العدوان الصهيونى الحالى على لبنان هو الرابع فى 26 عامًا. فشلت الغزوات الثلاث السابقة فى تحقيق أى نجاح إستراتيجى. الخلل الهائل فى ميزان القوة لمصلحة قوات الاحتلال وحلفائها الغربيين مكَّنها من تحقيق إنجازات تكتيكية مؤقتة بأشكال مختلفة. ولكن فشلت فى إنهاء المقاومة.
وعندما نتأمل الآن جيل المقاومة، الذى استُهدف فى غزوة 1978، نجد أنه كان الأضعف مُقارنةً بالأجيال التالية. الاعتداء على المقاومة فى لبنان لا يضعَّفها بل يُقوَّيها، وكأنها طائر الفينيق الأسطورى الذى تتجدد قواه ويُعاد إنتاج دورة حياته مرةً تلو الأخرى.
توغلت قوات الاحتلال فى غزوتها الأولى حتى نهر الليطانى. لم تتمكن من البقاء، أو ربما فضلت الاعتماد على عملائها الذين كونت منهم ما سمته «جيش لبنان الجنوبى»، ودعمته لإقامة حزام آمن لمسافة 10كم, وتعهد وزير الحرب الصهيونى وقتها عيزرا وايزمان بما سمَّاه «تطهير المنطقة المجاورة للحدود مرة واحدة وإلى الأبد»!.
ولكن المقاومة الفلسطينية المدعومة من الحركة الوطنية اللبنانية تواصلت, فكانت الغزوة الثانية التى بدأت جويًا فى أبريل 1982، ثم بريًا فى يونيو إذ اجتاحت قوات الاحتلال جنوب لبنان على متن أكثر من ألف دبابة، ووصلت بيروت وحاصرتها، فاضطرت منظمة التحرير الفلسطينية إلى قبول اتفاق نص على مغادرة ما يقرب من 15 ألفا.
وظن الصهاينة مرةً أخرى أنهم أنهوا المقاومة فى لبنان، وآن لهم أن يواصلوا سعيهم إلى الهيمنة على المنطقة. ولكن ظنهم كان آثمًا كالمعتاد،إذ استمرت المقاومة ضد قوات المارينز الموجودة حينذاك لدعم العدوان، وليس ضد قوات الاحتلال التى انسحبت إلى الجنوب فقط. وحاول الصهاينة فى مايو 1983 عقد اتفاق يتيح لهم تمركز عملائهم فى حزام آمن مستغلين الانقسام الناتج عن الحرب الأهلية. ولكنهم فشلوا إذ تصاعدت المقاومة. ولم يحل انسحابهم من الجنوب عام 2000 بفعل ضربات المقاومة دون نشوب حرب 2006 التى انتهت بأكبر فشل لهم فى هذا المشهد الممتد، ثم العدوان الحالى الذى سيفشل استراتيجيًا للمرة الرابعة حتى إذا نجح تكتيكيًا، وسيُحبط مُجددًا وللمرة الخامسة مشروع تغيير الشرق الأوسط الذى نبقى معه غدًا.
لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد رابط دائم: