رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

جاوز الظالمون المدى

ما يريحنى ويثلج صدرى وينزل على نارى بردًا وسلامًا، ويقوّى إيمانى وعزيمتى ووطنيتى ومصريتى وعروبتى وإنسانيتى وعقيدتى وبوصلتى أن رئيسى غضبان أكثر منى، وتحت جناح غضبته الصارمة قد قال ما أود قوله وزيادة كى أزدرد راضية مرضية ما يسكن على طرف لسانى، وفى خطابه الحاسم الحازم أراه يفصح عمّا لا شىء عندى أضيفه إليه، وفى خطه الأحمر أستشعره يرسمه بمداد غليان دمائى، ان لاتهجير للفلسطينيين إلى سيناء فدونه الموت، وفى شموخه قد سكن علياء مكانتى كمصرية لا تكسرها المحن ولا يعوزها الصبر ولا تُركعها الأزمات ولا تُغريها الوعود ولا يزلقها معسول الكلام ولا يُرهبها التهديد ولا تثنيها الإشاعات ولا تُحبطها الأقاويل ولا تهزها تحولات فى الأقربين ولا تباغتها مكائد المتربصين، وعلى مدى تعقله أجده كصانع للقرار لايستدرج قوته مديح، أو يعجله انفعال، أو تدفعه حمية، وفى رحاب إنسانيته ألقاه يسبقنا تأثرًا بترهيب البشر وتحطيم القيم، وبما يلقاه طفل فلسطين من هول، وما تتعرض له أمه العزلاء من انتقام وحشى، وما يمزّق العجوز أشلاء، وما يلقى المريض من فناء، وما يستقبله جنين يخرج من رحم الضحية مجندلا بخلاصه ورصاصه ليصرخ بائسًا فى البرية فلا ينصت لأنينه المستسلّم للخمود عالم غربى غليظ القلب يهرع لإجراء عملية مصران لكلب، ويرتدى كآخر صيحات شذوذه مسوح الكلب ليمشى مختالا على أربع خلف مقوده فى يد شاذة مثله، ويسد أذنه متعمدًا مع سبق إصرار وترصد مُناصرًا صوت المدافع والقذائف والأزيز، مزودًا شيطانها الملعون بالسلاح والمديح والأحضان والمؤازرة وحاملات الطائرات وصواريخ تفجّر قارات وليس بضعة سكان عُزل يعيشون تحت وطأة حصار الموت والجوع والظمأ والظلام، وجراح بفوهات مفتوحة عنوة من وطأة القنابل الفسفورية والعنقودية فى مدينة تتعرض لخطط جهنمية مستنسخة من معارك الحرب العالمية الثانية التى تقتسم الأرض مسطحات ومربعات تأتى على كل منها لتساويه بالأرض كالعهن المنفوش لتُكمّل جحيمها أحدث الأسلحة الأمريكية: اللدغة الحديدية وطائرات الفالكيرى بدون طيار والشعاع الحديدى المطوّر للقبة الحديدية ليتكامل اعتراضها لمسار الصواريخ المضادة!!

عيونى تتجه الآن وفقط إلى الأحمر للفظة «عاجل» أسفل قنوات التليفزيون وعلى شاشة الموبايل، لكن العاجل هذا لم يعد عاجلا أو واقعيا أو فى السريع، ولم يعد يجارى رغم عجلته طاحونة الأحداث الدامية المتتالية، حتى ولو كان أحدث خبر قد جرى منذ أربع دقائق فقط، فى هذا الزمان العصيب أصبح الفارق بين عاجل وعاجل دهرًا كاملا يقوم فيه عالم وينهد عالم وتتهاوى أبنية على رؤوس سكانها، ويهرع سكان إلى ما لا ملاذ، وتبقر بطون مستشفيات، وينهار نظام صحى بكامله ويكمّل نزلاء الرعاية مواتهم والمسعفين يلقون حتفهم، ويكتبون على أذرع وسيقان الأطفال أسماءهم كمشروعات شهداء، وتتكدس جثامين تحت وابل قصف وحشى بلغ ٤٠٠ غارة فى ليلة الثلاثاء الماضى وحدها ليغدو العدد صباح الأربعاء ٥٧٩١ شهيدا بينهم ٢٣٦٠ طفلا و٢٩٢ سيدة و٣٠٠ مسن.. المجزرة المتمادية على الشريط الأحمر «عاجل» تخلف على مدار الثوانى أهوالا يخجل منها العصر الحجرى وأكلة لحوم البشر، وتحول العمران دمارًا، والبيوت قفرًا، والأطفال أشلاء، لكن ما تفعله إسرائيل الآن فعلت مثله من قبل وقبل فى دير ياسين وقانا وصبرا وشاتيلا، وازدرت بالقيامة والأقصى والحرم الإبراهيمى واستباحت جنين ونابلس ورام اللـه، وأنزلت أطنانا من القنابل على رؤوس الفلسطينيين، ولكنها كانت تستفيق فى كل مرة على أطفال أنضجوا الحصى فى قِدر العزيمة، وسخروا الأبابيل التى انقضت على الكواسر فى أكثر من مشهد للمقاومة ــ ليس ينسى ــ أسماها تاريخ النضال «أطفال الحجارة».


وإذا ما كانت أعداد الضحايا فى غزة الآن تفوق الحصر فيجدر بنا ألا ننسى أعداد القتلى الفلسطينيين بها فى عهد الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما حيث لم تصدر واشنطن أى إدانة بل صوتوا فيها بالإجماع لصالح دعم الإجراءات الحربية فى غزة وإدانة عملية إطلاق الصواريخ غير المبررة على إسرائيل، مطالبين السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس بحل اتفاق الشراكة فى حكومة لا تمثل الشعب الفلسطينى فى تقرير المصير.. وتوزع إسرائيل المنشورات التحذيرية وقتها على أهالى غزة تقول فهيا «عليكم ألا تعودوا إلى بيوتكم حتى إشعار آخر، ويجب إخلاء الملاجئ العامة والمعروفة فى غزة، وممنوع الاقتراب من الجدار الأمنى، وكل من يقترب يعرّض نفسه للموت، فمدينة غزة أصبحت ساحة معركة.. عليكم إخلاء بيوتكم فورا والتوجه إلى جنوب وادى غزة»..

وما حدث فى ٧ أكتوبر الفلسطينى ليس حالة استثنائية فى تاريخ الصراع الفلسطينى ــ الإسرائيلى، فقد سبقتها مقاومة فلسطينية أخرى أذهلت زمنها بعمليات لم تقل ضخامة والفارق الوحيد أن وسائل التصوير كانت محدودة، ونوافذ الإعلام مغلقة، وهذه الأيام احتل مقال الكاتب الإسرائيلى «روجل ألفير» فى صحيفة «هاارتس» الصدارة بترجمته من العبرية إلى جميع اللغات الأخرى والذى كتبه تحت عنوان «إسرائيل مرة أخرى اختارت الموت» وجاء فيه: «نحن بوصفنا أشخاصا مصابين بالعمى ننجر إلى الحرب وراء زعيم يفكّر فى نفسه فقط، زعيم له مصلحة شخصية فى إطالة هذه الحرب التى ستمتد نهايتها بشكل متعمد وغامض إلى ما بعد الشتاء، حيث يمكن أن تقودنا إلى صراعات إقليمية متعددة الجبهات، بل إلى صراعات بين الدول العظمى.. الحرب يمكن أن تنتهى باحتلال القطاع ولكن من يقف على رأسنا هو الشخص الذى سبق أن ألحق بالدولة ضررا أكبر مما لحق بها طوال تاريخ.. إنه مهندس الدمار الذى تسير إسرائيل وراءه كالعادة بخنوع واضح وبالتضحية بالمخطوفين على أنغام طبول الحرب بمنطق كارثى.. إسرائيل مرة أخرى اختارت الموت ودائمًا الموت الإسرائيلى هو المحتم»..

وفى نفس الصحيفة «هاارتس» كتب المحامى ميخائيل سفارد المتخصص فى القانون الدولى: «نحن الإسرائيليين قد فرضنا على الفلسطينيين اللجوء على مدى ٢٥ سنة وفرضنا عليهم الاحتلال على مدى ٥٦ عاما، وفرضنا على سكان غزة ١٦ سنة من الحصار حتى أدى كل ذلك إلى تآكل مبادئ الأخلاق لدينا، وإلى ترسيخ واقع يقول إن هناك بشرا أقل قيمة منا بالكثير.. إن الفساد الأخلاقى خطير على وجودنا بدرجة لا تقل على خطر حماس».

و.. بئس من قال عن أن أهالى فلسطين لم يكونوا على وعى بما يدبر ويخطط لهم وعلى أرضهم، ففى ٢٤ يونيو ١٨٩١ أرسل أعيان القدس برقية إلى الصدر الأعظم فى الأستانة يشكون فيها من ازدياد أعداد المهاجرين اليهود إلى فلسطين وسرعة تملكهم للأراضى بها، ويطالبون بوقف هذه الهجرات، ووقف تملكهم للأراضى.. وكانت القدس وقتها تخضع إداريا للصدر الأعظم مباشرة، لكنه مع السلطان العثمانى عبدالحميد كانا فى شغل آخر فلم يعطيا أذنا صاغية للصرخة المبكرة، واستمرت الهجرات فى ازدياد لتتسع الممتلكات الصهيونية فى فلسطين.. وإذا كان الأعيان قد خاطبوا الدولة ممثلة فى الصدر الأعظم فإن الأهالى أرسلوا صرختهم للصحافة التى تتمركز فى مصر، وكانت مجلة «أبوالهول» الشهرية التى تصدر فى القاهرة يحررها الإخوة الفلسطينيون وصفحاتها مخصصة لرسائلهم التى غالبًا ما يشكون فيها من تعسف الولاة والرشاوى التى يتلقاها هؤلاء لتسهيل الهجرات الصهيونية وتملك المهاجرين للبيوت والأراضى، وتناول كبار الكتاب قضية ازدياد الهجرات اليهودية إلى القدس مثل الأمير شكيب أرسلان وأمين أرسلان الذى قام بتغطية المؤتمر الصهيونى عام ١٨٩٨ وكان مراسلا بجريدتى المقطم والأهرام، وجاء فى رد الكتاب اليهود عن تلك الهجرات بأنها تُمثل إضافة للسلطة العثمانية لأنها تعنى قدر تسامحها عندما تفتح أبوابها لليهود وتمنحهم الفرص، بينما الدول الأوروبية تضطهدهم وتطردهم، وأن المهاجرين اليهود بما يمثلون من نشاط اقتصادى يعدون إضافة لاقتصاد الدولة العلية ومصدرا لازدهارها.. وبالفعل ظل طرد اليهود من أوروبا ظاهرة جديرة بالدراسة على مر مئات السنين منذ طردهم ــ كما تنقلتها الأرقام المتداولة على صفحات التواصل الاجتماعى ــ من فرنسا عام ١٠٨٠ ومن جمهورية التشيك ١٠٩٨، ومذبحتهم فى كييف فى ١١١٣، وطردهم ثانية من فرنسا فى ١١٤٧، ومن إيطاليا ١١٧١، ومن انجلترا على مدى السنوات ١١٨٨ و١١٩٨ و١٢٩٠ ومن سويسرا مع إعدام ١٠٠ يهودى شنقا فى ١٢٩٨ ومن فرنسا عندما تم حرق ٣٠٠٠ منهم أحياء فى ١٣٠٦ ومن إسبانيا حيث تم إعدام ٣٠ ألف وحرق ٥٠٠٠ أحياء فى ١٣٩١، وبعدها فى فرنسا فى ١٣٩٤ ومن بولندا فى ١٤٠٧، وطردوا من إسبانيا وصدر قانون يحذّرهم من دخول البلاد إلى الأبد فى ١٤٩٢ وفى صقلية ١٤٩٢ ومن ليتوانيا وكييف فى ١٤٩٥ ومن البرتغال ١٥١٦، ويحذر عليهم الخروج من أحياء خاصة بهم فى صقلية عام ١٥١٦ وطردوا من النمسا عام ١٥٤١ ومن البرتغال ١٥٥٥، وتقليص معيشتهم داخل أحياء خاصة فى روما فى ١٥٥٥، ثم طردوا من إيطاليا فى ١٥٦٧، ومن ألمانيا ١٥٧٠، ومن فرنسا ١٥٩٢، ومن سويسرا تباعا عام ١٦١٦ و١٦٣٤ و١٦٥٥ وفى عهد فيليب الرابع طردوا من إسبانيا والبرتغال فى عام ١٦٢٩ ومن كييف فى ١٦٦٠ وبمرسوم من فيليب الخامس تم طردهم من سويسرا فى ١٧٠١ وفى عام ١٨٠٦ صدر إنذار لنابليون بطردهم عام ١٨٠٦ ومن كييف ١٨٢٨ ومن ألمانيا إبادة جماعية عام ١٩٣٣.. وفى ١٤ مايو ١٩٤٨ نشأت دولة إسرائيل على الأراضى الفلسطينية ليأتى شهر أغسطس فى عام ٢٠٢٢ أثناء زيارة الرئيس الفلسطينى محمود عباس لألمانيا ليسأله المستشار الألمانى أولف شولتس عما إذا كان سيعتذر نيابة عن المسلحين الفلسطينيين الذين نفذوا عملية احتجاز الرهائن فى أوليمبياد ميونخ التى قتل فيها ١١ رياضيا إسرائيليا فى عام 1972 فتجنب عباس الرد المباشر ليجرى مقارنة مع الوضع فى الأراضى الفلسطينية متهمًا إسرائيل بارتكاب ٥٠ مذبحة أى ٥٠ هولوكوستا ضد الفلسطينيين منذ عام ١٩٤٧، ومن المُضحك المبكى أن ألمانيا الآن تصف عملية «طوفان الأقصى» بأنها تذكرها بما كان يقوم به النازيون مع اليهود!! والذى يتابع أحاديث رئيس الوزراء الإسرائيلى وتصريحاته يقتنع بما ليس فيه مجال للشك من أن هناك خطأ لدى الرجل، فرجل يبرئ هتلر من قتل اليهود ليلصق التهمة بالحاج أمين الحسينى ليغدو الفلسطينيون بأى شكل هم المسئولون عن الهولوكوست هو رجل يحتاج إلى علاج عاجل وسريع، وأحدث أخبار الثنائى المتحول من بعد ذهاب ميركل المستشارة الألمانية الحكيمة المتزنة ذات الوزن العالمى والميزان التوافقى والحضور القوى أن إسرائيل قد قدمت لخليفتها المستشار أولاف شولتر بالأمس إغراء على درجة كبيرة من الأهمية وهو إمكانية تعديل اتفاقية لوكسمبورج التى تنص على التزام ألمانيا بدفع تعويضات قدرها ٣ مليارات لإسرائيل تم دفعهم على مدى عشر سنوات، بالإضافة إلى دفع معاشات شهرية لكل اليهود أبناء وأحفاد المتضررين من الهولوكوست البالغ عددهم اليوم ٢٧٨٠0٠ يهودى على مستوى العالم.. والسؤال فيما إذا كان سيادة المستشار يستطيع الوقوف أمام هذا البحر الزاخر من الإغراء، أو أن يقول فى غياب الإنسانية بالمحافل الدولية: «بلاها وقف النار فى غزة»، وذلك فى مقابل إزالة عبء المبلغ الخيالى من على أكتاف الخزينة الألمانية سنويا لمعاشات أحفاد أحفاد أحفاد الخ.. الهولوكوست الذى دأبت إسرائيل تُضخّمه وتؤصله وتعنونه وتُزكيه وتبعثه وتحييه وتفرده وتطويه وتلعب كما يحلو لها فيه لتضعه سيفًا على أعناق الدول والعباد!!

و..إذا ما كان الغرب المنتصر فى حربين عالميتين ١٩١٤ و١٩٤٥ قد أعطيا ما لا يملكان «فلسطين» إلى من لا يستحق «الحركة الصهيونية» على فرضية فاسدة «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض» وسكت بعدها وغض البصر عن الإمعان المتمادى لإسرائيل فى رفض وعدم تطبيق جميع القرارات الدولية، والوقوف إلى جانبها فى إفشال كل الحلول الآيلة إلى إقامة حل الدولتين، ومهما تفعل إسرائيل من قتل جماعى وتهجير لم يعد أحد ينتظر من دول هذا الغرب دورًا نزيهًا بعدما سقطت ورقة التوت عنهم ليؤيدوا المعتدى بمباركة غربية تسير كالجوقة من خلف سيدها الروبوت الذى تبلدت مشاعره من بعد مقتل ابنه فى حادث فلم يعد تعنيه الخسائر البشرية بدلا من أن يزداد تعاطفا مع آلام الإنسانية، الذى يخاطب الهواء، ويكبو أينما صعد وسار، وينادى على المرحومة أمه وسط المؤتمر الغاص، ويروح شمال والمفروض يمين، ويسلّم على حارسه بدلا من الضيف الرسمى، ويكسفه الابن الضال بتفجير المستشفى المعمدانى بغزة فيضطر من كسوفه الإذعان لإلغاء اجتماع طارئ لإحلال السلام، وفى تشبثه بالكرسى يضم «بيبى» لأحضانه تزكية للانتخابات الأمريكية القادمة التى يعول فيها على الصوت الصهيونى بعدما أعلن عن صهيونيته القديمة وهو عضو شاب بالكونجرس الأمريكى، وفى موقعه المهتز بالمكتب البيضاوى الذى زادته اليوم أرجحة جنون مذبحة صالة البولينج فى ولاية «مين» التى خلفت 22 قتيلا و50 جريحا تعلن واشنطن دعمها الكامل لإسرائيل وتُظهر العين الحمراء لمنافسيها فى المنطقة مبادرة بتقديم المساعدات العسكرية والسياسية والدبلوماسية والإعلامية مباركة الموقف الإسرائيلى العنيف منذ اللحظة الأولى ذاهبة أبعد بكثير عندما أعطت إسرائيل الضوء الأخضر كى تفعل ما تريد، وزيادة فى التعضيد حذرت دبلوماسييها من استخدام عبارت «وقف إطلاق النار، ووقف التصعيد وإنهاء العنف، ووقف سفك الدماء، أو استعادة الهدوء» على أساس أن هذه العبارات لا تتماشى مع سياسة واشنطن الراهنة.. وسار الغرب المبرمج على خُطى الكتالوج الأمريكى بجدارة مقيتة فآخر مدى طلباته الإفراج عن الرهائن.. وإذا ما كانت مذبحة البولينج قد جاءت فى سلسلة الأحداث الملتاثة فى الولايات المتحدة نتيجة للسلاح المعروض للبيع بلا ضابط فى محلات البقالة والسوبرماركت الأمريكية، فهناك الآن مقابلا فى إسرائيل لدى اليمين الإسرائيلى المتطرف حيث قام «إيتمار بن غفير» بتوزيع السلاح على المستوطنين فى الضفة الغربية بما ينذر بمزيد من حمامات الدم الجديدة.

تسلم نيتنياهو من أرييل شارون مهمة ضم الأراضى وتوسيع الاستيطان وتقزيم حقوق الفلسطينيين لإنهاء أوسلو وتدمير الدولتين مسترسلا فى إبادة متدحرجة، مُتذرعًا بغياب الشراكة الفلسطينية لعرقلة مشروع السلام وإنهائه، وكانت جميع الممارسات الإسرائيلية ترفض السلام على الدوام وتُسقط المبادرات وتعطل الاتفاقات وتستبطن المناخ الملائم لتنفيذ أكبر ترانسفير باتجاه سيناء والأردن، فيما كانت التعديات الإجرامية اليومية تستعجل الانفجار ــ وفى مذكرات حسب اللـه الكفراوى ذكر رفضه الباتر منح آرييل شارون منطقة وادى كركر بجنوب مصر ومنطقة المثلث ما بين الفيوم وبنى سويف والجيزة ــ وواقعيا إن الضغوط على غزة سابقة على طوفان الأقصى، فسجن أكثر من مليونى غزاوى كان سيفضى ولابد إلى ثمن مؤلم يدفعه السجان، ولقد قيل الكثير عن ٧ أكتوبر الفلسطينى، وهو حدث قابل للتكرار أبرز ما فيه كسر الغطرسة الصهيونية، مع الاعتراف بانهيار الأمن وتمزيق أوهام الهيبة والردع اللامحدود، إلى إظهار القدرة على تمزيق خريطة نيتنياهو الوقحة التى نشرها فى خطابه أمام الدورة الـ7٨ للأمم المتحدة قبل نحو أسبوعين التى تُظهر شمول حدود إسرائيل كامل الأراضى الفلسطينية «الضفة الغربية وقطاع غزة».. خريطة تُعبّر عن طموحات عنصرية وأحلام توسع لا تقف عند حدود عندما تقول إن دولة واحدة هى إسرائيل موجودة بين النهر والبحر، أما شموتريتش وزير المالية المتطرف فيعلن: «لا يوجد شىء اسمه فلسطينيون»، وينشر خريطة تضم إلى أرض فلسطين سوريا ولبنان بوصفهما جزءا من إسرائيل الكبرى.

وفى ٢٢ من مايو الماضى قام نيتنياهو بإحياء ذكرى احتلال القدس الشرقية بعقد اجتماع حكومته الأسبوعى فى منطقة الأنفاق التى حفرت تحت ساحة حائط البراق المحاذية للمسجد الأقصى، وذلك للمرة الثانية بعد اجتماع مماثل جرى فى ٢٠١٧ وقال: إن عقد الجلسة يمثل رسالة رد على خطاب محمود عباس الذى أكد فيه أنه لا حق لغير المسلمين فى الحرم القدسى «وهو مجمع كبير يضم المسجد الأقصى وقبة الصخرة ومواقع أخرى»، وعلى حسابه على الفيسبوك نشر نيتنياهو صورة الاجتماع مرفقة بتعليق: «القدس لنا موحدة للأبد»، وقبلها بيوم واحد كان ايتمار بن غفير وزير الأمن القومى الإسرائيلى قد قام باقتحام المسجد الأقصى تمهيدًا لعقد مجلس الوزراء داخل النفق الذى حاولت إسرائيل منذ ٢٧ عاما فى ٢٥ سبتمبر ١٩٩٦ فتحه فكان الرد الفلسطينى بقيادة «أبوعمار» هو فتح نار جهنم معلنًا «هبة النفق» فى التحام شعبى ورسمى استمر لعدة أيام سجلت فيه قوات الأمن الوطنى الفلسطينى ملحمة بطولية ارتقى خلالها عشرات الشهداء ومئات الجرحى، وقتل أكثر من ١٥ جندى ومستوطن إسرائيلى؛ فى تلك المواجهة هرع كل دبلوماسيى العالم إلى المنطقة وعلى رأسهم الولايات المتحدة فى محاولة لإيقاف «الهبة» فى مقابل إيقاف جميع الإجراءات الإسرائيلية فى القدس وقفل النفق..

وفى الكتاب الأبيض للدولة المنتدبة بريطانيا اعترافا منها صراحة فى نوفمبر ١٩٢٨ بأن الحائط الغربى والمنطقة المجاورة له ملك للمسلمين فقط، واستشعر المسلمون بخطر تملك اليهود للأماكن المجاورة لحائط البراق خلال القرن الـ١٩ حتى وقعت ثورة البراق فى ٢٣ أغسطس ١٩٢٩ التى استشهد فيها عشرات المسلمين وقتل عدد كبير من اليهود، وبعد تمكن بريطانيا من السيطرة على الموقف بقسوة قدمت للمحاكمة ما يزيد على ألف شخص من العرب الفلسطينيين، وحكمت على ٢٦ بالإعدام من بينهم يهودى واحد كان شرطيا ثبت دخوله على أسرة عربية فى يافا مكونة من سبعة أشخاص قتلهم جميعا، ولم ينفذ حكم الإعدام إلا فى ثلاثة فلسطينيين هم فؤاد حجازى، ومحمد جمجوم، وعطا الزير..

وحول عملية الاجتياح البرى فى المرحلة الحالية فإن الجبهة السياسية بزعامة نيتنياهو كانت تبغى شد الجيش للوراء استجابة لمطلب جو بايدن ومستشاريه الذين يعتقدون أن تلك الخطوة سوف تشعل حربا إقليمية، وتهدد حياة الأسرى الإسرائيليين والأجانب لدى حركة حماس، بل ترى الإدارة الأمريكية ــ التى تُملى طلباتها على إسرائيل تأدبًا وانسحاقا على شكل نصائح ــ أهمية وضرورة حسم الصراع سريعا حتى لا تدخل فى حرب على أكثر من جبهة وتبدو مشتتة ما بين أوكرانيا وإسرائيل، وعلى هذا الخط الرافض للاجتياح البرى يلتقى الجنرال اسحاق بريك بنيتنياهو وهو المعروف بانتقاداته الدائمة لقائد الجيش الإسرائيلى محذرًا لينصحه من مكيدة الاجتياح لأنها ستتحول إلى كارثة بثمن كبير، وطالبه بإقالة قائد اللواء الجنوبى فى الجيش فورًا، وكذلك رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية بسبب مسئوليتهما عن الإخفاق الكبير الذى أتاح هجوم حماس، وخلال لقاء تليفزيونى فى القناة ١٤ قال: إن هذين القائدين قد تلقيا إنذارين على الأقل قبل يوم واحد من الهجوم وأيضا ليلة الهجوم بالضبط، أى قبل ساعات منه بأن هناك حربا فى الطريق، لكنهما لم يطلقا الإنذار لرئيس الأركان، وبقى رئيس الاستخبارت يستجم فى إيلات، وأضاف: «نحن فى الجيش معتادون فى كل فجر على النهوض إلى تدريب الصباح كنوع من استعراض القوة، لكن جنودنا راحوا فى النعاس ولم يجروا هذا التدريب، ومن ثمَّ تم قتل ٧٠ جنديا على الأقل فى المعسكرات، فكيف يستطيع قائد مسئول عن هذا الإخفاق أن يقود الحرب القادمة؟! كيف يتحمل ضميره، وإذا ما استطاع فكيف يقبل الجيش إبقاء قائد كهذا فى موقعه مع هذا الخطأ.. إن هناك ٤٠ ألف مسلح داخل الأنفاق تحت الأرض قد استعدوا جيدا للاجتياح الإسرائيلى وأعدوا كمية هائلة من العبوات الناسفة والألغام والكمائن، فإذا ما دخلت قوات المشاة الإسرائيلية فستجدون مفاجات تنتظرهم للاشتباك فى ظروف تعرفها المقاومة أكثر منا، وسيعودون إلى مواقعهم ويواجهوننا من جديد لتقع بيننا خسائر فادحة».. ويمضى الجنرال المتقاعد المعروف أن نيتنياهو ينصت له جيدًا فى نصائحه: «أقول للجيش ورئيس الحكومة والجميع.. توقفوا وتصرفوا بحكمة وروية واتزان».

على الجانب الآخر يرى المحللون أن الحرب الإسرائيلية على غزة مستنقع أمريكى جديد أتاح للصين مجال واسع لتغيير موازين القوة فى منطقة شبه جزيرة تايوان لصالحها، أما عن روسيا ففى سنوات سابقة كان الكرملين يتباهى بعلاقات وثيقة مع إسرائيل وردد الرئيس بوتين مرات عدة عبارات تفيد بأن خُمس مواطنى إسرائيل من أصول روسية وسوفيتية سابقة، إلى جانب أن عددا من المسئولين الروس والإسرائيليين فاخروا أكثر من مرة بأن المحادثات الرسمية بين الطرفين تجرى باللغة الروسية، لكن التحول الجدى فى العلاقات بين الاثنين بدأ فى عام ٢٠١٤ بعد اشتعال المواجهة مع الغرب على خلفية قرار ضم شبه جزيرة القرم واندلاع الأعمال القتالية فى شرق أوكرانيا ما وضع روسيا أمام حزم عقوبات غربية واسعة لتستكمل الحلقة النهائية من التحول فى العام التالى مباشرة فى أعقاب التدخل العسكرى الروسى المباشر فى سوريا، وخرجت الخلافات بين موسكو وتل أبيب إلى العلن من بعد اندلاع الحرب فى أوكرانيا إلى حرب غزة، حيث يعد بوتين واحدا من الزعماء العالميين القلائل جدًا الذين لم يتصلوا بنيتنياهو للتعزية فى القتلى الإسرائيليين فى السابع من أكتوبر، ولم يتم هذا الاتصال إلا بعدها بثمانية أيام ضمن سلسلة من اتصالات أجراها مع زعماء إقليميين لمواجهة احتمال اتساع الصراع، وإذا ما كان حزب الليكود الحاكم فى إسرائيل إلى وقت قريب أهم أصدقاء روسيا فقد أعلن أحد زعمائه «أمير ويتمان» بأن روسيا قد «باتت عدوًا» بل تعهد بمعاقبتها بعد الانتهاء من المعركة مع حماس قائلا «روسيا ستدفع الفواتير»، وكان لافتا غضبة الكنيسة الأرثوذكسية الروسية لتدمير كنيسة القديس بورفيرى الأرثوذكسية التابعة لبطريكية القدس بما أسفر عن مقتل ثمانية أشخاص حتى أنها قالت فى بيانها: «إن الكنيسة الروسية الأرثوذكسية تتعاطف مع الكهنة وأبناء الرعية الشجعان من الطائفة فى قطاع غزة، وتتعاطف مع الضحايا وتُصلى من أجل أن يقوى الرب شعب فلسطين فى مواجهة المحنة الحالية»، ووصفت الكنيسة الروسية فى بيانها الغارات الجوية الإسرائيلية على المؤسسات الدينية فى غزة بأنها «جريمة حرب لا يمكن تجاهلها»، وكان بوتين قد قال «نحن مع إقامة دولة فلسطينية ومع حقوق الشعب الفلسطينى وندعّم دولة مستقلة ضمن حدود ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية».

ومثلما كان الكاتب القدير أنيس منصور ينادى بنظرية «اعرف عدوك» مدونًا الصفحات الطوال فى تحليل الكيان الصهيونى من جميع الزوايا سياسيا واجتماعيا وأدبيا، وكان فى قربه الشديد من الرئيس أنور السادات نجم أكتوبر وخطيب الكنيست ومستعيد سيناء إلى أرض الوطن ما منحه فرصة الاطلاع على الكثير من الخفايا ليطرحها للقارئ مقالا وكتابا على بساط التعريف والوضوح والفهم، ومنذ أيام ووسط الأحداث الجسام وآلة الحرب الإسرائيلية تنتقم من أبناء غزة من بعد انتفاضة طوفان الأقصى يصلنى كتاب الساعة «إسرائيل التى لا نعرفها» للكاتب الباحث الدكتور عصام قاسم الذى لم يترك فى مؤلفه الشامل الجديد حول إسرائيل موضعًا ولا تاريخًا ولا حدثا ولا طائفة ولا حزبا ولا سلطة ولا حربا الخ.. إلا وكان فيه مدققا مستقصيا وافر المعلومات والاطلاع والطرح الأدبى السلس لينقل إلينا صورة شبه كاملة لدولة تغلغل فيها الدين اليهودى ليغدو العماد الأساسى للدولة.. من بين الصفحات المحملة بالمعلومات الهامة استوقفتنى تواريخ عاصرت أحداثها عن بُعد وقُرب فى سنين العمر: مذبحة دير ياسين فى ٩ أبريل ١٩٤٨ راح ضحيتها أكثر من ٣٦٠ فلسطينيا، وفى ١٧ سبتمبر ١٩٤٨ اغتالت عصابات صهيونية متطرفة الكونت فولك برنادوت ــ أول وسيط دولى للأمم المتحدة ــ الذى كان من مقترحاته حق الفلسطينيين فى العودة دون قيد أو شرط، مع استرجاع جميع ممتلكاتهم وبقاء القدس بأكملها تحت السيادة العربية ووضع حد للهجرة اليهودية، وضم النقب للحدود العربية، وفى اجتماع لمنظمتى «أرجون» التى يرأسها مناحم بيجن ومنظمة «شتيرن» برئاسة اسحق شامير ــ وكـلاهما جاء رئيسا للوزراء لاحقا ــ اتفقا على اغتيال الكونت، وتم تنفيذ الأوامر فى مدينة القدس.. وفى ٧ يونيو ٨١ قامت إسرائيل بشن غارة جوية مفاجئة على مفاعل العراق النووى على بُعد عشرة أميال جنوب غرب بغداد، وفى مايو ١٩٩١ بدأت عملية سليمان وهى جسر جوى لنقل نحو ١٤ ألف يهودى أثيوبى «يهود الفلاشا» من اثيوبيا إلى إسرائيل على مدار ٣٦ ساعة، وفى ١٣ سبتمبر ٩٣ وقعت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية اتفاق أوسلو الأول فى واشنطن الذى ينص على سحب قوات جيش الاحتلال من الضفة الغربية وقطاع غزة، وإنشاء سلطة حكم ذاتى للفلسطينيين، وفى ٤ نوفمبر ٩٥ قام «يغال عمير» الإسرائيلى المعارض لاتفاق أوسلو باغتيال رئيس الوزراء اسحق رابين فى تل أبيب، وفى ٢٣ يونيو ٢٠٠٢ بناء جدار الفصل العنصرى فى الضفة الغربية، وفى ١٨ أكتوبر ٢٠١١ أطلقت حماس سراح الجندى الاسرائيلى «جلعاد شاليط» مقابل ألف سجين عربى محتجز فى إسرائيل بما فى ذلك حوالى ثلاثمائة فلسطينى يقضون عقوبة الحبس المؤبد بحجة التخطيط لشن هجمات ارهابية، وفى الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠١٩ أعلن النائب العام الإسرائيلى «أفيخاى ماندلبليت» أنه وجه لرئيس الوزراء بنيامين نيتنياهو تهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة وذلك فى القضايا المعروفة باسم ١٠٠٠ و٢٠٠٠ و٤٠٠٠ ومازال التحقيق مفتوحا.

وإذا ما تمكنت الآلة العسكرية الإسرائيلية من تدمير قدر من قدرات المقاومة، وتصفية بعضٍ من قياداتها الميدانية، فإن الفراغ سيملأه آخرون سيكونون أكثر تشددا، لأنهم نتاج الفظائع التى ترتكب اليوم والأوضاع المزرية التى تعيشها غزة منذ زمن طويل،

فلا لا تسكروا بالنصر إذا قتلتم خالدا

فسوف يأتى عمرو

وإن سحقتم وردة

فسوف يبقى العِطر

المسجد الأقصى شهيد جديد

نضيفه إلى الحساب العتيق

وليست النارُ وليس الحريق

سوى قناديل تضىء الطريق


لمزيد من مقالات سـناء البيـسى

رابط دائم: