يصعب تفسير اتجاه عدد من الدول الأوروبية إلى صب مزيد من الزيت على نار حرب أوكرانيا اعتمادًا على الاقترابات الملائمة لمثل هذه الحالة فى العلاقات الدولية. لا يوجد تهديد روسى حقيقى على الأرض يُفسر هذا الاتجاه. وليس هناك ما يدل على النيات العدوانية الروسية التى يتحدث عنها قادة بعض هذه الدول, خاصة ألمانيا وفرنسا.
وفى حالة استعصاء التحليل السياسى، أو عدم كفايته لتفسير تطورات صراعية خطيرة، لا مناص من الاستعانة بشىء من التحليل النفسى. يبدو، والحال هكذا، أن بعض حكومات أوروبا مصابة بخوف مرضى «فوبيا» من روسيا. هى حالة «روسيفوبيا» لا تختلف عن حالات مرضية مماثلة أشهرها إسلاموفوبيا. وأعراض هذه الحالة الأوروبية واضحةُ ليس فى تصريحات قادة ومسئولى بعض دول القارة فقط، ولكن أيضًا فى مراجعة سياساتها الدفاعية والتوسع فى الإنفاق العسكرى وزيادة التسلح إنتاجًا وشراء بمعدلات غير مسبوقة. ومنها أيضًا محاولات التقارب الجارية الآن بين فرنسا وألمانيا المتنافسين على قيادة الاتحاد الأوروبى. ولم تكن زيارة ماكرون إلى ألمانيا قبل أيام وهى الأولى لرئيس فرنسا منذ عام 2000، إلا أحد أبرز هذه الحالات.
غير أن أخطر أعراض «روسيفوبيا» الآن هو سماح ألمانيا باستخدام أسلحة تمدُ أوكرانيا بها فى ضرب الأراضى الروسية، بعد أن كان تزويدها بهذه الأسلحة مشروطا بعدم تجاوز المناطق الأوكرانية التى سيطرت عليها موسكو. ويعنى هذا إعطاء كييف الإذن للانتقال من الدفاع والسعى إلى تحرير ما يتيسر من أراضيها إلى هجوم قد تكون عواقبه خطيرة، حتى إذا كان المقصود ضرب مناطق قريبة من حدود أوكرانيا كما يُفهم من بيان نشره شتيفن هيبسترين المتحدث باسم المستشار الألمانى فى 31 مايو الماضى. كما تحدث ماكرون فى 28 مايو للمرة الأولى عن ضرورة السماح لأوكرانيا«تحييد» قواعد روسية تُستخدم لشن هجمات عليها.
ويحمل هذا التطور فى طياته احتمال توسيع نطاق حرب أوكرانيا بكل ما يفتحه من أبواب خطرٍ لا سابق له منذ الحرب العالمية الثانية، بعد أن نجحت واشنطن فى خلق حالة «روسيفوبيا» لدى حكومات بعض الدول الأوروبية.
لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد رابط دائم: