فى ذكرى مولد الرسول الكريم سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم- هناك وقفة، وفرحة للمسلمين وغيرهم، حيث يعيشون فى ظلال يوم خالد فى تاريخ الإنسانية (ميلاد خير خلق الله)، فالنبى لا يماثله رجل آخر (فى تاريخ البشرية) فى الحنكة، وبُعد النظر، والقدرة القياسية على إيصال الرسالة، وتحويل مشروعه من فرد واحد إلى «سيد الجزيرة»، و«رجل الدولة» بلا منازع، وتجذرهما الآن فى العالم كله. إن النبوة لها بريق، وسحر يجعل القلوب تقبل (قبل العقول) بالرضا، والحب.. هكذا كانت دولة القلوب، والعقول على مدى التاريخ، فقد انطلق الإسلام من المدينة (يثرب) ليبنى حضارة عالمية من مدينة هامشية إلى تجربة فريدة لصناعة التاريخ، رغم أنه بدأ فى مكة، التى كانت فى قلب مسار حركة التجارة للمنطقة، وهنا نتوقف أمام كيفية صناعة الدولة أول «دستور» يجمع بين مواطنين مختلفين (الصحيفة)، والتى تظل نابضة، دون بقية المعاهدات، بل ملهمة لكل النظم، والدساتير المعاصرة، حيث كل المتخصصين فى القوانين بعد تطورها يقفون أمامها، باعتبارها مفخرة من مفاخر الحضارة الإسلامية، ومعلما من معالم مجدها السياسى، والإنسانى، وقد كان هدفها تحسين العلاقات بين مختلف الطوائف، والجماعات فى المدينة، والأنصار، والمهاجرين، والفصائل اليهودية.. وغيرهم، حتى يتمكن المسلمون، وجميع الفصائل، بمقتضى الدستور، من التصدى لأى عدوان خارجى على المدينة، وعلينا أن نعلو، ونفخر بهذه القيمة السامية، حيث بهذه الوثيقة أصبحت المدينة دولة «وفاقية» فيها كل الحقوق مكفولة كحق حرية الاعتقاد، وممارسة الشعائر، والمساواة، والعدل، قبل أن تظهر قيم حقوق الإنسان.. وغيرها فى عالمنا المعاصر، وهو ما يلهمنا فى عصرنا الراهن، ويطالبنا بـ«التجديد» فى «فهم» الإسلام، وليس الإسلام نفسه، وهو أمر مشروع، بل مطلوب، مع وقع التغيير، وظهور الجديد، لاسيما فى الأزمنة الحديثة، علما بأن تجديد «الأفهام» فى الإسلام لم يتوقف إطلاقا، لا فى النهضة، أو النكسة، فقد كان الفقهاء فى كل الأحوال يتصدون للنوازل، والحوادث الطارئة التى لم يسبق أن مر بها المسلمون من قبل، ونحن نعيش فى عالم مترابط فيه متغيرات، وأقليات.. وغدا نكمل الحديث.
لمزيد من مقالات أسامة سرايا رابط دائم: