لا يدرك المتغطرس بقوته، وهو يدوس على الأضعف ويسعى إلى إذلاله، أنه يزرعُ غضبًا يكبر ويتوسع. ولم يعرف التاريخ الحديث على الأقل، وربما تاريخ البشرية المأساوى كله، غطرسةً إجراميةً من النوع الذى يُمارس فى قطاع غزة منذ أكتوبر الماضى.
يستهين من يعيثون فى الأرض، أى أرض، فسادًا بما تخلفُه أفعالهم الشنيعة فى نفوس الضحايا وأرواحهم وعقولهم. إنه الثأرُ الذى يرتد على الجُناة والمُجرمين أضعافًا، فلا يلومون إلا أنفسهم. ثأرُ تتراكم دوافعه كل يومٍ لدى أطفالٍ وشبابٍ يُجَوعون ويفقدون أحباءهم. أما من لفظ ابنُه أو بنتُه أو زوجُه أو قريب له أو عزيزُ لديه أنفاسَه الأخيرة بين يديه, فلا يمكن تخيل ما سيفعلُه فى أول فرصةٍ تُتاح له لكى يثأر من جُناةٍ لا يشبعون من دماء أهله وشعبه.
من يستهينُ بقوة الثأر يجهل التاريخ. الثأر هو ما أشعل حربًا عالمية راح ضحيتها 50 مليونًا من البشر حسب التقدير الأدنى. كان المنتصرون يشربون نخب انتصارهم وهم منتشين فى مؤتمر الصلح الزائف 1919 الذى قسَّموا فيه غنائم الحرب العالمية الأولى، متخيلين أنهم سينعمون بما حقَّقوه، فلم يمض عقدان حتى كان عليهم أن يدفعوا الثمن باهظًا شديد البهظ.
أذكر أننى كنت فى نقاشٍ حول نتائج الحرب العراقية - الإيرانية فى آخر الثمانينيات حين توقع سياسىُ حصيف أن يكون ثأر طهران شديدًا. تذكرتُ توقعه عندما أُسقط نظام صدام حسين. فقد أدى احتلال العراق إلى ابتعاد معظم العرب عنه، فصارت إيران هى الحضن الدافئ الذى وجد فيه غير قليلٍ من ساسته الجدد حينها ما يُطمئنُهم, فازداد نفوذُها فيه. ثأرت إيران بطريقةٍ مختلفة. ولا غرو فى ذلك، فأشكالُ الثأر تختلفُ مع تباين الظروف. ولكن الثأرُ لغزة لن يكون مثل أى ثأر. قبل أكثر من نصف قرن غنت فيروز «الغضب الساطع آت». ظل هذا الغضبُ مكتومًا فى الصدور. وما أُضيف إليه فى الأشهر الماضية أكثرُ من كل ما تراكم قبلها. ولهذا ربما يكونُ الثأر الناتج من هذا الغضب أشد مما يمكنُ تصوره. ولهذا وجب وقف جرائم إبادة غزة اليوم وليس غدًا.
لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد رابط دائم: