك الذين وصل بعضهم إلى قمة السلطة، ولم تبحث مصر فى تاريخ من حكموها ولكنها صهرتهم جميعًا بالخصوصية التى تميزت بها عبر التاريخ، وهى مصر التى استقبلت أول حدث تاريخى داخلى بقيام ثورة يوليو 1952 والتى لاتزال أصداؤها متمركزة فى أعماق المصريين بل فى وجدان المنطقة كلها إلى اليوم، وهى مصر التى شكلت القوى الناعمة وأصبحت المخزون المتجدد لها فى الآداب والفنون والفكر والعلوم، لذلك ظلت دائمًا مقصدًا للغزاة وهدفًا للطغاة ومطمعًا للبغاة، وهاهو الأمن القومى المصرى شاغل أبنائها الأول والمسيطر على فكر قادتها صباح مساء يلح عليهم بشبكة المخاطر التى تحيط بها والأطماع التى ترصدها من كل اتجاه، لأن مصر هى بحق عمود الخيمة الذى يعيش حولها كل من يعرف مكانة المحروسة وقدر الكنانة، لأن أم الدنيا هى الجائزة الكبرى لكل من يريد العبث بالمنطقة كلها أو النيل من صلابتها وشموخها، إن الأمن القومى المصرى يواجه حاليًا عددًا من المخاطر تأتيه من الشمال الشرقى حيث الصراع اليومى بين قوات الاحتلال الإسرائيلى والشعب الفلسطينى، ومن الغرب تنظر مصر إلى القلاقل فى الجارة العربية ليبيا شرقها وغربها، أما فى الجنوب فلديها السودان التى تصلى سعيرًا نتيجة ذلك الانقسام الداخلى ومحاولات تمزيق وحدة الدولة الشقيقة التوأم لمصر، فإذا ذهبنا إلى النهر الخالد جنوبًا وجدنا المؤامرات المعقدة والتدخلات الخبيثة فى محاولة لخنق مصر من خلال مصدر الحياة الذى عرفته عبر القرون وتغنت به منذ عهدالفراعنة مرورًا بالإغريق والرومان والعرب والنهر على رأس مصر تاجٌ يهب الحياة لها ولمن حولها، فإذا منطقة منابع النيل وبالقرب منها محاولات آثمة تستهدف مصر الصامدة دائمًا الصابرة غالبًا، والقادرة على تغيير الأوضاع فى كل حين، إن شواغل الأمن القومى المصرى أصبحت لا تسيطر على القلة دون الكثرة بل تحولت إلى قضايا شعبوية ليست أفكارًا نخبوية، فالكل يعيش حالة ترقب خصوصا أن الجيران ينظرون إليها كخصم قديم ولا يحترمون التعايش المشترك مع جيرانهم ولا يتورعون عن ارتكاب أبشع الجرائم وخرق أقوى المواثيق وأمتن التعهدات، فإذا كانت الشرعية الدولية لا تردعهم فكيف تتولاهم شرعية الجوار؟! والرغبة المصرية فى إقرار السلم والأمن الدوليين فى هذه المنطقة من العالم، إن استعداد الشعوب وجاهزية الجيوش هى قوة الردع الحقيقية وهى حائط السد الذى لا ينهار، لذلك فإن القيادة المصرية تضع نصب أعينها كل المخاطر المحيطة بنا والتوقعات المحتملة حولنا مع إيمان عميق بأن مصر هى بلد الثوابت الراسخة رسوخ أهراماتها الشامخة وهى فى ذات الوقت بلد الحضارة والولاء للحياة المستمدة كلها من جريان نهر النيل الخالد على أرضها رفيق عمر وشريك وجود ومددًا لا ينتهي.

.. إن مصر بشعبها الكبير وروحها التى لا تضعف وشهادتها المعترف بها فى التاريخ الإنسانى كله هى مصر اليوم التى ترى بعينِ بصيرة كل ما يحيط بها من مخاطر ويتربص بها ويحاول النيل من شعبها أو المساس بأرضها، وسوف تبقى شامخة راسخة حتى لو انفض الكثيرون من الأصدقاء والأشقاء بعيدًا عنها، فهى تدرك أن السلامة الوطنية ترتبط بالحماية القومية وتعطى لمصر مظاهر الريادة وأدوات القيادة رغم كل التحديات والعقبات بل والمؤامرات!


لمزيد من مقالات د. مصطفى الفقى

رابط دائم: