لولا تضحيات الشعوب لبقيت أوطان كثيرة تحت الاحتلال الغربى. ومن أهم ما تُفيدُنا به مراجعة تاريخ الكفاح الوطنى ضد الاستعمار أن كثرة التضحيات لم تُفقد الشعوب وطلائعها المناضلة الثقة فى أن هذا الكفاح بجميع أشكاله هو طريقُ الخلاص من الاستعمار.
لا نجد فى هذا التاريخ إلا أصواتًا نشازا قليلة استكثرت التضحية من أجل الوطن، وفضل أصحابُها الحياة تحت الاحتلال مادام يوفر لهم الطعام والشراب. وكانت تلك الأصواتُ على قلتها مستهجنة مذمومة سواء من الشعوب التى قدمت الغالى والنفيس، أو من النخب السياسية والمجموعات المقاتلة التى قادت الكفاح ضد الاستعمار.
ولهذا فليس غريبًا أن نجد اليوم مثقفين فلسطينيين, وعربًا آخرين, يستعظمون تضحيات الشعب الفلسطينى فى غزة والضفة، ويطلبون ضمنًا أو صراحة وقف الكفاح الوطنى الذى يؤدى إليها، ويلومون من يكافحون. صحيح أنهم قلة صغيرة أيضًا كما كان الحال فى معارك تحرر سابقة. ولكن بعضهم «يتفلسفون» ويُجادلون بأنهم لا يجدون ثمنًا لهذه التضحيات الفادحة، ويرفضون ما يعتبرونها تضحية من أجل التضحية.
وما يجمع هؤلاء وآخرين سبقوهم فى بلدانٍ كانت تحت الاحتلال أنهم لا يعرفون معنى التضحية، فيحسبونها سلعة تُباع مقابل ثمن يحصل عليه المضحون، كمن يبيعُ أقمشة أو أغذية مثلا فى الأسواق. لا يدركون أن التضحية قيمة عليا يُقدمُ عليها المرء من أجل هدف لا يمكن أن يُقدر بثمن، وهو التحرر فى حالة الشعوب التى تخضع للاحتلال. ونتيجةُ التضحية لا تعتبر ثمنًا لها، بل تُعد نجاحا فى تحقيق الهدف المرجو فى وقت قد يطول أو يقصر. ولهذا تفخر الشعوبُ بتضحياتها، ولا يُلتفتُ إلى من يفضلون حياة الدجاج فى الأقفاص مادامت الأعلافُ متوافرة.
ومن هذا الفخر ما ينطوى أحيانًا على إعادة تقدير أعداد الشهداء الذين ضحوا من أجل الوطن، كما فعل الرئيس الجزائرى تبون منذ شهور فى مقابلةٍ تليفزيونية نشرتها الصفحة الرسمية للرئاسة. فقد قال بفخر واعتزاز إن العدد الحقيقى لشهداء الجزائر، فى تقديره، ليس مليونًا بل أكثر من 5 ملايين منذ أول طلقة مدفع استعمارى فى منطقة سيدى فرج عام 1830.
لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد رابط دائم: