رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

نصر أكتوبر وجنون إسرائيل

تداخلت الأحداث الحزينة التي تعيشها الأمة حتى فاتني الأسبوع الماضي تناول ذكرى من أقساها، وهي رحيل الزعيم جمال عبد الناصر 28/9/1970 والتي حدثت أثناء وجودي في موسكو مع الوفد المرافق لسيدة الغناء في إطار جهودها من أجل المجهود الحربي ... لقد كان وجود الزعيم يمثل قدرة الأمة على التحدي والصمود وإلزام الكيان الإرهابي الصهيوني حدوده، وجعله عاجزا عن ممارسة العربدة وارتكاب جرائم الحرب والإبادة التي يرتكبها في غزة والضفة الغربية ولبنان ووصول العربدة والإجرام الصهيونى إلى اغتيال واحد من أبرز زعماء المقاومة السيد حسن نصر الله.

وقبل أن اكتب عن الذكرى الحادية والخمسين لنصرنا العظيم في 6 أكتوبر 1973 اكتب عن مشهد من أهم المشاهد التي حدثت في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أرجو أن يكون دليلا على بداية حدوث يقظة وغضب للضمير العالمي على جرائم الكيان الإرهابي الصهيوني وكان المشهد هو مغادرة أعضاء الوفود التي كانت تحضر المؤتمر قاعة الاجتماعات أثناء إلقاء رئيس الكيان الإرهابي كلمته ورفض مواصلة الاستماع لأكاذيبه، ثم ما أعقب ذلك من مظاهرات قام بها الشباب الأمريكي بعد أن تجمعوا حول الفندق الذي كان ينزل به وينادون بإسقاطه ومحاكمته كمجرم حرب وقاتل وسفاح وبما تستدعي قرارات ووقفات أعنف من شعوبنا العربية والإسلامية أكثر إدانة ورفضا لوجود وممارسات الكيان الإرهابي في قلب الأمة والذي زرعته الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة لإخضاع الأمة وتشتيت قواها وقدرتها لصالح الكيان الإرهابي، وكل ما يواصل ارتكابه الآن من جرائم بحق قوى الأمة وتستهدف وتسقط قيادتها وتحول شعوبها إلى نازحين خاصة في لبنان.

تأتي ذكرى انتصارنا العظيم في حرب أكتوبر 1973 لتذكر الكيان الإرهابي والعالم كله بما تستطيع أن تفعله مصر وقوى الأمة العربية إذا تجمعت وتمسكت واستخدمت جميع أوراق ضغطها لتحقق ما قيل إنه نصر مستحيل، وكيف مهدت حرب الاستنزاف لحدوث النصر وخطة الخداع الاستراتيجي وما جاء في وثائق بريطانية من أسرار جديدة عن حرب أكتوبر من أخطرها النصيحة التي قدمها كيسنجر أهم وزراء الخارجية الأمريكية صاحبة التاريخ الأسود والطويل في دعم إسرائيل، وهو من فرط الضعف والخوف من انتصار الدول العربية يطلب من الدول الأوروبية إرسال رسائل استرضاء إلى الدول العربية المنتجة للبترول وإقناعها بعدم استخدام سلاح النفط لإجبار الدول المؤيدة لإسرائيل على تغيير موقفها وفق الوثائق التي تكشف انتصارنا وهزيمة الجيوش الصهيونية، وبعد ان أوقفت الدول العربية إمدادات البترول عن دول أوروبية عادت الولايات المتحدة لتزود إسرائيل بأقوى وأحدث أسلحة الحرب وتقيم جسرا جويا لسرعة وصولها لتخفيف آثار الهزيمة على الكيان الإرهابي، وبعد النصر العظيم للجيش المصرى وعلى عكس ما فعله كيسنجر من قبل بمطالبة الدول الأوروبية باستجداء مصر والدول العربية لعدم استخدام جميع أوراق الضغط التي بين أيديهم يشرح الفريق الجمسي في مذكراته ما أطلق عليه مقدمات معجزة أكتوبر وكيف قال كيسنجر نصيحتى للسادات أن يكون واقعيا أنها مطالبة ضمنية بالاستسلام، ويكملها قائلا نحن نعيش في عالم الواقع ولا نستطيع أن نبني شيئا على الأماني والتخيلات! والواقع أنكم مهزومون فلا تطلبوا ما لا يطلبه إلا منتصر... لابد أن تكون هناك بعض التنازلات من جانبكم حتى تستطيع أمريكا أن تساندكم، فكيف يتسنى وأنتم في موقف المهزوم أن تملوا شروطكم على الطرف الآخر.. إما أن تغيروا الواقع الذي تعيشونه فيتغير بالتبعية تناولنا للحل وإما أنكم لا تستطيعون وفي هذه الحالة لابد من إيجاد حلول تتناسب مع موقفكم غير الحلول التي تعرضونها.

تاريخ أسود لسكان البيت «الأسود» أرادوا أن يفرضوا فيه هزيمة على المصريين لصالح إسرائيل قبل أن تخوض قواتنا المسلحة حربها التي كان من أهم ما وصفت به أنها غيرت مفاهيم العلم العسكري في العالم، وقلبت موازين القوى الدولية وأنها معجزة عسكرية تدرس عمليتها في أعرق الأكاديميات العسكرية في العالم، ومن أروع ما كتبه الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين في كتابه الرائع «وتحطمت الأسطورة عند الظهر» الذي أنجزه خلال عشرة أيام بعد حرب أكتوبر ويكتب في خاتمته كان 6 أكتوبر امتحانا مجيدا عرفنا منه وعرف العالم أننا نستطيع أن نهزم الهزيمة لا أن نرفضها فقط ونبقى ساكتين، وعرفنا وعرف العالم أننا وقد هزمنا الهزيمة نستطيع أن ننتصر ليس في ساحة القتال ضد عدو عنصري توسعي فقط ولكن أن ننتصر فيها في كل ساحات التحديات التي يطرحها العصر الحديث على العالم العربي بأكمله.

إنه نداء لتجمع الأمة قواها لتقطع الذراع الطويلة التي تدعي الآن أنها تستطيع أن تطول كل نقطة على خريطة الشرق الأوسط وتعيد رسمه وتوزيع قواه، ولعل اعترافاتهم على أنفسهم بعد نصر السادس من أكتوبر تعيد الوعي والذاكرة بالحقائق، ففي دراسة لوزارة الدفاع الأمريكية أن العرب خرجوا بعد أكتوبر وهم صناع التاريخ وأصبح العالم العربي عاملا مهما في تحقيق التوازن السياسي في المنطقة. وفي شهادة من أهم ما كتب عن نصر أكتوبر .د. جمال حمدان أن العالم بعد حرب أكتوبر غير العالم قبلها، ويطلق عليه انقلاب تاريخي وكوكبي، فآثار نصر السادس من أكتوبر ونتائجه السياسية تتجاوز النطاق الإقليمي فتلقى بظلالها وأصدائها على الأفق الكوكبي وسوف يثبت المستقبل أن حرب أكتوبر هي أخطر حدث في توازنات القوى الجديدة في العالم.

وفي نهاية سطوري احتفالا بالذكرى 51 لنصرنا أن السعار والهوس والجنون في الجرائم التي يشنها الكيان الإرهابي الآن على غزة ولبنان هي مردود ذكرى الهزيمة التي أنزلها به المصريون في مثل هذه الأيام من السادس من أكتوبر 1973.


لمزيد من مقالات سكينة فؤاد

رابط دائم: