منذ زمن ليس ببعيد، كنت فى زيارة للعاصمة الألمانية برلين ضمن وفد إعلامي، فى مهمة وطنية جسّدت روح الإنجاز والأمل، حيث رافقت الرئيس عبد الفتاح السيسي، وشهدت توقيع العديد من الاتفاقيات التاريخية بحضور الرئيس السيسى والمستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل. ومن بين هذه الاتفاقيات، تلك التى أثمرت إنشاء الجامعة الألمانية الدولية فى مصر. بدا لى حينها أننا لا نربط الحاضر بالمستقبل فحسب، بل نعيد إحياء جذور الحضارات القديمة، ممزوجة بأفكار وتطلعات المستقبل.
واليوم، ونحن نحتفى بافتتاح هذا الصرح المعرفى الضخم فى العاصمة الإدارية الجديدة، التى قص شريطها الرئيس الألمانى فرانك شتاينماير، أجدنى أمام بناء يفيض حداثة، لكنه فى الوقت ذاته ينهل من الماضى العريق. ذلك الطراز المعمارى الحديث، الذى يزينه النحاس فى تجسيد فنى أشبه بأشعة شمس الحضارة المصرية القديمة، يجعل المرء يشعر وكأنه واقف أمام أبواب المستقبل، لكنه لا ينفصل عن أصوله العميقة.
تلك الحجارة المنحوتة بعناية ليست مجرد مادة صماء؛ إنها شاهدة على آلاف السنين من الإنجازات والعلوم التى انطلقت من أرض مصر، وظلت تذهل العالم. ففى كل زاوية من زوايا هذا المبنى الجديد، تتعانق شعاعات الماضى والمستقبل، ليشكلا معًا جسراً من النور والمعرفة، يمتد بين الحضارات. هنا، فى هذا المكان، تتلاقى الأيادى المصرية مع نظيراتها الألمانية لبناء مستقبل مشرق للإنسانية جمعاء، مستقبل يتجاوز حدود المكان والزمان، لينير دروب العلم والثقافة فى مصر وفى القارة الإفريقية والمشرق العربى.
تابعت عن كثب الدور المتنامى الذى تلعبه ألمانيا فى تطوير التعليم والبحث العلمى فى مصر، وكنت محظوظًا بزيارة ألمانيا مرات عدة، حيث شعرت فى كل زيارة بذلك الاهتمام العميق الذى توليه ألمانيا لتمكين مصر من أن تعود منارة للعلم والمعرفة، كما كانت دائمًا. رأيت فى عيون العلماء الألمان تقديرًا لا يوصف للحضارة المصرية، إيمانًا منهم بأن مصر تملك ما تقدمه للعالم، ليس فقط من خلال إرثها الحضارى العريق، بل بما تزخر به من طاقات بشرية مبدعة تؤهلها لتكون منارة قديمة متجددة.
فى خضم تلك الرؤية المشتركة، تجسدت ثمرة من أثمن ما أُنجز فى هذا التعاون، وهى الجامعة الألمانية الدولية بالعاصمة الإدارية الجديدة. هذه الجامعة ليست مجرد مبنى تعليمي؛ إنها درة تاج المشروعات العلمية والبحثية التى طال انتظارها، تحت سقف هذا الصرح، نجد تخصصات متنوعة تغطى شتى المجالات العلمية الحديثة، من علوم الهندسة والتكنولوجيا إلى علوم الذكاء الاصطناعى والصناعات المتقدمة، كلها تضاهى ما تقدمه كبريات الجامعات العالمية.
كلما زرت العاصمة الإدارية وشهدت ذلك التطور المتسارع، شعرت بتدفق الأمل فى داخلى. أملٌ فى نقلة نوعية حقيقية فى التعليم والبحث العلمي، ليس فقط لأن هذه الجامعة تمثل تحفة معمارية تجمع بين الجمال والمعاصرة والأصالة، ولكن لأنها تضم قاعات متطورة، ومختبرات حديثة، ومكاتب مخصصة للبحث والتطوير، إلى جانب وسائل تعليم متقدمة وبرامج علمية حديثة.. وعندما تقرأ قائمة أساتذتها المرموقين وعلمائها البارزين، تدرك أن مصر تخطو بثقة نحو مستقبل مشرق، بثبات وعزيمة لا تهتز.
وجدتنى أتمعن فى بوابة الأمل التى قص عندها الرئيس الألمانى شريط الافتتاح. كان ذلك الشريط رمزًا لبداية جديدة، لمصر التى تفتح ذراعيها للمستقبل، وتحتضن العلم والمعرفة كركيزة أساسية نحو النهضة، استعرضت فى ذهنى قائمة البرامج العلمية المتقدمة، ورأيت فى أذهان أبنائنا الطموح والتحدي، وجدت فى عيونهم عزمًا بأن يثبتوا أنهم قادرون على الوقوف جنبًا إلى جنب مع أقرانهم فى الدول الصناعية الكبرى، وأنهم جديرون بأن يكونوا من العقول التى ستقود عالمنا نحو عصر من الرخاء والسلام.
لمزيد من مقالات عــــلاء ثــابت رابط دائم: