رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

رحيل الأجيال

سوف يظل التاريخ يطوى صفحاته والزمان يغادر مواقعه، وفى عالم السياسة خصوصًا نعترف بموجات الصعود والهبوط للأنظمة المختلفة فى عالمنا المعاصر، ولو عدنا إلى مقالى الذى كتبته منذ سنوات بعنوان (بورصة البشر) لاكتشفنا أن أسعار الناس تتأرجح من فترة زمنية لأخرى بما يؤكد أن الديمومة هى لله وحده، وعندما قال كامل الشناوى فى رائعته الشعرية التى صدحت بها سيدة الغناء العربى (وتمضى المواكب بالقادمين من كل لونٍ وكل مجال، فمن عصر مينا إلى عصر عمرو.. ومن عصر عمرو لعصر جمال) فإنه كان يرى المشهد الحقيقى لفلسفة الكون ومشيئة الوجود، فالكل يرحل ذات يوم وتبقى الشعوب وتستمر الأمم شاهدة على ما مضى وما هو قادم، لذلك فإن الارتباط بين السياسة والأخلاق ارتباط وهمى والعبرة دائمًا بمسيرة الإصلاح والقدرة على التوجه نحو الغايات الأصيلة للجنس البشرى وهى السلام والاستقرار والرفاهية، ولكن الصراع بين البشر طبيعة موروثة لا أظنها سوف تنتهى أبدًا، وكثيرًا ما أقارن فى خيالى بين مواقف سابقة لزعماء رحلوا وأحداث تلت بعد ذلك مع اختلافٍ فى الرؤية ونوعية التفكير، لذلك فإن احتكار الوطنية أمر لا وجود له كما أن الوهم الدائم عن أننا نمتلك مفاتيح الحقيقة هو أمرٌ مغلوط فللحقيقة وجوه متعددة، وهى أيضًا حمّالة أوجه يراها كل من زاويته، كما أن التضليل والتزييف أصبحا من السلبيات الشائعة فى هذا العصر، ولعل أخطر أحداث القرنين الأخيرين هى الظاهرة الإسرائيلية بكل ما جاءت به من آثار سلبية على الشرق الأوسط وكوارث إنسانية على الشعب الفلسطيني، ولاشك أن مشروع الدولة الصهيونية الذى بدأه فعليًا (هرتزل) فى مؤتمر (بازل) مع نهاية القرن التاسع عشر هو علامة فارقة فى تاريخ المسألة اليهودية ذاتها بحيث جاءت الحربان العالميتان الأولى والثانية لتتركا آثارهما على المسألة وتداعياتها المختلفة عبر الأحقاب الماضية، وقد مضى اليوم أكثر من سبعة عقود على المواجهة الدامية بين العرب وإسرائيل إلا أن المجتمع الغربى لا يزال يرفع شعارات لا يطبقها ويرى الشرعية الدولية تنتهك أمامه وهو يتشدق بحقوق الإنسان ويعبث بحياة البشر، وقد كان أمام الدولة العبرية فرص متتالية للوصول إلى تسوية مع أصحاب الأرض وملاك الحق من أبناء الشعب الفلسطينى المفترى عليه ولكنها لا تريد سلامًا وتتوهم أن ترهيب الفلسطينيين وإزعاج العرب سوف يؤدى إلى تخويف الجميع منها والعمل على إرضائها وهو تفكير عبثى لا يعكس المسار الطبيعى لحركة الأشياء، فالشخوص تتغيّر والأحداث تتوالى ولا يوجد بينها رابطة تصنع قاعدة ثابتة للتغيير والتحول، وإسرائيل تحاول فى خبثٍ مستتر ودهاء شديد أن تترك ظلالاً على الدولة المصرية الصامدة كى تعتبرها طرفًا فى الصراع وليست وسيطًا لحل الأزمة رغم أن مصر قد دفعت أغلى الأثمان من بداية المواجهة العربية الإسرائيلية حتى اليوم إلى الحد الذى يجعلنا نقول إن القضية الفلسطينية هى قضية مصرية أيضًا، ويبقى الجيش المصرى هو أكبر جيوش المنطقة وأكثرها مهنية على حد تعبير وزير الدفاع الأمريكى الأسبق الذى قال ذلك علنًا ذات يوم وكنت شاهدًا مباشرًا له على شاشة التلفزة، ولأن مصر القوية هى أيضًا مصر العاقلة فإنها لا تتحرك بانفعالٍ وتتذرع بالثبات والصبر من أجل سلام المنطقة وسلام شعوبها بغير استثناء، وسوف تظل مصر ملاذًا آمنًا للاجئين من دول الصراع والنازحين للنجاة بحياتهم من وطأة الكوارث التى تلاحقهم، ويهمنى أن أسجل بهذه المناسبة الملاحظات الآتية:

أولاً: إن تزاحم الأجندات الإقليمية وتداخل السياسات الدولية فى الشرق الأوسط قد أصبح أمرًا ملحوظًا، فلإسرائيل أجندتها المكشوفة لاجتثاث جذور الشعب الفلسطينى من أرضه، والإطاحة به بعيدًا عن وطنه، كما أن لإيران إلى جانب أجندتها الإسلامية أجندة أخرى فارسية التاريخ والواقع، وهى تسعى لأن تكون شرطى الخليج بل والمشرق العربى أيضًا مثلما كان يتوهم شاه إيران الذى عصفت به الثورة الإسلامية فى فبراير 1979، ويبقى العرب فى النهاية وكأنهم الأيتام على مائدة اللئام برغم أن بعضهم يغرد خارج السرب ويستبق الأحداث ويسمح بمساحةٍ لإسرائيل لا تستحقها فى ظل سياساتها الحالية.

ثانيًا: إن الذين يتحدثون فى الآونة الأخيرة عن الديانة الإبراهيمية لا يقومون بعمل استباقى بناء، ولكنهم ينقبون فى الماضى دون دراسة أو تمهيد، لأن وصول أهل الكتاب إلى كلمة سواء هو أمر لا ينهض وحده، ولكنه يرتبط بعوامل أخرى عديدة دينية وفكرية وثقافية مع توازن بشرى وعدل إنساني.

ثالثًا: إن الوضع المتفجر فى الشرق الأوسط ليس له سقف، كما أن المضى إلى حدوده الشائكة أمر وارد تمامًا، فكما أن الحرب بين أوكرانيا وروسيا الاتحادية تقع فوق أرضٍ فيها محطتان نوويتان كبريان تتبع كل منها طرفًا فى ذلك الصراع الآسيوى الأوروبي، فإن العالم يبدو حاليًا على مشارف الانفجار أو قل إنه على حافة الهاوية من كل الاتجاهات بينما تدور محاولة تطويق مصر من كل اتجاه ولكن تظل الكنانة عصية على السقوط إلى يوم الدين!


لمزيد من مقالات د. مصطفى الفقى

رابط دائم: