لم يعد هناك بد من خلخلة وادى النيل المزدحم بالبشر إلى الاتجاهات الأربعة التى باتت أكثر استعدادا لاستقبالهم أكثر من أى زمن مضى. أى من ذلك لم يكن موجودا منذ عقدين، أو كان موجودا ولكن فى صورة بدائية، وأحيانا موحشة ومخيفة، وربما كان أكبر الأمثلة عليها طريق مصر الإسكندرية «الصحراوي» الذى لم يكن يذهب إليه إلا أولو العزم أو هؤلاء الذين حباهم الله القدرة على امتلاك عربات عالية الجودة والثمن. كان الطريق «الزراعي» هو المفضل، لأنه على جانبيه «ناس»، ولو حدث حادث أو ألم بالسيارة مكروه فهناك من يساعد أو يمد يد العون. والآن ربما نشكو من ازدحام الطرق، ولكن ما كان قبلا هو عدم وجود هذه الطرق، ولم يكن عدد السيارات فى مصر يتجاوز المليونين، أما الآن فقد بلغ العدد عشرة ملايين وأكثر، وفى الحالتين كانت العاصمة تستحوذ على النصف أو أزيد. المهم أن الحالة المصرية تغيرت تماما بفعل شبكة طرق عالمية، وبالمعايير المصرية كانت قفزة عظمى جعلت من القاهرة مدينة بحرية لأنها باتت على بعد أقل من ساعة واحدة عن ساحل خليج السويس والعين السخنة؛ وهى منطقة ممتدة لمائة كيلو من السويس حتى الزعفرانة.
الطريق والسيارة والقطار جعلت مصر أكثر انكماشا جغرافيا عما كانت، لن أذكر المطارات الكثيرة التى اختصرت الوقت لمن يريد المزيد من السرعة، ولكن الدولة أصبحت أكثر قربا من بعضها، ولم تكن لا الواحات، ولا مرسى علم، ولا شرم الشيخ ورأس سدر، قريبة كما هى الآن حتى إن البشائر لاحت أن مصر التى عاشت ستة آلاف عام أو أكثر كدولة برية نهرية أصبح ممكنا أن تصير دولة بحرية كما ينبغى لها أن تكون منذ زمن بعيد وهى التى لها سواحل ممتدة على بحرين وشبه جزيرة سيناء. ثلاثة آلاف كيلو متر من السواحل تحتضن مصر وتجعلها دولة أخرى لها جغرافيا وتاريخ مختلف.
لمزيد من مقالات د. عبد المنعم سعيد رابط دائم: