رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

الدولة بين الهدم والبناء

الفارق كبير جدا بين بناء الدولة وهدمها، وإذا كان الهدم عملية سهلة، وفى متناول أيدى المخربين والحاقدين وأعداء الداخل والخارج، ولا تتطلب أكثر من التشكيك ونشر شائعات خبيثة، وإطلاق فتاوى شاذة، فإن البناء، عملية صعبة ومعقدة، وتتطلب وقتا، وظروفا مواتية؛ لذا فهو فى المقام الأول، ضرورة دينية وحضارية ووطنية واجتماعية، ويحتاج إلى تفنيد المرتكزات الخاطئة لخطاب القطيعة مع الدولة ودعاته، وتعرية أفكارهم إعلاميا، وتصحيح ما يطرأ من انحرافات بصفة دورية.

وليس هناك أسهل من طريق الشر لهدم دولة من الداخل، دون أن تخرج رصاصة واحدة، ودون أن تراق قطرة دم واحدة، ودون أن تقطع آلية عسكرية خطوة واحدة، فقط تغييب العقول، وإفساد كل شيء له قيمة، وضرب الاستقرار والأمان فى مقتل، ونشر الأكاذيب المصنوعة بدقة لزعزعة الثقة، وإرهاق الحكومات فى الرد على الشائعات، فهذا- باختصار- ينقلها إلى مرحلة اللادولة، بتسريب الإحباط، وتغليب السخرية من كل شيء، وفتح نوافذ للغضب، وتهميش كل خطوة نحو الإصلاح وتصغيرها، وإشاعة عدم قدرة الحكومة على مواجهة الأزمات، خاصة الاقتصادية منها، باستغلال موجة ارتفاع أسعار السلع التى قد تكون لأسباب خارجية، وبعيدة عن سيطرة الدولة، مثل تفشى الأوبئة، أو اندلاع حرب فى مكان ذى تأثير على حركة التبادل التجارى وسلاسل الإمداد.


وتقول الأحداث فى الإقليم وخارجه إن الدول التى يتم هدمها لا تقوم لها قائمة، ولا تنهض بعد سقوط، وتجد صعوبة بالغة فى العودة مرة أخرى، وكل ما حولنا يكشف هذه الحقيقة، وبعد 2011 – 2013 نجحت مصر، بإخلاص جيشها الوطنى العظيم، ووعى شعبها، فى التماسك، رغم الخسائر الكبيرة، والوقوف من عثرتها، بعد سنوات طويلة من الجهد والعرق.

وحذر الرئيس عبدالفتاح السيسى، مرارا وتكرارا من مغبة هدم الدولة، وقال، خلال استقبال وفد سودانى من الذين شاركوا فى مؤتمر القوى السياسية والمدنية السوداني، إن تجربة هدم الدول وتخريبها، مريرة جدا، وتضيع الأمة والشعوب والمستقبل أيضا.

إن هدم الدولة لا يحتاج أكثر من، إطلاق فتاوى غريبة، تحرض على تجاوز الحدود، وتحدى القوانين، وارتكاب المحظور، رغم وجود هيئات مخولة بتبليغ الأحكام للناس وبيان الحكم الشرعي، وهى هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية ولجنة الفتوى بالجامع الأزهر ومركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية ودار الإفتاء، ولكن قوى الشر تجرى وراء إضعاف أو تعطيل العقل الإستراتيجى للدولة، ومن بعده عمليات البناء النفسى والوجدانى للإنسان وتشكيله الثقافي.

وسبق أن حذر فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، من الانشغال الإعلامى بالشأن الدينى بغير إعداد علمى كافٍ، والسير خلف فتاوى وآراء فردية يؤدى إلى مزيد من إرباك الناس وتخبطهم.. ودعا الناس لطلب الفتوى من جهاتها المعتمدة، مؤكدا أن الفتاوى المتشددة التى تجعل من المستحب فرضا إلى جوار الفتاوى المتسيبة التى تبيح الحرام انتشرت، وتحولت إلى مسألة ارتزاق.

وتمر منطقة الشرق الأوسط بمرحلة خطيرة من التحولات والتحديات والتهديدات، التى تعوق عملية بناء الدولة، بسبب عدم الاستقرار، بل هى دائما مرشحة للتصعيد والعنف، وهو ما يتطلب الحرص وأقصى درجات الحذر، وهذا ما تفعله مصر منذ سنوات رغم المعوقات والصعوبات، بل انتهجت الدولة المصرية عملية بناء شاملة، ووسط ألغام المنطقة، وحواجزها، تم إطلاق مبادرة رئيس الجمهورية للتنمية البشرية «بداية جديدة»، التى تستهدف بداية جديدة لبناء الإنسان، وإتاحة طريق للمواطن المصرى نحو التنمية الذاتية، والصحية، والتعليمية، والرياضية، والثقافية، والسلوكية؛ من أجل تقديم مواطن صحيح متعلم، متمكن، قادر، واعٍ، ومثقف للمجتمع، وهو ما يأتى اتساقا مع ما التزمت به الحكومة فى برنامج عملها للفترة من 2024إلى 2027.

وخلاصة القول، إن مصر تواجه نوعا من الحروب النفسية التى تستخدم، ببراعة شديدة، التكنولوجيا الحديثة المتطورة، ووسائل التواصل الاجتماعي، وتهدف فى المقام الأول إلى تفتيت الداخل، والتضييق عليه، وإحباطه، وتوسيع المسافات بين الشعب والحكومة، استغلالا لأزمة فى سلعة أو خدمة، أو ارتفاع فى الأسعار، رغم أنه وارد فى أى دولة وأى توقيت، وليس هناك أسهل من التشكيك، وتعظيم الصغائر وتصغير الإيجابيات، والتحريض باسم الدين، وإصدار فتاوى تهدم، ولا تبني، وأولها خسارة، وآخرها خسارة.

وما أعظم أن نتسلح بالوعى الكامل، وأن نجرى مقارنة واضحة وشفافة ومتزنة بين ما نراه على أرض الواقع من بناء، يشهد عليه كل ركن من أركان الدولة، وبين ما أحدثه الهدم فى دول الجوار، بل فى المنطقة بأكملها.. نحن نحتاج فقط لأن نقف مع أنفسنا، قبل أن نسمع من يمسك بمعاول الهدم والتحطيم، لنرى، كيف التهبت الأحداث فى المنطقة منذ شهور عديدة، وما يهدد مستقبلها من حرب على الأبواب، لا يعلم أحد مدى تأثيرها، ومن تحرق نيرانها.

حقيقة، نحن نحتاج لندرك، كيف أثرت أحداث 2011 فى أوضاع البلد، وكم كبدته من خسائر، لا نزال نعانى منها بعد ما يقرب من 14 سنة، وكم شدتنا إلى الوراء بكل قوة، رغم أنهم قالوا إنهم ما فعلوا ذلك إلا طلبا لخير لم يأت، وحل محله خطر محدق وشر مستطير، وما أشد حاجتنا، لأن نبصر بعين الحياد واليقين، كيف يتم بناء جمهورية جديدة، بعيدا عن الصخب والضجيج، وكيف تسير الدولة المصرية فى اتجاه عكسى لما يدور فى المنطقة من اقتتال وصراع، يوشك أن يصل إلى الحرب الشاملة، وكيف تم تجاوز العقبات الصعبة، فى فترة هى الأشق فى تاريخ منطقة، يتطلب العيش فيها الحذر الكامل والوعى الشديد، حتى لا يتم جرنا إلى ما يتمناه لنا أعداؤنا، ولو أنصفنا، ورفعنا عن أعيننا أربطة الظلام، لرأينا أننا على الطريق الصحيح، ويجب ألا ننحرف عنه؛ لأنه ساعتها سيعرف المتآمرون أنهم نجحوا فى مهمتهم، ولكن هيهات أن يتحقق غرضهم الخبيث، لأن مصر أقوى من كل المؤامرات!.

***

وما أعظم أن نتسلح بالوعى الكامل، وأن نجرى مقارنة واضحة وشفافة ومتزنة بين ما نراه على أرض الواقع من بناء، يشهد عليه كل ركن من أركان الدولة، وبين ما أحدثه الهدم فى دول الجوار

[email protected]
لمزيد من مقالات مـاجــــد منير يكتب:

رابط دائم: