كلما تحركت عقارب الساعة، تصاعد القلق من احتمال انفجار برميل البارود؛ فتشتعل النيران فى كل شبر من أرض إقليم الشرق الأوسط، الذى ينتظر بين لحظة وأخرى الانفجار الكبير، بلهيبه الخارق، الحارق.
ولم يعد أحد يستبعد أن تندلع حرب إقليمية، مع ظلام الليل، أو بصيص الضوء، أو شروق الشمس؛ بعد أن أصبحت المنطقة المضطربة، أقرب من أى وقت مضى، إلى نزاع مسلح يأتى على الأخضر واليابس، بسبب صمت المجتمع الدولى أمام التطورات المخيفة منذ السابع من أكتوبر الماضي، وانحياز الولايات المتحدة الأمريكية إلى إسرائيل ضد شعب أعزل، استشهد منه أكثر من 40 ألفا لا ذنب لهم إلا الرغبة فى البقاء على أراضيهم، ونزوح ما يفوق المليونين، إضافة إلى من يسكنون المخيمات على جزء بسيط من أراضيهم بعد الإخلاء الإجباري، ويطاردهم الموت كل لحظة، إن لم يكن بقنابل ومتفجرات جيش الاحتلال وعصاه الغليظة، فمن العطش والجوع والعراء والأوبئة التى تنهش جلودهم ولحومهم وعظامهم.
وتصر إسرائيل على أن تحقق نصرا كاملا، هو أقرب إلى الخيال منه إلى أرض الواقع، بل وتحرج حلفاءها الذين تخلوا عن كل ما تشدقوا به من كلمات إنسانية معسولة، وما صدعوا به رءوسنا من عبارات حول حق الحياة الآمنة، المستقرة، وما سطروه فى كلماتهم حول إنقاذ شعب يتعرض لعملية إبادة جماعية، مدبرة، ويوفرون لها كل وسائل القتل البدنى والمعنوي، ومع ذلك تقف مصر فى خندق الخوف على المنطقة، محذرة من ويلات الحرب الشاملة، وساعية إلى إقرار حلول التهدئة فى ظل ما تقره المواثيق والقرارات الدولية.
ولم يكتف جيش الاحتلال بما يرتكبه من جرائم فى غزة، بل تحول إلى الضفة الغربية فى محاولة جديدة لإخضاع الشعب الفلسطيني، بفرض حصار شامل على مدنٍ كبيرة ومناطق واسعة، مع اقتحامات وهجمات وحشية وعمليات قتل، وتدمير البنية التحتية، وحصار المستشفيات، وإعادة ضم الأراضى الفلسطينية، ويؤجج كل ذلك تصريحات يطلقها وزراء متطرفون فى الحكومة حول المسجد الأقصى، لتنفيذ مخطط اليمين المتطرف فى التهجير القسري، وتصفية القضية.
ولا يخفى على المحللين العسكريين والإستراتيجيين والسياسيين، أن ما يفعله رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو، يدفع المنطقة بأكملها إلى حافة الهاوية، ويفتح جبهات أكثر للحرب، ويشعل الأوضاع، ويقترب بالإقليم من انفجار لا يعلم مداه إلا الله، بعد تواطؤ الولايات المتحدة- رغم أنها لا تريد التورط فى حرب فى عام الانتخابات- وعدم ممارسة ضغطها فى مثل هذه الظروف على حكام إسرائيل، بل يمكن القول إنها استسلمت لمناورات المتطرفين، ومماطلة القادة الإسرائيليين، ولم تعد تظهر فى الأفق نية جادة لإنهاء الحرب الدائرة حاليا على عدة جبهات، وإبطال مفعول مسلسل التصعيد الشامل، الذى يشكل خطرا على الجميع، ولن يكون فى صالح القوى الكبرى صاحبة المصالح فى المنطقة، وستكون له عواقب اقتصادية وسياسية وعسكرية واجتماعية وخيمة.
إن ما يحدث فى غزة ورفح الفلسطينية والضفة الغربية ولبنان والبحر الأحمر، وهو ممر بحرى حيوى للاقتصاد العالمي، وسياسة الاغتيالات، والوضع الإنسانى الصعب فى غزة من معاناة غير مسبوقة فى مخيمات النزوح، وموت الأطفال، ونقص المساعدات الإنسانية والأدوية، يؤكد أن المنطقة أصبحت قابلة للانفجار فى أى وقت، بعد أن تعقدت الأمور، وابتعدت معها نداءات ومفاوضات إحلال سلام دائم، وإقامة دولة فلسطينية، ووقف إنسانى لإطلاق النار، وتخفيف المعاناة عن الفلسطينيين، وتسهيل وصول المساعدات إلى القطاع المعزول، وهو أمر قد يؤدى إلى احتمالات حرب مفتوحة، لن يكون لها نهاية محددة، بل ستكون المنطقة كلها أمام مشهد خطير للانتقال إلى جبهات عديدة، وهو ما سيتبعه سلسلة عواقب مدمرة على العالم كله، بموجات من النزوح، واضطرابات اقتصادية بعيدة المدى، وانتشار العنف، وهو ما يعنى أن الحرب قد تطول الجميع.
إن ما يدور فى المنطقة، قد يؤدى إلى ما لا يمكن تصوره، وهو ما يؤكد ضرورة ضبط النفس إلى أقصى درجة، وحتمية الوقف الفورى لإطلاق النار، وإتمام صفقة تبادل الأسرى والمحتجزين، وإسدال الستار على جحيم الموت والدمار والعنف بعد أن ضاق الإقليم، وتبعثرت أوراقه، ونفد الصبر، وارتفعت درجة حرارة البركان، الذى قد يثور فى أى وقت، وساعتها ستتسع رقعة الحرب، ويتم العبث بالقوانين الدولية.
يقف الإقليم على أطراف أصابعه، ويحبس أنفاسه ويعدها، منتظرا الحكماء الذين يستطيعون نزع فتيل الانفجار عن طريق فتح حوار جاد، صادق، وأمين، لوقف سفك الدماء الفلسطينية، وتطبيق قرارات الأمم المتحدة، وإنقاذ ما تبقى من قطاع غزة الذى انهارت بنيته التحتية، وأكلت الأمراض من عافية سكانه، حتى أصبح أمام كارثة إنسانية متكاملة الأركان.
ووسط كل هذا الظلام، ورغم ستائر الدخان الكثيف الذى يكتم الأنفاس، وتضيق معه الصدور، تتحرك الدولة المصرية منذ اللحظة الأولى، لمنع تصفية القضية الفلسطينية، ووقف الحرب غير المتكافئة التى تهدد المنطقة بكاملها، ونادت ببذل كل الجهود الممكنة للحيلولة دون اتساع رقعة الصراع، وأهمية اضطلاع المجتمع الدولى بدور حاسم وفاعل نحو ضمان توافر الإرادة السياسية التى تحقق التوصل إلى الاتفاق المنشود، والتجاوب مع جهود الوسطاء.
لقد أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي، فى اتصالات ولقاءات مكثفة، من منطلق الدور المصرى الذى يقدره العالم أجمع، ضرورة إطلاق المسار السياسى الشامل الذى تتم بموجبه إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، على أساس حل الدولتين وفقا لقرارات الشرعية الدولية.
ولم يتوقف تواصل الرئيس السيسى مع زعماء العالم، وفى المقدمة منهم الرئيس الأمريكى جو بايدن؛ حرصا على وضع حد للمعاناة الإنسانية الكارثية بالقطاع، ومنع توسع نطاق الصراع، بما لذلك من تداعيات خطيرة على شعوب الإقليم كافة، وعدم التصعيد وضبط النفس، وضرورة احترام سيادة الدول، وتجنيب المنطقة ويلات الانزلاق إلى حلقة مفرغة من المواجهات، واستعادة السلم والأمن الإقليميين.
وتقوم رؤية الرئيس السيسى على خطورة استمرار الحرب بقطاع غزة، وتأثيرها السلبى على استقرار المنطقة، وهو ما يتم التحرك بشأنه مع الوسطاء الأمريكيين والقطريين فى الجولات الأخيرة من المفاوضات التى تعد فرصة أخيرة للمنطقة بأكملها لتجنب الحرب الشاملة، بما لها من تأثيرات صعبة، على إقليم آن الأوان لأن ينعم بالهدوء، بعد عقود من التوتر والاضطراب!.
***
المنطقة كلها أمام مشهد خطير للانتقال إلى جبهات عديدة، وهو ما ستتبعه سلسلة عواقب مدمرة على العالم كله، بموجات من النزوح واضطرابات اقتصادية بعيدة المدى، وانتشار العنف، وهو ما يعنى أن الحرب قد تطول الجميع
[email protected]لمزيد من مقالات مـاجــــد منير يكتب رابط دائم: