عندما تلقيت نسخة من كتاب الدكتور أحمد جمال الدين موسى، الأكاديمى المرموق ووزير التعليم الأسبق، تلقفت الكتاب بسرعة لألقى نظرة على محتواه. فالعنوان «مشاهد تنبض فى ذاكرة مثقوبة» لا يُنبئ بنوع الكتاب، وكنت شغوفًا وفرحًا بصدور كتاب لشخصية مميزة أعتبرها كنزًا من المعارف المتنوعة. فهو واسع الثقافة، مطلع على الأدب والفنون، وقد تنقل من عمق الريف المصري، من قرية المعاهدة التابعة لمركز السنبلاوين فى محافظة الدقهلية، إلى جامعة هارفارد الأمريكية العريقة. درس القانون والاقتصاد، وهو أكاديمى مرموق تقلد رئاسة جامعة المنصورة وعددًا كبيرًا من المناصب الأكاديمية والقانونية. لهذا، يتسم عالمه بالثراء والاتساع، فقد تعامل مع أجناس من كل بقاع الأرض، ومن جميع الطبقات الاجتماعية، وعاش فى قلب أحداث مهمة. ولأنه شخصية متأملة، كان راصدًا لجوانب اجتماعية ونفسية لنماذج عديدة من البشر ومن جميع المستويات والمناصب. لهذا، كانت المشاهد التى التقطها فى الكتاب الثمين أكثر من مجرد سيرة ذاتية؛ فرغم أنه ذكر أنها بعض المشاهد من سيرته، إلا أنه انتقى واختار مشاهد تنضح بدلالات كثيرة، غنية بالمعاني. وعلى الرغم من حرصه على ترك الحكم لمن يقرأ على تلك الفترات والمشاهد التى انتقاها، إلا أنها مشاهد كاشفة وموحية، مليئة بالكثير مما قاله وما لم يقله. يكفى أن تقرأ بعضًا من تلك المشاهد لتستنتج الكثير عن الحالات المتنوعة والتغيرات التى شهدها المجتمع، وما يحكمه من نظم وأخلاقيات، وما شهد من تطور أو تراجع. تشعر وكأنك عايشت تلك اللحظات وكنت شاهدًا عليها، وشعرت بما شعر به الكاتب. إنها كتابة غنية يصعب تصنيفها تحت نوع محدد من الكتابة أو الأدب، فهى مزيج من معارف شتى، يمكن أن تعين كل من يريد أن يتعرف على المجتمع بتكويناته ونظامه، والنفس البشرية فى ظل متغيرات متنوعة.
وكان الدكتور أحمد قد أصدر من قبل كتابًا كان وحيه مذكرات جده بعنوان «مصر الريفية فى أواسط القرن العشرين: قراءة فى مذكرات جدى»، وهو كتاب غاية فى الأهمية؛ لأنه يرصد وقائع الحياة فى الريف المصرى وما مر به من متغيرات، وانعكاسها على المجتمع الريفي. يعد هذا الكتاب مرجعًا مهمًا لكل من يريد التعرف بدقة واتساع رؤية على تلك المرحلة المهمة فى تاريخ مصر. وكأن الدكتور أحمد فى كتابه الجديد عن المشاهد التى انتقاها أو ظلت راسخة فى ذاكرته، يواصل مسيرة جده فى رصد التطورات التى مر بها المجتمع، بشكل يبدو محايدًا، ولكنه يكشف عن الكثير من ظواهر وحقائق مجتمعاتنا.
لقد تعرفت على الدكتور أحمد عن قرب، واستمتعت بالاستماع إلى آرائه حول كيفية تطوير التعليم وأهمية التركيز على التنمية من خلاله. وجدته موسوعة علمية وأدبية وقانونية، وكنت أسعى دائمًا للاستماع إليه والاستزادة من خبراته، والتعرف على رؤاه التى كانت ثمرة اطلاع واسع على تجارب عديدة وتأملات عميقة لمجتمع يعشق تاريخه وترابه، ويراه قادرًا على صنع المعجزات رغم كل ما مر به من تحديات. يحمل لنا كتاب الدكتور أحمد بعضًا من تلك المشاهدات والإضاءات، بما فيها من ثراء معرفى واسع.
لمزيد من مقالات عــــلاء ثــابت رابط دائم: