حتى ما قبل عام مضى لم يكن أحد فى العالم يعرف شيئا عن مدينة "باخموت"، وحتى صيف العام الماضى لم يكن أحد يتعرف عليها فى الخرائط الأوكرانية التى جرى تداولها بشدة بعد الغزو الروسى لأوكرانيا. مع الخريف جرى البحث عبر المحركات العالمية عن المدينة التى لا يعرفها أحد، ولكن تعول عليها روسيا كثيرا إلى درجة الهجوم المكثف، وتظن أوكرانيا أن الصمود فيها مسألة جوهرية؛ فإذا بالإجابة أنها مدينة صغيرة تقع على حافة إقليم الدونباس الأوكرانى وعدد سكانها ٧٠ ألفا، وتشتهر بالملح والجبس والنبيذ. فيما عدا ما سبق لم ينظر أحد للمدينة الصغيرة باعتبارها نقطة إستراتيجية فى الحرب، فهى لا تقع فى مفترق طرق مواصلات أو اتصالات، وهى ليست كثيفة السكان، ولا يوجد فيها طاقة صناعية تذكر، ومناجم الملح فيها لا تتفوق عن أى من نظيراتها فى أوكرانيا. ولكن التاريخ له دائما غرائب، فعندها تواجه الجيشان الروسى المهاجم، والأوكرانى المدافع، وبقى الحال بين كر وفر على مدى الأشهر الستة الماضية كان الحديث فيها روسيا عن سقوط وشيك؛ وأوكرانيا عن صمود بطولى مذهل.
التاريخ عرف الكثير عن المدن التى صمدت فى وجه هجمات أكثر عددا وعدة، وهذه عبر العصور كانت مدعاة لخيال البشر فى الشعر والأدب والغناء؛ وفى عصرنا الحالى فى السينما والحلقات التليفزيونية. فى وقتنا هذا هناك شخص ما أو مجموعة أشخاص، أو شركة تصمم لفيلم ملحمى عن المدينة التى لم يعد بها الآن إلا أربعة آلاف يسكنون الملاجئ بلا كهرباء ولا غاز، أما الغذاء فهو قليل. الأخبار الروسية تشير طوال الوقت إلى أن المدينة على وشك السقوط، وقت قراءة هذا العمود ربما يكون القول الروسى قد تحقق على يد جماعة "فاجنر" من مرتزقة المقاتلين، ولكن إذا لم يكن ذلك كذلك فإن أسطورة "باخموت" سوف تكون مستمرة. المؤرخون سوف يجدون حيرة كبيرة!
لمزيد من مقالات د. عبد المنعم سعيد رابط دائم: