تغير وجه مصر خلال عقد واحد، دلتاها وواديها، صحراؤها وهضابها، بحيراتها وبحارها، تمدد العمران لأكثر من ضعف المساحة المأهولة، ظهرت عشرات المدن الجديدة على خريطتها المتوسعة، تشق صحراءها الطرق الحديثة والعريضة لتنبض بالحياة، وسكك حديدية سريعة تربط أرجاءها طولا وعرضا، وعاصمة إدارية جديدة بمواصفات عالمية ونموذجية لمدن الجيل الخامس، تشع أضواء حداثتها فى جميع أرجاء مصر، فالحداثة والتطوير معديان كما الإهمال والتراجع، وملحمة التحديث ماضية وبكل سرعة، تحمل فرص الأمل فى حياة أفضل، وتبث روح التحدى والنجاح فى مختلف المجالات، تتقدمها مشروعات القوات المسلحة، التى كان لها الفضل فى إنجاز الكثير من المشروعات القومية الضخمة، فمن كان يمكنه تطهير بحيرات المنزلة والبرلس وإدكو؟ ونقل آلاف الأطنان من المخلفات التى أوشكت على طمر تلك البحيرات، التى أصبحت تنتج أفضل أنواع الأسماك، وانتشرت فيها المزارع السمكية، والكثير والكثير من مشروعات البناء والتشييد وإقامة الكبارى والأنفاق والطرق الحديثة.
هل كان بمقدور القطاع الخاص أن يتحمل تلك الأعباء؟ أو لديه القدرة المالية والفنية على تحويلها إلى حقيقة خلال هذا الوقت الوجيز؟ لا نحتاج إلى إجابة، ولكن علينا أن نقدم الشكر والتقدير لمن حققوا تلك الإنجازات، التى لولاها ما توافرت البنية الأساسية لأى مشروعات صناعية كبيرة أو صغيرة. أما المشروعات الإنتاجية فى مجالات المزارع السمكية وإنشاء الصوب الزراعية فلم يكن جهاز مشروعات القوات المسلحة ينشئها لكى يحتكر السوق، أو ينافس القطاع الخاص، إنما كان يقدم نماذج لمشروعات ناجحة لم يكن يقدم عليها الكثيرون، وأعطى نماذج كثيرة ناجحة، حققت طفرة إنتاجية، وذهب إلى الصحراء القاحلة، وحولها إلى مزارع تنتج أفضل أنواع الخضر والفاكهة والنخيل، واستخدم أحدث أنواع الري، وأدخل معدات زراعية حديثة، سرعان ما انتشر استخدامها، وشجعت الشباب ورجال الأعمال على تكرار النجاح، بعد أن رأوا النماذج الناجحة، فاندفعوا بثقة، وأقاموا مشروعات ناجحة فى قلب الصحراء، وأصبح لدينا دلتا جديدة.

المشروعات التنموية العملاقة كثيرة، لا يسعنى أن أتناولها جميعا فى مقال واحد، لهذا أود أن أتحدث عن مشروع واحد لم يأخذ حظه من توضيح فوائده ونتائجه، وهو مشروع محطة الضبعة النووية، الذى يقام حاليا فى منطقة لم تأخذ حظها من التنمية، والواقعة فى أقصى الشمال الغربي، وكان قد تقرر إنشاؤه فى السبعينيات، ومثل مشروعات وأحلام كثيرة تأجلت، حتى جاء الرئيس عبدالفتاح السيسي، لينفض عنه الغبار، ويضعه على قائمة المشروعات القومية الهامة، فالمحطة النووية مكونة من أربع وحدات، كل منها ينتج طاقة كهربائية قدرها 1200 ميجاوات، بإجمالى 4800 ميجاوات، وإذا علمنا أن إجمالى الطاقة الكهربائية المولدة من السد العالى قدرها 1600 ميجاوات، يمكننا تخيل حجم إنتاج محطة الضبعة النووية، التى تبلغ 3 مرات إنتاج السد العالي، ونعرف جميعا ما أحدثه السد العالى من تغيير فى حجم استهلاك الطاقة الكهربائية، التى أضاءت الريف المصرى وقامت عليها صناعات كثيرة، منها مجمع الألومنيوم بنجع حمادي، والتوسعات فى صناعة الحديد والصلب وغيرها من الصناعات الإستراتيجية، ولهذا فإن مشروع محطة الضبعة النووية ليس مجرد توليد طاقة كهربائية مستدامة وقليلة التكاليف، وإنما سيغير وجه الحياة فى الساحل الشمالى الغربي، حتى عمق الصحراء الغربية التى لم تطأها أى قدم تقريبا، فهى شبه مهجورة ما عدا شريطا ضيقا على الساحل، أما عمق الصحراء الغربية فلم يحظ بأى تنمية، بل ظل مهجورا نادر السكان والأنشطة.
فماذا ستفعل محطة الضبعة؟ سينشأ حولها كثير من الصناعات المعتمدة على الكهرباء، وتجمعات خدمية وصناعات تكميلية، ليس هذا فحسب، فهناك المياه المحلاة التى ستنتجها المحطة النووية، بما لديها من طاقة حرارية عالية، وهذه المياه مع مياه الأمطار الموسمية، ومياه الآبار ستمنح الزراعة فى تلك المنطقة دفعة قوية، لاعتمادها على مصادر متنوعة من المياه، وبذلك تتوافر الصناعات الكثيفة والمتطورة، مع زراعة بنظم رى حديثة، وهما أهم عنصرين للتجمعات العمرانية الكبيرة، خاصة أن مصدر الكهرباء متوافر بقوة كبيرة، وهذا ليس كل شيء، فالمحطة النووية المتطورة سيعمل بها مهندسون، وتحتاج إلى عمالة فنية ماهرة، وتخصصات عديدة، فالطاقة النووية لا تنتج الكهرباء فقط، بل هناك إنتاج أدوية واستخدامات فى صناعات حديثة عديدة، ولهذا سينشأ مجمع بحثى وعلمى كبير، وكليات متخصصة، وتلك المراكز العلمية سترتبط بالصناعات الحديثة، وستكون لدينا كوكبة من العلماء والباحثين فى مختلف المجالات، سواء فى صناعة الأدوية، أو الاستغلال المتنوع للطاقة النووية، بما ينمى ثروتنا البشرية فى واحد من أهم المجالات العلمية والبحثية والصناعات المتقدمة.
إن الصحراء الغربية لن تكون مهجورة بعد استكمال إنشاء محطة الضبعة النووية، وستتحول إلى مركز جذب سكانى وعمراني، وتتسع المساحة المأهولة فى مصر أكثر وأكثر، ولن يقتصر إنجاز الرئيس عبد الفتاح السيسى على أنه ضاعف تلك المساحة المأهولة بمقدار الضعفين فى 10 سنوات فقط، وهو معدل لم يسبقه إليه أحد، ولا يمكن تصور تحقيقه فى تلك الفترة الزمنية القصيرة، ولم يكن مجرد توسع، بل كان التوسع مع تحولات كبيرة فى مسار التنمية بمفهومها الواسع، فهى تنمية للإنتاج الصناعى الحديث، وتنمية للزراعة الحديثة، وتطور عمرانى وسكاني، وتطور فى القوى البشرية، ومركز لإنتاج الباحثين والعلماء، وفرص عمل متنوعة ومنتجة، وخدمات منتعشة، مع فرص لتطوير المناطق السياحية والترفيهية.
هذا هو نموذج التنمية الذى يحققه الرئيس عبد الفتاح السيسي، من خلال مشروع واحد، لكنه مشروع يتسم بالاستمرارية والديمومة والقدرة على التوسع والتطور، ويحقق لمصر الكثير من الفوائد، ويضعها على أعتاب الطفرة التنموية الشاملة، وهذا أهم أهداف الجمهورية الجديدة، التى بدأت ملامحها تتكامل، وتحقيقها كان حلما بعيد المنال، وثمنها كان الكثير من الجهد الشاق والقدرة على التحمل والرهان على رصيد كبير من الثقة، يتجدد مع كل مشروع تنموى كبير، ومع كل نجاح يتحقق، ليؤكد أن شعب مصر جدير بالتقدم وقادر على تحقيق المعجزات، متى توافرت لديه القيادة الجديرة بالثقة، والقادرة على تخطى الصعاب.
لمزيد من مقالات بقلم ــ عـــلاء ثابت رابط دائم: